حسب طريقة الثعالبي في (المضاف والمنسوب) عن الصيغ اللغوية في اللغة العامة تأتي صيغة (فلان بالع راديو) وهي وصف للشخص الذي لا يقف عن الكلام من جهة، ولا يدع غيره يتكلم من جهة أخرى، وهذه عينة بشرية تمر علينا في كل مناسباتنا الاجتماعية، ولكن وضع هذه العينة أكثر افتضاحا في تويتر، وهناك حسابات بعضها بمتابعين يصلون للملايين، ولن ترى في حساباتهم أي صيغة من صيغ التفاعل، بل إن بعضهم لا يتابع أحدا قط، في حين يستمتع وربما يباهي بالملايين التي تزين وجه حسابه، وهم مثل الراديو، يرسل ولا يستقبل. وقد تجد صعوبة في تفسير هذه الظاهرة، من حيث إن تويتر مضمار تفاعلي / حواري، فكيف بأحد منا يدخل لتويتر ويظل متجاهلا المعنى التفاعلي لهذه الوسيلة، ولنتصور أن كل الحسابات تحولت لتصبح مثل هؤلاء، أي ترسل ولا تستقبل …..!!!! حتما سينتفي عنها أي معنى لتويتر عبر انتفاء وظيفة هذه الوسيلة، وهذا يكفي لتشخيص التصور هنا، مما يؤكد أن هذه الحسابات نشاز ثقافي فيما يخص ثقافة تويتر، وبما إنها نشاز ثقافي فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: لماذا يتابع الناس هذه الحسابات وكيف تصل أرقام المتابعة للملايين. وبتتبع هذه الحسابات ستلحظ أن معظمها تعود لمشائخ أفاضل، بعضهم له صيت حميد ولهم برامج شبه تفاعلية في التلفزيونات يرد فيها على المشاهدين في بث حي على الهواء، ولكنه في تويتر يتحول إلى راديو، ويتخلى عن صيغة التلفزيون، ويكتفي بالإرسال على مسار واحد، أقرب للجمود اللفظي، أو البضاعة التي لا ترد ولا تستبدل، لدرجة التمنع عن الإجابة عن أي سؤال يوجه لهم، حتى وإن كان طلبا لفتوى أو معلومة تتصل بتخصص صاحب الحساب. هذا نوع من أنواع (اللحن الثقافي) كما أميل لتسميته، وهو يعني الثغرات التي يقع فيها الخطاب التواصلي إما بجنوحه لتعبير يضر بشروط الاتصال أو لفقدانه أي صيغة من صيغ الاتصال، عبر إلغائه للمرسل إليه، كما في هذا المثال لهذا النوع من الحسابات التي تمارس لحنا ثقافيا تصر عليه وتلازمه ويلازمها. مما يعني فقدانها للاتصال، وكما هو الشرط اللغوي فإن فقدان الاتصال يعني أن الشخص لم يعد كائنا لغويا، وهو أشبه بكائن صامت.
مشاركة :