يشهد سوق التطوير الشخصي ازدهاراً لافتاً ضمن فئة الأولاد بين عمر الخامسة والخامسة عشرة. يمكن إيجاد جميع أنواع المقاربات: حكايات لبلوغ السعادة وتجاوز الحدود الذاتية والتغلّب على العوائق ودفاتر تمارين وألعاب ورق للتصالح مع العواطف الشخصية وحصص يوغا أو تأمّل لاسترجاع الهدوء... ما سبب هذا النجاح الهائل وهل تلبّي وسائل التطوير الشخصي حاجات الأولاد أم أهاليهم؟ يبحث الأهالي دوماً عن أدوات تسمح لهم بتحسين أدائهم التربوي. تبرز في هذا المجال عادات رائجة مثل تقديم المساعدة في الفروض المنزلية، أو مشاركة النوم مع الطفل في المرحلة الأولى من حياته، أو الرضاعة المطوّلة... لكن يبحث الناس اليوم عن الهدوء في المقام الأول إذا كان الأولاد كثيري الحركة. يلاحظ الأهالي والمعلّمون عموماً أن الأولاد يجدون صعوبة متزايدة في حصر تركيزهم. تزداد الحوافز التي يتلقونها والنشاطات التي يشاركون فيها، لذا يتطوّر حس فضولهم ويتعزّز ضياعهم في الوقت نفسه. لم تعد الخطة التربوية تقتصر على الاعتناء بصحة الأولاد، بل تشمل أيضاً الاهتمام بسعادتهم وانفتاحهم. لذا يعاني الأهالي اليوم إرهاقاً تاماً. يعيش الراشدون والأولاد معاً حياة نشطة وكثيرة الانشغالات، لذا يسهل أن يفقدوا توازنهم في مرحلة معينة. يمكن أن يشعر الأهالي بالضياع لأن الحياة عموماً زادت صعوبة على المستويات كافة وأصبح المستقبل مجهول المصير. ولما كان علماء النفس يرسّخون مشاعر الذنب لدى الناس الذين يقصدونهم، فيلجأ هؤلاء الأهالي إلى التطوير الشخصي على أمل أن يسترجع أولادهم الصفات التي جرّدتها منهم المدارس: العفوية، الثقة، الاستقلالية. لكن هل يمكن تحقيق هذه الأهداف فعلاً، وما المنافع الملموسة التي يقدّمها التطوير الشخصي؟ «تقديس» مفهوم الطفولة يهدف التطوير الشخصي إلى إعطاء الناس كفاءات تسمح لهم بالتصالح مع نفسهم ومع الآخرين. لكن يجب أن يتجرأ الشخص المعنيّ على الغوص في هذا العالم ويتمكّن من البحث عن مشاعره في أعماق ذاته ثم التعبير عنها بكل ثقة. من واجب الأهالي أن يرافقوا أولادهم في هذه المسيرة منذ أصغر عمر ممكن عبر الامتناع عن رسم الحدود لهم ومساعدتهم على التحكم بعواطفهم كي لا يصبح الآخرون وسيلة لتفريغ مشاعر الغضب مثلاً. تشمل خطابات التطوير الشخصي ما يشبه «التقديس» لمفهوم الطفولة، بمعنى أنّ الأولاد يعرفون بالفطرة ما يفيدهم وقد يشكّون بالراشدين من حولهم ويسعون إلى فرض سيطرتهم وينفرون من الأشخاص الذين يكبحون عواطفهم ويريدون إعادة برمجتهم. كذلك يحملون نزعة فردية تشكّل ركيزة لرغبتهم في العيش بسلام عبر تعزيز التواصل مع الذات ومع الآخرين، ما يضمن تحسين العالم عموماً. تَرِد هذه الفلسفة في كتب أطفال كثيرة تحقق نجاحاً باهراً. تروي إحدى الحكايات قصة أميرة سعادتها ناقصة لأنها تشعر بفراغ صغير في داخلها بعدما نسيت حقيقتها. يتحدث كتاب آخر عن أهمية تحديد رغباتنا الشخصية والتمسك بإرادة قوية كي تتحقق على أرض الواقع. يجب ألا ينسى الأولاد حدسهم وفضولهم وجرأتهم ويجب أن يتذكّر الراشدون أهمية تلك الصفات التي فقدوها. يحب الطفل المغامرة بطبيعته لكن يميل محيطه إلى كبح هذه النزعة لديه. لذا تكون الكتب التي يقدّمها مجال التطوير الشخصي جميلة ومريحة ومُشجِّعة وتسمح بمعالجة إشكاليات متنوعة، بدءاً من الثقة بالنفس وصولاً إلى ظروف الحداد. يعتبر الخبراء أن الناس يجب أن يوقفوا التصرّف كراشدين لأنه سلوك شائب ومزيّف. وحدهما حالة الطفولة والقدرة على الاندهاش تستحقان العناء. باختصار، يجب أن نعيد التواصل مع أعماقنا ونصغي إلى مشاعرنا ونحدد ما يفيدنا. عودة إلى الجسم يتخذ الجسم مكانة