لا فرق بين انعقاد المجلس الوطني وانقلاب حماس في غزة

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

ما يحدث في اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني ليس أقل من انقلاب ناعم يقوم به الرئيس محمود عباس على باقي الفصائل الأخرى. نعم، لم يعد الأمر يحتمل الاستمرار في تسمية الأشياء بغير مسمياتها. كيف يمكن إذن تفسير شغل المواقع الشاغرة في المجلس، الذي لم ينعقد منذ أكثر من 22 عاما، بشخصيات موالية لشخص الرئيس، في وقت تقاطع فيه فصائل محورية أخرى ماراثون "تستيف" الأوراق الذي يحصل هناك. بمعنى أوضح، هذا اجتماع اختطاف القضية الفلسطينية من قبل أبومازن. ليس صحيحا أن مقاطعة حمـاس والجهاد والجبهة الشعبية الديمقـراطية شيء يـؤلم الرئيس أو يزعجه. بالعكـس، أحب إلى نفوس المستبدين الذين يسيطرون على فتح اليوم ألا يأتي أحد من باقي الفصائل، حتى يجري الانقلاب بهدوء ودون خسائر. لم يكن أحد يأمل أن يجد نفسه مضطرا أن يلوم معسكر الاعتدال لصالح الإسلاميين والمتطرفين. المسألة هنا متعلقة بالدفاع عن قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه. ما يقوم به أبومازن اليوم هو استفراد بحقوق الفلسطينيين من أجل ضمان حقوق فصيل واحد. هذا يجعل خطورة إسرائيل على القضية الفلسطينية ضئيلة جدا، مقارنة بالخطر الذي صارت تمثله عقلية هذا الجيل الذي يحكم فتح اليوم. استدعاء المجلس الوطني لم يكن له أي هدف آخر سوى شرعنة "انقلاب" عباس. الرئيس الفلسطيني يدرك أن نقل المهام التشريعية من المجلس التشريعي إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير ليس أكثر من تمهيد الطريق لخليفته، الذي لن يختاره أحد من الفلسطينيين سوى الرئيس نفسه. قطع أبومازن الطريق على أي إمكانية لمشاركة أي فصيل آخر في تحديد هوية الرئيس القادم. هذا التعجل في إعادة ترتيب الأمور بطريقة تفضي إلى استمرار إرث عباس في السلطة قد يتسبب في انفلات الأمور بطريقة مفاجئة. الأمر يشبه اليد الثقيلة التي زوّر بها نظام الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك الانتخابات التشريعية في مصر عام 2010، ثم انهار بعدها مباشرة. استدعاء المجلس الوطني لم يكن له أي هدف آخر سوى شرعنة "انقلاب" عباس. الرئيس الفلسطيني يدرك أن نقل المهام التشريعية من المجلس التشريعي إلى المجلس المركزي لمنظمة التحرير ليس أكثر من تمهيد الطريق لخليفته يقول الكاتب الفلسطيني زكريا محمد “كتبتْ انتخابات مجلس الشورى المصري عام 2010 عمليا نهاية نظام حسني مبارك. يومها فاز مبارك وحزبه فوزا ساحقا. لكن هذا الفوز كان آخر فوز له ولنظامه. يعني: فاز النظام ثم مات. نعم هكذا: فاز، ثم مات. أحس، وبمرارة، أن شيئا مثل هذا قد يحدث عندنا. أحس بالفوضى وهي تخطو بقدم راسخة”. لكن إذا بقي “نظام أبومازن” فسيحول سلوكه السلطة الفلسطينية من كيان يعمل على إنهاء الانقسام الفلسطيني، إلى كيان يدير هذا الانقسام. دعك من خطاب المصالحة وإظهار التمسك بها. هذه العملية كانت تنازع قبل انعقاد المجلس الوطني، لكن عباس اختار أن يطلق عليها رصاصة الرحمة. منذ سنوات تشتكي جميع الفصائل تقريبا، باستثناء فتح، من أن منظمة التحرير مختطفة. مشكلة قيادات فتح الحاليين هي أنهم استخدموا أهم مؤسسة لدى الشعب الفلسطيني كورقة مساومة على