سجلت أسعار النفط ارتفاعاً كبيراً في الشهر الماضي، رغم التحسن المستمر في إنتاج النفط الصخري الأميركي، نتيجة استمرار ضيق أساسيات الأسواق، وزيادة المخاوف حول الأوضاع الجيوسياسية واستقرار مستوى الإنتاج. وارتفع مزيج برنت بواقع 18 في المئة مقارنة بمستواه المتدني في فبراير 2018 ليتجاوز 74 دولاراً للبرميل، كما ارتفع مزيج غرب تكساس المتوسط بأكثر من 15 في المئة مقارنة بمستواه المتدني في فبراير ليصل إلى 68 دولاراً للبرميل، حيث سجل كلا المزيجين أعلى مستويات لهما منذ ثلاث سنوات ونصف السنة بارتفاع بلغ 10 في المئة و13 في المئة على التوالي حتى الآن في 2018. وحسب الموجز الاقتصادي الصادر عن بنك الكويت الوطني، ارتفعت أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة نتيجة كل من الضربات العسكرية التي وجّهتها أميركا ضد سورية، واحتمالية انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الإيراني، والتراجع المستمر في إنتاج فنزويلا. كما أبرزت احتمالية اشتعال نزاع تجاري نتيجة تدهور العلاقات التجارية بين الصين وأميركا مخاطر جديدة. وفي حين أن هذا التخوّف قد خفّ قليلاً، إلا أن اشتعال حرب تجارية سيتسبب في ضرر جسيم سيمس النشاط التجاري العالمي والنشاط الاقتصادي، ومن ثم الطلب على النفط. إيران وفنزويلا مصادر قلق أشار الرئيس ترامب في يناير إلى أنه لن يواصل إعفاء إيران من العقوبات دون التماس موقف جدي من قبل الكونغرس الأميركي والدول الأخرى الموقعة على الاتفاق تجاه برنامج إيران النووي. ويعتبر قيام ترامب بتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية، وجون بولتون مستشاراً للأمن القومي، اللذين يعدّان من أكبر المتشددين في السياسة والأكثر انتقاداً للاتفاق، دليلاً كافياً على حتمية انسحاب أميركا منه، بينما ستظل الدول الأوروبية وروسيا والصين على مواقفها. وإذا افترضنا أكثر السيناريوهات تحفظّاً، فمن المتوقع أن تخسر إيران 400 إلى 500 ألف برميل يومياً من صادراتها خلال سنة فقط في حال تمت إعادة فرض العقوبات، إلا أن أي تقديرات تبقى مجرد تكهنات، حيث لاتزال كل من الدول الأوروبية وروسيا والصين ترى أن إيران ملتزمة بضوابط الخطة، كما أن الدول المستوردة للنفط الإيراني قد لا توافق على خفض كمية استيرادها في حال عدم وجود ضغط حقيقي من قبل أميركا (كالحد من دخولهم النظام المصرفي الأميركي). وقد ترفع دول «أوبك» إنتاجها للتعويض عن التراجع الناتج عن غياب النفط الإيراني، إلا أن ذلك أمر مستبعد في ظل الظروف الحالية، لاسيما أن المنظمة تبذل قصارى جهودها للالتزام ببنود اتفاقيتها، وتضييق مستوى الإنتاج قدر الإمكان، إذ لاتزال وتيرة تراجع إنتاج فنزويلا سريعة نتيجة انهيار الأوضاع الاقتصادية وشحّ الاستثمار. وتشير بيانات «أوبك» خلال فبراير إلى تراجع إنتاج فنزويلا إلى 1.59 مليون برميل يومياً فقط، أي التراجع بواقع 700 ألف برميل يومياً أو بنسبة 31 في المئة، حيث تعاني البنية التحتية النفطية هناك من وطأة سوء الإدارة، وتدني