ما زالت حملة مقاطعة العديد من المنتجات من قبيل أنواع من الماء المعدني والحليب والغاز، سارية بالمغرب منذ 20 أبريل الماضي. وهي حملة دفعت مسؤولين سياسيين ورجال أعمال لإصدار تعليقات وأوصاف غير لائقة من قبيل “مداويخ” و“خونة الوطن” و“قطيع”، ضد كل من قاطع. ولا شك أن تلك التعليقات والأوصاف تمثل مواقف مستفزة لا تنضبط لأبجديات فن التواصل والتدبير الأمثل للأزمة. ما يعني أننا أمام مشكلة أخلاقية وتدبيرية تختزل عقلية أنانية ومتعجرفة لمسؤولين ووزراء ورجال أعمال وسياسيين، كان حريا بهم انتقاء طريقة أمثل للتواصل مع فئة من الشعب عبرت عن رأيها. تعامل هؤلاء المسؤولين يقر بأنهم استقالوا حقيقة وطواعية من مهامهم في الدفاع عن مصالح الوطن والمواطنين، وليس لديهم أي انتماء حقيقي لمشاكل الشعب واحتياجاته، مفضلين امتيازاتهم الاقتصادية وأرباحهم الخيالية ورواتبهم السمينة. الغريب في هذا الإطار أن تصطف البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حنان رحاب، إلى جانب رجال الأعمال الذين طالت المقاطعة منتجاتهم لتصف المشاركين في حملة المقاطعة بـ“القطيع”، والمفروض أن مسؤوليتها كبرلمانية أولا تنتمي إلى حزب أقام مشروعيته على الدفاع عن العدالة الاجتماعية والاصطفاف مع الفقراء والمضطهدين ضد التوحش الرأسمالي، هي أن تبادر إلى مقارعة كل من يريد ضرب القدرة الشرائية للمغاربة وأن تقف ضد الغلاء والاحتكار بالأسواق. من خلال المقاطعة عبّر الناس عن امتعاضهم وغضبهم وسخطهم من جشع بعض الشركات التي همها الأساسي فقط الربح دون أي اعتبار آخر، وكان الهدف الجوهري من الحملة حثّ تلك الشركات على تملّك حس المواطنة وترك هوامش الربح في حدود معقولة. ما يثير الصدمة هو الصمت المطبق للنواب والمستشارين داخل البرلمان المغربي، وكأن تلك الأوصاف التي أطلقها هؤلاء لا تهم جزءا من شعب المفروض أنهم انتدبوا ليدافعوا عن مصالح مواطنيه وكرامته ضد كل جشع يطاله قبل أي شيء آخر. المقاطعة التي تحولت من الفضاء الرقمي إلى الواقعي، وبغض النظر عمن دعا إليها، ستكون فعالة عندما تبقى فقط وسيلة ضغط شعبي على أصحاب الشركات، وليس سلاحا انتقائيا بيد سياسيين وأحزاب لتصفية الحسابات وخدمة لمصالحها السياسوية. وطالما لا يوجد تيار أو حزب أو فئة ذات مصلحة سياسية أو اقتصادية أو أيديولوجية تدفع هذه الحملة أو تتبناها، فهذا في حد ذاته امتياز لصالح المواطن المقهور. ومن السذاجة الاعتقاد أنه لا توجد جهة تريد الركوب على حملة المقاطعة وجعلها حصان طروادة لتحقيق أهداف معلنة أو غير معلنة، ومن الخطأ أيضا القول إن تلك الشركات لن تحاول الدفاع عن امتيازاتها بجميع الطرق والوسائل. وهذا يعني أنه لا يفترضُ السقوط في فخ تسفيه حملة المقاطعة مادامت ستحقق ضغطا اقتصاديا بأسلوب الامتناع لتغيير سلوك تلك الشركات ووقف عدوانها على جيوب الموطنين وعلى مدخراتهم. المقاطعة الاقتصادية ثقافة وسلوك، تحتاج إلى النفس الطويل لحماية مصالح تعود بالنفع على أبناء المجتمع في حاضرهم ومستقبلهم، ما يستوجب استعداد المجتمع معرفيا واقتصاديا ونفسيا من أجل تحديث البنية الذهنية للأجيال الصاعدة كي تتعامل بشكل أكثر صرامة وواقعية ووطنية مع أي تعد على حقها في العيش الكريم والعادل والمنصف، والوقوف صفا واحدا ضد ناهبي الثروات ومحتكريها. لا تهم الشعب أو المقاطعين جنسية الشركات التي تمد المغاربة بمنتجات يستهلكونها بشكل يومي، ولا تعنيهم أيضا ميولات أصحابها أو معتقداتهم الأيديولوجية، مادامت تلك الشركات تحترم تعاقدها مع المستهلك بتوفير تلك المنتجات بجودة وثمن معقول وتحترم قوانين البلد وآدمية مواطنيه وسيادته. ولذلك كان الأحرى بالمسؤولين الحكوميين وأصحاب القرار التحري في الأسباب الواقعية والموضوعية التي دعت الناس إلى الذهاب بعيدا في حملة مقاطعة تلك المنتجات، وهم مطالبون الآن بالبحث عن حلول لإنصاف المواطنين بكل فئاتهم، من عمال وفلاحين وموظفين، والدفاع عما يغذي الأمل في الاقتصاد والسياسة، بدل الدفع بالناس إلى الكفر بهما معا.
مشاركة :