أيام قليلة وتصلنا تهنئة أفيخاى أدرعى، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى، بمناسبة شهر رمضان المبارك، فالرجل منذ ظهوره قبل 12 عامًا لم يترك مناسبة إلا وكان سباقًا بالتفاعل معها، فإذا كانت دينية ارتدى عباءة الشيوخ، ولا مانع من بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المصحوبة بالصلاة على النبى، وإذا كانت كروية ارتدى تى شيرت الفريق القومى وهلل مع المصريين، بل وخصص مساحات بصفحته على «فيسبوك» لتحليل أداء اللاعبين، وإذا كانت تاريخية ارتدى زى المؤرخ وتسلح ببعض المعلومات، ولم يعد يفوته فى التهنئة بالمناسبات سوى (السبوع والطهور) وليس مهمًا إذا قوبلت تهانيه بالسباب الذى يطوله هو ومن أنجبته، والدولة التى ينتمى إليها، فابتسامته الباردة عادة ما تكون ردة فعله، بل وحافزه على تكرار التهانى. مؤخرًا.. أرسل أفيخاى تهنئة للنجم محمد صلاح لفوزه بلقب أحسن لاعب فى الدورى الإنجليزى، واستخدم مصطلح «الفرعون المصرى» الذى يحلو للمصريين استخدامه، فكان الرد على التهنئة كالعادة آلاف الشتائم من المصريين والعرب. ثم استخدم أفيخاى اسم محمد صلاح فى حديثه عن مظاهرات الفلسطينيين فقال، «تحدثنا كثيرًا عن الفرعون المصرى محمد صلاح الذى يعتبر قدوة ونموذجًا يحتذى به فى أنحاء المعمورة.. فماذا عن المشاغب الفلسطينى العنيف المشارك فى مسيرة الفوضى؟» ولا أعرف سببًا لهذا الربط بين صلاح وشباب فلسطين الذى يواجه آلة إسرائيل العسكرية بصدور عارية سوى التحريض ضد الفلسطينيين، وكأنه يريد أن يبعث برسالة مفادها، أن محمد صلاح ضد ما يفعله الشباب الفلسطينى، وتناسى أفيخاى أن صلاح عندما كان يلعب لفريق بازل السويسرى، رفض مصافحة لاعبى فريق مكابى تل أبيب، وهاجمه الجمهور الإسرائيلى. المتحدث باسم الجيش الإسرائيلى يستخدم كل أدواته لجذب الشباب العربى وزرع الفتنة بينهم، يتحمل الإهانة المدرب عليها جيدًا، ويقابلها بابتسامة لعله يكسب ثقة شاب أو يقنع آخر، يحفظ آيات من القرآن، وبعض الأحاديث التى يوظفها وفقًا للقضية التى يتصدى لها، ولعل استشهاده ببعض الفتاوى لكبار الأئمة المسلمين الخاصة بنبذ العنف وتأكيده أن الإسلام لا يرضى عن التظاهر لأنه من عمل الكفار.. دليل على أن أفيخاى لا يعمل منفردًا، فهذا الرجل خلفه مؤسسات ضخمة تخطط له، وفريق عمل يعاونه، وقد شاهدناه من قبل يقدم التهنئة للمسلمين بمناسبة العيد، وأمامه طبق من الكحك يؤكد أن صديقته المصرية قدمته له، وخلفه ثلاث مجندات من الجيش الإسرائيلى يقدمن معه التهانى. تحول أفيخاى أدرعى إلى ظاهرة بتواجده الدائم على مواقع التواصل الاجتماعى وتفاعله مع الشباب العربى، أما دعمه من مؤسسات دولته فأصبح مؤكدًا، وقيل إن إسرائيل تنفق عليه سنويًا ستة ملايين دولار، بالإضافة إلى تحملها لنفقات ضيوفه العرب الذين يدعوهم لزيارة تل أبيب، ويحرص أدرعى على بث هذه الزيارات من خلال صفحته على «فيسبوك»، وفيها يتحول إلى مذيع يحاور ضيوفه، وعلى ألسنتهم نرى إسرائيل الوديعة المحبة للسلام. لم يكن للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلى أن يتحول إلى مشروع كبير، إلا بتسويق جيد قامت به قناة «الجزيرة» القطرية طوال السنوات الماضية، فمنها أطل كالعديد من الإسرائيليين، وفيها تنقل بين البرامج ليدافع عن بلده ويحولها إلى ضحية، وكأن «الجزيرة» رفعت شعار (الرأى والرأى الآخر) لتوجد لنفسها مبررًا لاستضافة أفيخاى ومن على شاكلته، لتكون القناة العربية الوحيدة التى تستضيف إسرائيليين، بل إن أدرعى يحل طرفًا فى مناظرات مع سياسيين عرب، ووصل حد البجاحة الإعلامية إلى استضافة السورى فيصل القاسم له فى برنامجه (الاتجاه المعاكس) مع محلل سياسى سورى، وكلاهما كان يدافع عن قضيته، أما فيصل الذى يدعى الوطنية ويعلم أن بلاده ضحية الأطماع الإسرائيلية.. فتستر بشعار قناته (الرأى والرأى الآخر). تلك هى «الجزيرة» التى تعمل وفقًا لأجندة أبرز ما فيها تفتيت المنطقة والتخديم على أطماع الأمريكان والصهاينة، وهى نفس الأجندة التى يستخدمها أفيخاى أدرعى، فكلاهما يبث السم فى العسل، الأولى من خلال شعار ترفعه، والثانى من خلال تهانٍ يحرص على إرسالها.
مشاركة :