تحترف العزف على الكمنجة، ويُطلق عليها في الحياة المعاصرة الكمان، ويُقال إنها آلة موسيقية تشترط الدقة، والإحساس بكل وتر. اللقاء مع الموسيقية السعودية جهاد الخالدي يتضمن الكثير من المشاعر اتجاه الموسيقى، فهو بالنسبة لها وللمتذوقين أشبه بجلسة علاج نفسي منعشة للقلب، وبانطلاق موهبتها لاسيما باعتباره سيدة سعودية حاصدة إعجاباً محلياً وعالمياً، لاسيما لمتذوقي الموسيقى بحس عال. أثار ظهور الخالدي، وهي أول سعودية مؤهلة للعزف، أملاً للموسيقى في السعودية، تقول في حديث لـ«الحياة»: «لم تكن الموسيقى في الثقافة العربية والغربيه شكلاً فنياً فحسب، بل أنها علماً وعلاجاً ووصفة طبية يأمر بها الأطباء، لعلاج أذهان المرض وأجسامهم. واعتبر المؤرخون دراسة الموسيقى أرقى ما في الثقافة والحضارات القديمة، لأنها تسمو بالروح عاليا. وقال الفيلسوف الألماني نيتشه إن الحياه من دون موسيقي خطأ كبير، لأنها (الموسيقى) تعلم الذهن وتحسن الشخصية وتنعش الروح، وتلهم الإبداع في المجالات كافة». وترى جهاد أن للأنغام الموسيقية «تأثير في الذهن، ووفقاً له ترتبط العناصر والحالات المزاجية في علاقة وثيقة في إطار أنغام وإيقاعات محددة تعكس النظام الكوني، إذ نظر ابن خلدون إلى الموسيقى باعتبارها الشكل الفني الأكثر تطوراً، وأنها لا توجد الا في مجتمع بالغ التقدم، لكونها تعبيراً عن السرور والرفاه، وكان من أشهر الموسيقيين العرب أبن سينا، وهو من عرفناه طبيباً. واعتبرت الموسيقى الفن الذي عزا إليه الأدب العربي، لما له من تأثير عميق في الروح الإنسانية، وكانت عبر التاريخ تتضمن العزف، وكان العازف أيضاً مغنياً، وغالباً ما كان شاعراً، ويتعين أن تجمع موهبته بين القدرات النظرية والعملية، وأنك إذا احببت شعراً تشعر بكلماته أكثر إذا تم تلحينها. وبحسب علم الموسيقى فإن هذه الآلة ذات الأوتار الأربعة يوصف صوتها بالحزن او الحنان، وهي ترى أن هذه الآلة «من أصعب وأدق الآلات على الإطلاق، وتحتاج إلى تكنيك ومهارة ودراسة وتدريب لمدة طويلة حتى تتمكن من العزف الصحيح، ويوصف صوت الكمان بالحزن أو الحنان ويصل صوتها إلى القلب مباشرة، وصناعتها صعبة وصوتها مؤثر ومعبر عن مشاعر عدة قد يشعر بها الإنسان عند سماعه الكمنجة، وتستخدم للفرح عند سماع عزف ألحان جميلة دقيقة ذات طابع سعيد ومفرح فتجد الكمنجة خير من يعبر عنها، ولكنها تحتاج مهارة عازف محترف». وعن الصفات التي يجب أن يتحلى بها عازف الكمنجة، أوضحت: «المثابرة والمحاولة الدؤوبة للعزف من دون أخطاء، وسماع نشاز، واستخدام طرق عدة وتقنيات مختلفة في التدريب على العزف، وإعطاء التعبير والشعور المناسب للمقطوعة، كما أن ما يكتسبه العازف من خلالها في حياته هو الأهم من ضمنه الثقة في النفس وتوازن العلاقات». وساهمت آلة الكمنجة في تشكيل نوع حياتها، مبينة أنها «جعلتني أكثر إصرارا على العمل، من خلال وصولي إلى نتائج عالية في دراستي العليا، وكل