استذكر وكيل وزارة الداخلية الفريق محمود الدوسري، الذي كان قيادياً في المقاومة الكويتية إبان الغزو العراقي للكويت عام 1990، بطولات الكويتيين خلال محنة الغزو الغاشم وما تعرضوا له من عذابات وما قدموه من تضحيات دفاعاً عن وطنهم الحبيب.حديث الدوسري، الذي كان وقتها يشغل منصب مدير أمن المطار، جاء ضمن الحلقة الأولى من ثلاثية له في برنامج «الذاكرة السياسية» التي بثت أول من أمس على قناة العربية، حيث وصف مشهد رؤيته لسيارة الشهيد فهد الأحمد، عند قصر دسمان، بأنه أثر فيه حتى اقشعر بدنه ودمعت عيناه، لأن يلقى الشهيد هذه النهاية «وهو الذي حارب مع العراقيين».وقال إنه «لم يكن يخطر ببال بشر ما حدث، خصوصاً أن الكويت عرف عنها بدعمها لعمقها العربي بكافة أوجهه، وخصوصاً إبان الحرب العراقية-الإيرانية، حيث كان هناك دعم من الكويت التي فتحت طرقها وموانئها للعراق. فضلاً عن المواثيق الدولية وميثاق جامعة الدول العربية هناك صلات الجيرة والقربى والدين، ولم يكن يخطر ببال بشر أن تقدم دولة بفعل ما تم فعله بحق دولة جارة محبة للسلام وفرت لها كل الدعم والعون». وعن ذكريات اليوم الأول، الثاني من أغسطس 1990، تابع الدوسري «فؤجئت بأنه تم ابلاغي بوجود هجوم على المطار وتحركات مشبوهة، وانتقلت مسرعاً مستقلاً مركبتي ومتجاوزاً الطرقات بأسرع ما يمكن حتى وصلت لغرفة العمليات في الإدارة العامة لأمن المنشآت، وكان القصف وقتها مستمراً». وأشار إلى بسالة القوات الكويتية «عندما مررت بين منطقة الرقعي ومنطقة معسكرات الحرس الوطني، كان هناك تبادل إطلاق نار بين الجانبين، حيث كانت القوات الغازية الصدامية قد اعتلت بعض الأبراج والأماكن المطلة على معسكرات الجيش الكويتي والحرس الوطني الكويتي، وقد أبدى الجيش والحرس الوطني الكويتي، شجاعة كبيرة في التصدي والمواجهة، وسقط منهم الكثير من الشهداء والجرحى وحاولوا منع وصول هذه القوات لكن حال دون ذلك عنصر الغدر والمفاجأة كما أن الكثرة تغلب الشجاعة».وأضاف «استطعت المرور بين أقواس النيران والرمي، بين المعسكرات الكويتية من جهة والقوات الغازية من جهة أخرى، ووصلت للمطار وسمعنا وقتها جنازير الدبابات وتم الاستيلاء على الشاحنات والحاويات التي كانت تعمل في الصحراء الكويتية بالقرب من الحدود العراقية. أبلغنا كافة المتواجدين بالمطار أن عليهم إخلاء المطار، لأنه يتعرض لحالة هجوم عسكري عنيف، وتم ابلاغهم بأن كل الرحلات ألغيت، ولن يتم ختم أي جوازات سفر ولن تحدث عملية استقبال أو مغادرة، ونجحنا في ابعاد السواد الأعظم من الموظفين وكذلك كافة المسافرين، وأبقينا على بعض ركاب الترانزيت وأوصلناهم عن طريق الخطوط الجوية الكويتية لأحد الفنادق وكان يشرف على ذلك أخونا حمد مبارك الفجي، وهو شقيق زميلي محمد الفجي أحد قادة المقاومة الكويتية البارزين». ورداً على سؤال عما إذا كان قد فكر في مغادرة الكويت، أجاب بالقول «لم أفكر أبداً في مغادرة الكويت، رغم أن البعض أبلغني بأنهم يبحثون عني بالاسم والصورة