أساسية في مجال التطوير الشخصي. لما كان الأولاد يتلقون اليوم حوافز متواصلة، باتوا يخشون الصمت والفراغ. تقدّم لهم اليوغا لحظات قيّمة لاستعادة التوازن والعودة إلى الذات والشعور بالراحة عبر تقنيات التنفس التي تُعلّم الطفل أن يتعرّف إلى مشاعره وتساعده على استرجاع الهدوء، وعبر الصور التي تعطي معنىً للحركات، وعبر الوضعيات الجماعية التي تركّز الانتباه على الآخرين وتعزز الثقة بالجماعة. تقدّم هذه الممارسة رؤية مختلفة عن الجسم وتقضي باستكشاف مسارنا الخاص عبر التمسك بالحياة والاهتمام بصحة أعضاء الجسم، والبحث عن التوازن العاطفي والتحرر من نظرة الآخرين وإيجاد صفات شخصية مميزة. يُعَلّم بعض حصص التأمل الأولاد أن يتنفسوا بطريقة فاعلة كي يستعيدوا التركيز، وأن يفهموا وسائل التعبير عن العواطف، وأن يشعروا برغباتهم الحقيقية. باختصار، يجب أن يفهموا طريقة عمل جسمهم ويجيدوا التحكم بمعاناتهم ويتواصلوا مع نفسهم. يمكن أن يكتسب الأولاد شيئاً من الاستقلالية خلال عشر جلسات مماثلة ويعبّر المشاركون الصغار في نهاية العلاج عن منافع اكتسبوها: قد ينجحون مثلاً في الشعور بجسمهم خلال لحظات الهدوء ونوبات الغضب، أو قد يتعلّمون تجنّب تشتت العقل، أو يحسّنون نوعية نومهم، أو يتخلصون من خوفهم من اللقاحات... رأي علماء النفس تبقى آراء علماء النفس بهذه الظاهرة مختلطة. قد ينتقدون تقنية التطوير الشخصي مثلما انتقدوا سابقاً أنواع العلاجات الخاصة بالأولاد قبل تقبّلها لاحقاً. لكن أيّ ضرر يمكن أن يشتق من التنفس السليم واسترجاع الهدوء والطمأنينة؟ لا بد من معرفة رغبة الأولاد في هذا المجال ونوايا أهاليهم الذين يريدون تربية أولاد مثاليين وهادئين ومنفتحين على العالم. يتحدث علماء النفس عن أهمية أن يجد الأولاد قدوة لهم على مستوى أسلوب الحياة والتفاؤل والقدرة على النهوض وتجاوز المشاكل، ويشددون على حاجة الأولاد إلى اللعب أكثر من التطوير الشخصي. يساهم اللعب في بناء بيئة الطفل ويرسم علاقته بالعالم المحيط به ويسمح له بالتعرّف إلى نفسه والتعبير عن عواطفه وتطوير مخيّلته وقدراته. يقدّم التطوير الشخصي من جهته أدوات قيّمة ومبنية على أسس علم النفس الإيجابي مثل تعقّب العواطف والتوجيه الإيجابي للانتباه. لكن يرفض بعض الخبراء أن يستعمل الأولاد الأدوات وحدهم ويهملوا بذلك أهمية العلاقات مع الآخرين. فالطفل يحتاج إلى وجود والديه والتعلّم منهما كي يشعر بالهدوء ويبني ثقته بنفسه. ولا شيء أفضل من خوض النقاشات وسط العائلة أو قراءة الكتب وتعلّم النشاطات والهوايات جماعياً. وإذا كان الطفل يحتاج إلى استرجاع الهدوء، لا داعي كي يجلس ويتأمل وحده، بل يحتاج البعض إلى تفريغ الطاقة عبر نشاطات جسدية. ينزعج علماء النفس من اعتبار التطوير الشخصي علاجاً شافياً لأن المعالجين يجازفون بإهمال الطفل ككيان بحد ذاته. يُعتبر التأمل مفيداً لكنه لن يكون كافياً إذا كان الطفل يعيش معاناة حقيقية. يجب أن نفهم أولاً سبب حالته ونعمل على تفريغ الأفكار السيئة التي تتشكّل في عقله. سيكون كبح الأعراض شبيهاً بإسكات كلام مهمّ. لا يميّز التطوير الشخصي بين الأولاد والراشدين: يمكن أن نساعد الطفل على تجاوز معاناته سريعاً عبر الإصغاء إليه لأنه يكون في طور النمو. في المقابل، يشكّل تعليمه التكيّف مع وضعه عبر تقنيات محددة خطأً جسيماً. تطغى الرغبات والانفعالات على الطفل في أولى مراحل حياته ولا يمكن الامتناع عن رسم الحدود له لأنه سيعجز حينها عن العيش في المجتمع وستزيد معاناته. باختصار، يمكن الاستفادة من بعض تمارين التطوير الشخصي لكن من دون أن ننسى أهمية تربية الطفل وتثقيفه.
مشاركة :