التدفقات المالية والمطالب الأجنبية التي تتمثل في تصدير ما يصل إلى 37 في المئة من إنتاجها (أو ما يقارب 600 ألف برميل يومياً) إلى روسيا والصين سداداً لديونها. وفي حال استمر كل من سيناريو الاقتصاد الفنزويلي وموقف ترامب تجاه إيران، فمن المحتمل أن ينعكس ذلك على الأسواق بمخاطر تراجع الإنتاج العالمي وعملية خفض الإنتاج الإضافي، لاسيما في ظل ضيق الأوضاع في السوق. ومن الممكن أن تصل أسعار النفط إلى ما يقارب 70 دولاراً بدلاً من 60 دولاراً هذا العام، بينما أجمع المحللون على بلوغ متوسط الأسعار نحو 64 دولاراً هذا العام. الثقة ترتفع اتجه العديد من مديري المحافظ المالية إلى المراهنة بقوة على ارتفاع أسعار النفط في الأسابيع الأخيرة، فقد بلغ صافي عمليات البيع الطويلة في عقود برنت الآجلة 632,444 عقداً في منتصف شهر أبريل، ما يجعله أعلى مستوى منذ عام 2011. ورغم تكاثف هذه الوتيرة في الأسابيع الأخيرة، فإنها قد بدأت فعلياً منذ منتصف عام 2017 بعد قرار «أوبك» بتمديد فترة خفض الإنتاج حتى العام 2018. ومنذ ذلك الحين، شهدت أساسيات الأسواق تضييقاً مع سحب «أوبك» 1.9 مليون برميل يومياً من إنتاجها، منذ يناير 2017، ومع تقليل دول منظمة التعاون الاقتصادي الإنتاج والمخزون إلى 2.84 مليار برميل في فبراير مقارنة بأكثر من 3 مليارات برميل يومياً في بداية 2017. وبالفعل، فقد بيّنت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الأخير أن بإمكان «أوبك» وشركائها من خارج المنظمة بقيادة روسيا تحقيق الهدف المنشود الشهر المقبل، وذلك بخفض المخازن العالمية إلى مستوى أدنى من متوسط إنتاجهم لفترة خمس سنوات، حيث جاء إنتاج المنظمة وشركائها أعلى من الهدف بواقع 30 مليون برميل يومياً، وفق أحدث بيانات متوافرة لشهر فبراير. وأشارت «أوبك» وروسيا الأسبوع الماضي إلى نية الاستمرار بالتعاون حتى ما بعد 2018 لدعم توازن السوق. وقد تراجع إنتاج «أوبك» إلى 31.9 مليون برميل يومياً في مارس، وذلك وفق مصادر ثانوية للمنظمة، فقد جاء معظم الانخفاض في الإنتاج من فنزويلا والسعودية وأنغولا، أي بواقع 170 ألف برميل يومياً بالإجمال، وذلك على أساس شهري، مما أدى إلى ارتفاع نسبة التزام المنظمة إلى مستوى قياسي بلغ 163 في المئة خلال شهر مارس، بينما حققت الدول المشاركة من خارج المنظمة نسبة التزام بلغت 90 في المئة في مارس. من جانبها، خفضت وكالة الطاقة الدولية توقعاتها قليلاً بشأن الطلب العالمي إلى 1.5 مليون برميل يومياً في 2018 من 1.6 مليون العام الماضي، حيث تعكس هذه التوقعات رؤية صندوق النقد الدولي التي تشير إلى ثبات النمو العالمي عند 3.9 في المئة في 2018 و2019 بدعم من الاقتصادات الآسيوية بقيادة الهند. في الوقت نفسه، سجلت الصين نمواً قوياً في الربع الأول من عام 2018 مع نمو اقتصادها بواقع 6.8 في المئة على أساس سنوي. وتعد وتيرة نمو الاقتصاد الصيني مؤشراً أساسياً للطلب العالمي لكونها أكبر الدول المستوردة للنفط، وتشكل 13 في المئة من الاستهلاك العالمي.
مشاركة :