كانت جريمة «الدالوة» في الأحساء شرارة لازمة لإشعال جرائم أخرى في مناطق مختلفة، تولد حال ارتباك وتثير فوضى أمنية، وتنقل رسالة عن قوة الإرهابيين وكثرتهم، كان الظن أن هذه الجريمة ستفجر وضعاً طائفياً استناداً إلى وجود احتقان حاد، لكن المقيمين في مواقع التواصل الاجتماعي لا يعرفون الناس ولا يفهمون الشعب، لذلك كانت وحشيتهم انعكاساً عليهم ونقمة، وما حسبوه فتنة استحال وحدة وتماسكاً، مثل ما حدث لأسلافهم من «القاعدة» حين هاجموا مبنى المرور، فسقطت كل أقنعتهم ونقم عليهم الجميع، بعد أن عرفوا سوء نياتهم وفساد مخططاتهم وحقدهم على البلد وأهله. الخطأ الآخر أنهم لم يظنوا أن الأمن سيقبض على أي منهم خلال ساعات، لأن الجريمة وظروفها ومحدودية المنفذين لها تسمح بالهرب والاختفاء، لذلك جاء القبض عليهم خلال ساعات صاعقاً، مع أن الاعتبارات الأمنية كانت تقتضي الصمت لاستكمال الملاحقة والرصد، ولمنع المطلوبين الآخرين من الهرب، إلا أن «الداخلية» أعلنت الخبر مباشرة ومع ذلك نجحت في اصطياد بواقي الخلية في مناطق عدة في بضعة أيام، فلم ينج منهم أحد حتى لكأن السعودية ضاقت بهم، فلم تعد سوى منطقة صغيرة لا تضيع فيها الإبرة، ما يجعل هذه العملية الأكثر إدهاشاً في سرعتها وتناغم حركتها وقدرتها على الرصد والملاحقة في فترة وجيزة. 47 من الخلية ذات الـ77 سبق اعتقالهم ومحاكمتهم وإطلاق سراحهم، ولعلهم اعتقدوا أنهم يعرفون الأمن وطرائقه ويراهنون على براعتهم في مخادعته، إلا أن ما صعقهم أن الأمن يتطور كل يوم فسبقهم بمراحل، إذ جاء اقتناصهم أسرع من وميض كاميرا «ساهر» حين تلتقط سيارة مسرعة. كانت البيانات الأولية طمأنة للناس على أمنهم وسلامتهم، ودلالة على الفاعلية والحركة، حتى أن أعداد المقبوض عليهم تعلن كل مرة من دون خشية من هرب الباقين، حتى جمعتهم الشبكة جميعاً في وقت وجيز، فلم تنقذهم معرفتهم بالملاحقة، ولم تسعفهم خبراتهم بالنجاة من القبضة اليقظة. هذه الحادثة المؤلمة أظهرت معنى المواطنة وتماسكها ووحدتها، كما هي حال أهالي تمير حين كشفوا تفاصيل مخطط يراد له أن يؤذيهم والوطن، وهو خناق اجتماعي عجز الإرهاب عن اختراقه والتشويش عليه، بل يزيده لحمة وصلابة وشراسة كلما توهم أنه متخلخل وسهل الانكسار، وأنه أمام سد منيع قبل أن يصل حدود الأمن ورجاله الذين هتكوا الأسرار وكشفوا المستترين واقتنصوا المختبئين. الذين لا يعرفون السعودية وتاريخها الطويل في محاربة الإرهاب لا يفهمون سر هذا الإنجاز، مع أنهم لو نظروا لـ «القاعدة» في اليمن لوجدوا أن كل إنجازاتها محاولات تسلل فاشلة، ولم تنجح في إنعاس عين ساهرة. اللافت هو أن 47 سبق الحكم عليهم، وهذا يستدعي ضرورة نظام صارم للإرهاب يكون ضمن قواعد الحكم أسوة بقرار هيئة كبار العلماء، حين عزرت مهربي ومروجي المخدرات بالقتل حماية لشبابها. ربما لا ينتهي خطر الإرهاب قريباً، المهم أن المجتمع متماسك والأمن يقظ.
مشاركة :