وظيفة وعمل تطوعي شاركت فيه، وأثر ذلك على مخرجاتي التي تميزت بالدقة، وما ساهم به في تلقيني أهمية فريق العمل ، وكأنهم يعزفون لحن واحد لا يقبل النشاز ولا الفردية في العمل، وهذا مطابق للغة عزف الكمنجة التي يفضل سماعها مع مجموعة وتريات أو مع بيانو أو أوركسترا مصاحب مساند للحن لإبرازها». وعزت الخالدي أسباب قلة العازفين عربياً إلى المردود المادي، مشيرة إلى أن «ما يعود للعازف من ماديات لا يساوي حجم التدريبات المطلوبة من وقت قد يستغرق سنوات للعزف بمهارة عالية، وهذا أحد أسباب عدم اختيار البعض للعزف كمصدر للدخل». واتفقت جهاد مع مقولة عازف الكمان التونسي حمزة أبا حين قال: «إن العرب يفتقرون إلى ثقافة الموسيقى، وأن الغناء أهم من العزف»، مضيفة أن «بعض العرب يفتقرون إلى ثقافة الموسيقى ويعتبرون الغناء أهم، لعدم وجود تربية موسيقية منذ الطفولة، ذلك ما يأخذنا إلى ضرورة تدريس الموسيقى في المنهاج الدراسي على غرار بقية المواد». وعزت الخالدي أسباب ظهورها إعلامياً في هذا التوقيت، مبينة أنه «لم يكن هناك مجالاً لإشهار دراستي الأكاديمية للموسيقى، إلا أنه ومع توجه الدولة للأرتقاء في المستوى الثقافي من خلال هيئة الترفيه وهيئة الثقافة والفنون في المجتمع شعرت بنوع من الحماس الذي ساعدني على الظهور، في هذه المرحلة، ذلك ما يؤكد تحقيق ما أصبوا اليه من خلال سعي الدولة لتبني ثقافة نشر الثقافة الموسيقية الموزونة من خلال ثلاث أبعاد استراتيجية الا وهي: إنشاء أكاديمية لتعلم الموسيقى للطفل مثل الكونسرفاتوار، لتعلم أساسيات العزف المحترف ومنحهم شهادات معتمدة وهذا طموحي، وإدخال قسم التربية الموسيقية في الجامعات والمدارس كما حدث في الدول الأخرى، ودعم المحتوى الإعلامي للموسيقى من خلال برامج التلفزيون والإذاعة وتنظيم الحفلات الموسيقية وعمل دورات في جمعيات الثقافة والفنون في جميع أنحاء المملكة بوجود دار الأوبرا أو مسارح ثقافية». ولأن ظهور الهيئة العامة للترفيه وهيئة الثقافة والفنون، تزامن مع إقامة حفلات متنوعة في المملكة سألتها، إن كان ذلك سيساهم في تطورها وتوسعها فردت: «أتمنى أن يكون هذا الانفتاح مدروساً، ليصل بطموحاتنا نحو ما غرسناه، وأقصى أمنياتي أن أكون جزءاً من هذا البناء داخل بلدي، وأن يكون القائمين عليه متخصصين، لأنه من أصعب المجالات». قطعت هذه العازفة مشواراً طويلاً حتى وصلت إلى الدراسات العليا في مجالها «كانت الموهبة هي البداية، وأتمنى بعد هذا المشوار أن تكون الموسيقى مهنتي من خلال بناء أكاديمية متخصصة لتعليم الأطفال الموسيقى، وإقامه حفلات أوركسترالية كلاسيكية في أنحاء المملكة، ونشر ثقافة تذوق الموسيقى». وشاركت جهاد في أكثر من 100 حفلة في مصر وحول العالم خلال ثمانية أعوام، وكذلك في الحفلات الصغيرة في بعض السفارات الأجنية في المملكة، وخلال 18 عاما أثناء دراستها في المعهد اشتركت في عدد من حفلات الصولو والكورال.
مشاركة :