د. محمد الصياد أين تكمن أهمية المخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي؟ ما هو تفسير حركة أسعار النفط ذهاباً وإياباً، تناغماً وحركة هذا المخزون في الاتجاهين؟المخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي، أُنشئ لغرض محدد وهو للاستخدام في أوقات الكوارث الطبيعية، وأزمات الطاقة كتلك التي نشأت إبان حرب أكتوبر 1973 إثر قطع إمدادات النفط العربي لبلدان غربية. المخزون موجود في ولايتي لويزيانا وتكساس، بطاقة إجمالية تقارب 727 مليون برميل، إلا أنه، لاعتبارات تتعلق بمخصصات موازنة وزارة الطاقة الأمريكية، واعتبارات فنية خالصة، لم يحدث أن تم استنفاد كامل الطاقة الاستيعابية للكهوف، مع أن توجيه رئاسي لوزير الطاقة صدر في عهد الرئيس بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، لتعبئة خزانات الكهوف لحد 700 مليون برميل، إلا أن ذلك لم يحدث، إذ زيد المخزون ب 27 مليون برميل فقط، وأعلى ما وصل إليه كان في عام 1994، وهو 592 مليون برميل يوميا. الكونغرس أيضا أصدر في عام 2005 قانون سياسة الطاقة وجه بموجبه وزير الطاقة لزيادة المخزون الاستراتيجي إلى مليار برميل. إلا أنه تم التخلي عن هذه الخطة في عام 2011 بعد أن ألغى الكونغرس المخصصات المالية لمشروع توسعة مرافق التخزين.ويبدو أن الولايات المتحدة وبعد أن عادت لتصدر قائمة الدول المنتجة (10.5 مليون برميل يوميا هذا العام)، وبعد ثورة إنتاجها من النفط الصخري، إضافة إلى التكلفة المتزايدة المرافقة لعملية الاحتفاظ بهذا المخزون، وكذلك أزمة العجز التي تعاني منها موازنتها العامة، قد أفضت إلى تراخي الحكومة الأمريكية فيما يتعلق باستمرار احتفاظها بهذا المخزون. بدليل أنها بدأت ببيع كميات منه للخارج، حيث باعت في مارس/آذار من العام الماضي، ولأول مرة في التاريخ، للصين، 550 ألف برميل بقيمة إجمالية بلغت 28.8 مليون دولار. وكان تقرير أصدرته وزارة الطاقة الأمريكية في 2016، أوصى الكونغرس بخفض المخزون النفطي الاستراتيجي إلى ما بين 530-600 مليون برميل، ما يعادل إمدادات 60 يوما. ولكن الحاجة إلى ملياري دولار لإصلاح وترميم الخزانات، دفع الكونغرس في ديسمبر الماضي لتمرير قانون مؤقت قضى ببيع ما يوازي قيمته 375 مليون دولار. وبعد أن كانت الولايات المتحدة صاحبة أكبر مخزون استراتيجي نفطي في العالم، فإنها اليوم تفسح المجال للصين لتبؤِّ هذا المركز، حيث صارت الصين اليوم أكثر هوسا من الولايات المتحدة بموضوع أمن إمدادات الطاقة. وهي بدأت فقط في عام 2007 بإنشاء مخزونها من النفط، وتداوم على زيادته كلما كان سعر البرميل تحت 50 دولارا، بل وبناء طاقات استيعابية جديدة بهدف الوصول إلى رقم ال 511 مليون برميل المستهدف. وبخلاف الولايات المتحدة التي تنشر بيانات مخزونها، فإن الصين اختارت السرية في هذا الموضوع، وإن كانت تقديرات إدارات الأبحاث في بعض البنوك الأمريكية مثل جيه بي مورجان تشاس، قد أشارت إلى بلوغ المخزون النفطي الاستراتيجي الصيني 400 مليون برميل في منتصف 2016. وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فقد بلغ المخزون النفطي الأمريكي 429 مليون برميل في 10 أبريل 2018، ما يعني أن الصين، في ضوء سياسة بناء المخزون التي ثابرت عليها طوال الشهور التي سبقت معانقة سعر برميل النفط 50 دولارا، تكون قد أزاحت الولايات المتحدة من تربعها على المركز الأول عالميا في المخزون النفطي الاستراتيجي. وهناك سعي جدي لدى بعض المشرعين والساسة في الكونغرس للتخلص من عبء تخزين على الأقل نصف المخزون، خصوصاً أن الإنتاج الأمريكي بات يقترب من نقطة الاكتفاء الذاتي المقدر وصولها في العام المقبل. والذي يحول دون الإقدام على هذه الخطوة هو سعر البرميل غير المغري حتى الآن للبيع. إنما من الواضح أن المخزون النفطي الاستراتيجي الأمريكي، قد وضعته الحكومة الأمريكية خلف ظهرها. وفي حين يريد الرئيس ترامب بيعه واستخدام أمواله لتغطية جزء من عجز الموازنة فإن الكونغرس يعتمد سياسة البيع الهادئ والمتدرج كي لا ينخفض سعر البرميل. علما بأن الكونغرس يملك تفويضا ببيع 190 مليون برميل بصورة متدرجة حتى عام 2025.
مشاركة :