في طريقهم لالتقاط لقمة عيشهم، يتوجب على العمال الفلسطينيين، المرور برحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، يرون خلالها أصنافاً من المعاناة والألم. فمن المعابر المنتشرة على مداخل المدن الفلسطينية، التي تفصلها عن فلسطين المحتلة العام 48، إلى عمليات الملاحقة المستمرة من قبل جنود الاحتلال على الحواجز العسكرية، التي تهدد مصير حياتهم، وفي كثير من الأحيان تعيدهم إلى منازلهم، دون أن يحصلوا على قوت يومهم. ولم تكن حادثة استشهاد العامل الفلسطيني أحمد سميح بدير (39 عاماً)، من بلدة فرعون القريبة من طولكرم، عندما عاجلته رصاصات الاحتلال الغادرة قبل أربع سنوات، أثناء محاولته اجتياز أسلاك شائكة قرب حاجز الطيبة، بغية الوصول إلى عمله، الأولى ولن تكون الأخيرة، في رحلة معاناة عمال فلسطين. ويختزل معبر «الطيبة» القريب من طولكرم، معاناة هؤلاء العمل، الذين يضطرون للاصطفاف في طوابير يجبرها جنود الاحتلال على الانتظار طويلاً، قبل السماح لبعضهم بالدخول إلى أماكن العمل داخل ما يعرف بـ«الخط الأخضر». ولعل أغرب ما في الأمر، أن العمال المتوجهين للمعبر هم من حملة التصاريح التي تؤهلهم للعمل داخل الأراضي المحتلة، ورغم ذلك لا يصلون إلى أماكن عملهم إلا بعد أن ينالوا نصيبهم من الإهانات والإجراءات المذلة على المعبر، وأحياناً يتعرضون للضرب. ولا تختلف رحلة العذاب التي يسلكها العمال غير الحاصلين عن التصاريح، إذ يضطر هؤلاء للسير مسافات طويلة على الأقدام، يفتشون هنا وهناك عن منطقة بعيدة عن أعين جنود الاحتلال، يمكنهم التسلل منها، للوصول إلى عملهم. يقول الناشط النقابي والاجتماعي، رائد عبد الله، لـ«البيان» إن العمال يتعرضون للملاحقة وإطلاق النار بصورة شبه يومية، ومن ينجو من الرصاص، لا ينجو من الضرب والتعذيب، إذا ما وقع في قبضة جنود الاحتلال. ويؤكد إسماعيل أن العمال الذين ينجحون في الوصول إلى أماكن أعمالهم، ولا يتمكنون من تأمين المبيت، يضطرون للنوم داخل أنابيب الصرف الصحي ومجاري المياه العادمة، أما العمال الذين يعملون في مناطق مكشوفة، فيلجأون لحفر خنادق صغيرة، يغطونها بالأخشاب والحشائش والتراب، وينامون بداخلها منتعلين أحذيتهم، وجاهزون للهرب في أية لحظة إذا ما تعرضوا للخطر. وتعاني الطبقة العاملة الفلسطينية من وضع اقتصادي صعب، دفع بالآلاف من المواطنين الذين كانوا يعملون في منشآت محلية، للتوجه للعمل داخل الخط الأخضر، ويجعل جدار الفصل العنصري، المقام على امتداد الأراضي الفلسطينية، الذهاب إلى العمل أشبه بالذهاب إلى الموت. وفي حال نجح البعض بالدخول، فإنه سيضطر للمبيت في مكان العمل، والمغيب عن بيته.في بلدة الظاهرية قرب الخليل، يتجمع أولاد المواطن ماهر وريدات، وزوجته لوداعه، كلما همّ بالذهاب إلى مكان عمله في مدينة بئر السبع المحتلة. وكأنهم يودّعون مسافراً أو خارجاً بلا رجعة، إذ يغادر العمال منازلهم في ساعات الليل المتأخرة، ليتمكنوا من الوصول إلى الخندق الفاصل بين الخليل والخط الأخضر، وتفادي مصادفتهم من قبل دوريات الاحتلال!! ويصف وريدات تلك الرحلة، فيقول: «تبقى أيدينا على قلوبنا ونحن ننتظر قدوم السيارة التي تنقلنا إلى مكان العمل، لننطلق بها بسرعة البرق، طبقاً لقاعدة «الموت أفضل من أن نقع في قبضة جنود الاحتلال»، ويضيف: «أعود إلى بيتي بالطريقة ذاتها، ولدى وصولي يستقبلني أطفالي كالعائد من الموت».
مشاركة :