في مصر لا صوت يعلو فوق صوت كأس العالم وتدابيرها وإجراءاتها التقشفية

  • 4/30/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

صوت يعلو فوق صوت المباريات المرتقبة، والجداول المنتظرة، وأماكن المشاهدة المتوقعة، وتنظيم من يشاهد ماذا مع من ومتى. فقد أزف الوقت، واقترب الحدث، ودقت ساعة كأس العالم المنتظرة. امتحانات؟ يمكنها الانتظار للعام المقبل! رمضان؟ إن الله غفور رحيم! أعمال وأشغال؟ هه؟ لا أسمعك! أن تسمع ما يقال في التجمعات الشبابية، وما يحاك في المجموعات العنكبوتية، وما يدور من مخططات ومؤامرات للاشتراك في خدمة البث المدفوع دون إشعار الأهل بمزيد من الضغوط المادية وما يجري على قدم وساق في عوالم المال والأعمال والبزنس والاتصالات والعقارات والإعلانات، وحتى في الأسواق الشعبية من موازنات وترتيبات لضمان أكبر هامش ربح ممكن، فهذا كله يؤشر إلى استعداد شعبي واستعداد مال وأعمال مضاد لمولد كأس العالم 2018 المقامة في روسيا. كأس العالم في روسيا تطور ونضج من نكات سخيفة حول إقبال الشباب والرجال العرب والمصريين على الذهاب إلى روسيا، بحجة تشجيع فرق مصر والسعودية والمغرب وتونس ولكن بغية حقيقية ألا وهي الزواج بروسيات جميلات ممشوقات القوام، إلى تركيز حقيقي على السبل المثلى لمتابعة المباريات، إن لم يكن عبر حلم صعب بعيد المنال حيث المشاهدة والتشجيع في «سبارتاك» و «فيشت» و «كازان أرينا» و «سانت بطرسبرغ» وغيرها من الملاعب الـ12 الأخرى، التي ستشهد المباريات الـ64 المقامة على أراضيها بعد أسابيع قليلة، فعبر التخطيط المحكم لأماكن المشاهدة في أرجاء مصر. أرجاء مصر تبدو شديدة الشبه بأجواء موسكو وسوتشي وغيرهما من المدن الروسية المستضيفة ملاعبها للحدث الكروي الأكبر. صحيح الطقس مختلف، والوجوه مغايرة، والأجواء غير متطابقة، لكن الشباب المصري ومجالات المال والأعمال والتجارة المتربحة من الحدث الكروي نجحت في إضفاء هالة روسية على الأجواء المصرية. وأعلى الجسور المصرية، وفي الميادين والشوارع الفرعية لافتات متراوحة في الحجم وفق ما تسمح به مساحة الفضاء العام لأعضاء المنتخب المصري من النجوم. فهذه شركة مشروبات غازية كبرى تهنئ وتبارك، وتلك شركة اتصالات تدعم وتشارك، وهؤلاء رجال أعمال يمتلكون شركات عقارية ومصانع مواد بناء عصرية وسوبرماركت للسلع الغذائية يعدون بهدايا للنجوم، وتلك برامج تلفزيونية تدفع المشاهدين الشباب دفعاً للمشاهدة والمشاركة في المسابقة اليومية علهم يفوزون برحلة الأحلام إلى روسيا. الأحلام الدائرة رحاها حول روسيا ألقت بظلال يراها الأهل وخيمة على الأبناء من الطلاب والطالبات. فبينما أكرم (19 عاماً) يفترض أن يستعد لامتحانات الثانوية العامة للعام الثاني على التوالي بعد ما أخفق في العام الماضي، إذ بوالده يكتشف أنه أعد خطة محكمة لمتابعة المباريات حتى تلك المتزامنة وامتحاناته. وبعد معركة كلامية حامية، وهجمات مرتدة وهجمات جزاء مفبركة، قال أكرم «الثانوية العامة يمكن تكرارها، أما مباريات كأس العالم فلا»! ولا يمكن بالطبع اعتبار منطق أكرم هو القاعدة، لكن تجدر الإشارة إلى أن الأيام الماضية شهدت دعوات طلابية لتأجيل أو إعادة ترتيب جدول امتحانات الثانوية العامة في شكل يناسب جدول مباريات كأس العالم، وهو ما قوبل برفض استنكاري من قبل المسؤولين. رفض استنكاري آخر لكن هذه المرة منبعه هو قطاع عريض من الشباب أنفسهم. جانب منهم تعجب وتذمر من قيام بعض بمحاولة تصوير «محبوب مصر» النجم محمد صلاح باعتباره رافع راية نصر الإسلام والمسلمين. وعلى رغم أن من يرون نجومية صلاح تصب في خانة خدمة الدين ومناهضة أعدائه «من أتباع الديانات الأخرى والملحدين وغيرهم» هم من الشباب أيضاً، إلا أن موجة الرفض لأسلمة نجاح صلاح تعكس نوراً تنويرياً شبابياً لم يصبه عطب «هسهس التديين». وجد المصابون بـ «الهسهس» أنفسهم يقفون على الجانب نفسه الذي يقف عليه أعضاء والمتعاطفون مع جماعة الإخوان المسلمين الذين صبوا جام الغضب وكل الحنق على صلاح، تارة لأن صورة التقطت له وهو يحتفل بأحد نجاحاته وكانت الخلفية إعلاناً لمشروب كحولي، وتارة أخرى لأن النظام المصري الحالي يستخدم كرة القدم كمخدر للشعب يبعده عن مشكلاته الحياتية الصعبة، وثالثة لأن كرة القدم أصلاً حرام! الغريب أن أحد النقاد الرياضيين المشهورين والذي هرب من مصر بعد 2013 لانتماءاته الإخوانية، كان يؤكد دوماً أن محمد صلاح إخواني! تسييس محمد صلاح أو تديينه لا يجدان صدى لدى القاعدة العريضة من الشباب المصري. فالصدى الوحيد هذه الأيام هو محبة جارفة للاعب الدولي، واستعداد واضح لكأس العالم دون تعكير صفو المشاهدة بمن يسجد على أرض الملعب لماذا، أو بمن تبدو عليه أمارات انتماء سياسي ولمن. ومن طالع الأخبار خلال الأيام القليلة الماضية، وجد مبادرات شبابية رائعة لتشجيع المنتخب المصري. فهذا شاب مصري بدأ مبادرة «المونديال بالبدال»، إذ انطلق الشاب محمد نوفل بدراجته إلى روسيا في رعاية وزارة الشباب والرياضة المصرية والمركز الثقافي الروسي والاتحاد المصري للدراجات، حيث يمر على سبع دول بدراجته هي مصر والأردن وبلغاريا ومولدوفيا وأوكرانيا وأخيراً روسيا، في رحلة طولها خمسة آلاف كيلومتر وتستغرق 65 يوماً. ومقدر أن يصل موسكو يوم 7 حزيران (يونيو) المقبل وذلك قبل انطلاق نهائيات كأس العالم بأيام. أيام طويلة أمضاها الشقيقان مالك (18 عاماً) وطارق (20 عاماً) لإقناع والدهما بالاشتراك في باقة تلفزيونية تبث مباريات كأس العالم. وبعد مفاوضات مضنية وجهود مركزة، توصلت الأطراف إلى الاشتراك في الباقة بشرط إخضاع المصروف الشهري لترشيد حاد وفرض إجراءات تقشفية حازمة لحين انتهاء المونديال ووقف دفع الاشتراك.

مشاركة :