وأن اسمي وصورتي تم تعميمهما». وعاد ليستأنف ذكريات اليوم الأول من الغزو: «بعد إتمام عملية الإخلاء من المطار بقيت أنا وبعض القياديين، وقمت بالاتصال بالشيخ سلمان الصباح الذي كان وقتها نائب رئيس جهاز أمن الدولة، لأطمئن على القيادة السياسية وبشرني بأنهم بخير وأنهم انتقلوا لخارج الكويت وغادرت المطار قرب المغرب». وعن الأحاديث التي كانت تدور بين الكويتيين وقتها قبل التدخل الأجنبي، قال «لا شك ، كان هناك قلق كبير وترقب ومتابعة لكل محطات الإذاعة والتلفزة، لعل وعسى يتم سماع شيء، كنا نترقب تدخل قوات درع الجزيرة أو قوات عربية، ولكن في الأيام الأولى لم تتضح الصورة، لأنه كان هناك محادثات بين القادة لمعرفة ما حدث، وأكد وقتها صدام حسين لبعض الرؤساء أنه سينسحب من الكويت، وبدأنا نسمع أن القوات العراقية بدأت في الانسحاب باتجاه العراق، لكنها كانت عملية خداعية والتفاف لإيهام العالم بأن ثمة انسحاب، لكن كان الهدف الحقيقي هو تكديس وضخ قوات أخرى». وزاد «كنا نعتقد أن الدبابات العراقية التي دخلت هي كويتية، لأننا لم نكن نتوقع أن تدخل القوات العراقية بهذه السرعة، وأخلينا جميع ركاب الترانزيت وأمّناهم في أول يوم، وحاولنا تأمين منطقة الجمارك التي كانت تحوي بضاعة ثمينة عبارة عن مشغولات ذهبية وألماس مستورد للتجار». وعن ذكريات اليوم الثاني قال «ثاني يوم ذهبت للمطار، وقبل منطقة المطار كنت أستقل سيارة مدنية بلباس مدني، وتم توقيفي وعندما سألوني قلت لمن استوقفني من العراقيين أخي يعمل في منطقة المطار وأتيت لكي أطمئن عليه، فنهرني وقال لي: المطار مغلق وليس به أحد لا أخوك ولا غيره. ووجدت نفسي لا شعورياً أتوجه لقصر دسمان حيث كان يسكن سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد رحمه الله، بعد أن سمعت عن استشهاد الشهيد فهد الأحمد، في أول يوم في الغزو. كان الشهيد فهد الأحمد بطلا وشجاعا ومناضلاً، وحارب في حرب 1967، وحارب مع الفدائيين الفلسطينيين، وكانت تربطني به علاقة في الحركة الرياضية وكنت قد طرحت عليه فكرة إنشاء نادٍ للرماية الكويتية، وعندما حاول اقتحام بوابة قصر دسمان لإنقاذ سمو الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح ونقله تم اطلاق النار عليه».وأضاف «شاهدت سيارة الشهيد عندما أراد الدخول كانت بوابة الدخول مغلقة وبوابة الخروج مفتوحة وقام هو بالدخول في الاتجاه العكسي وتم اطلاق النار عليه، وللمفارقة هذه السيارة التي كانت تستخدم في بطولة الصداقة والسلام والتي وفق الشيخ فيها بين العراقيين والإيرانيين وتبادلوا المصاحف. (وشاهدت السيارة محشورة وزجاجها مكسورا)، وسمعنا أن الشهيد نقل للمستشفى الأميري وكان معه الراحل الشيخ راشد الحمود، وهو كان صديقه». واختتم بالقول «اقشعر بدني واغرورقت عيناي بالدموع عندما رأيت هذا الشخص الشجاع البطل يموت بهذا الأسلوب، بعد أن قاتل مع العراقيين في حربهم ضد إيران، وتوجهت بعدها لا شعورياً لمقر اتحاد كرة القدم الكويتي».
مشاركة :