المصالحة. هذا يعني أن مؤسسات السلطة، التي يملكها الفلسطينيون جميعا، صارت رهينة لتنازل حماس عن الانقلاب في غزة. المشكلة أن إدارة أبومازن دائما ما كانت قائمة على التناقضات. ليس بمعنى أن هذه إدارة خارقة وقادرة على إدارة هذه التناقضات وتوظيفها لتحقيق مصالحها. على العكس، سلطة عباس لم تصل أبدا إلى مرحلة النضج، منـذ اختياره رئيسا عام 2005. كيف يمكن إذن تفسير الاستفراد بمنظمة التحرير كي تكون فقط تحت قبضة فتح، وفي نفس الوقت تمويل انقلاب حماس في غزة، عبر الاستمرار في دفع الرواتب؟ أعلم أن عباس سيصدر قرارا بقطع الرواتب. لكن السؤال الذي لم تطرح إجابة عليه هو: لماذا الآن؟ ما هو سبب استمرار تسديد كل هذه الأموال منذ عام 2007، وما الذي تغير كي يتخذ هذا القرار اليوم؟ الذي حدث هو أن عباس وصل إلى قناعة بأن هذه هي مرحلة الانقسام وليست مرحلة المصالحة. في النهاية المصالحة لن تجبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على سحب اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولن تجعله يعيد النظر في قرار نقل السفارة الأميركية إلى المدينة المحتلة. لكن الأكثر من ذلك أن هذه المصالحة ستخرج حماس من الركن المظلم المحشورة فيه على المستوى الإقليمي، وتقدمها للمجتمع الدولي كحركة فلسطينية تحظى باعتراف وشرعية دوليين. من الخاسر الطبيعي من كل هذه التنازلات المجانية؟ عباس طبعا! المصالحة ستخرج حماس من الركن المظلم المحشورة فيه على المستوى الإقليمي، وتقدمها للمجتمع الدولي كحركة فلسطينية تحظى باعتراف وشرعية دوليين المسألة بالنسبة لعباس كانت اختيارا بين مسارين: تبني هذه التنازلات وتمهّد الطريق أمام مصالحة حقيقية تبدأ شكلا جديدا للمسألة الفلسطينية ومكوناتها، أو السير في مسار معاكس تماما. هذا المسار هو غلق كل الطرق أمام حماس وغزة. قطع الرواتب معناه أن أي كيان بديل لحماس، خصوصا إذا تشكل مع القيادي الإصلاحي في فتح محمد دحلان، لن تكتب له الحياة طالما أن مصادر التمويل مقطوعة عنه. لن يكون أمام حماس إلا تسليم أوراقها في غزة للسلطة. حتى لو هددت، كما فعل موسى أبومرزوق بالأمس، بالانتخابات التشريعية والرئاسية، لن يعدو كل هذا عن كونه كلاما لا قيمة له. قطع الرواتب معناه قطع شريان الحياة عن سيطرة حماس على القطاع. الخطوة التالية هي تحول عباس إلى زعيم تاريخي للشعب الفلسطيني. قد يكون هذا اللقب مبالغة كبيرة بالنسبة لي ولك. لكن لن تصدق إذا علمت أن هذا هو بالضبط ما يفكر فيه الرئيس الفلسطيني في هذه المرحلة. إقرار توصيات المجلس المركزي بسحب الاعتراف بإسرائيل، في نفس وقت سحب الاعتراف بواشنطن كوسيط وحيد في عملية السلام، مؤشر واضح على ذلك. مثل مسألة الرواتب أيضا، انتظر عباس طويلا للقيام بهذه الخطوة. اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ليس مبررا مقنعا. الانتفاضة الثانية نفسها، واغتيال الزعيم الراحل ياسر عرفات، والحروب المتتالية على قطاع غزة، لم تكن أسبابا مقنعة في نظر القائمين على فتح لسحب هذا الاعتراف. إذا كان سحب الاعتراف بإسرائيل سببا لانهيار اتفاقات أوسلو في السابق، فأوسلو انتهت منذ زمن، لكن الاعتراف الفلسطيني بدولة الاحتلال ظل صامدا. اليوم جاءت حاجة عباس لسحب هذا الاعتراف. أبومازن يريد أن يترك إرثا خلفه كزعيم وطني يحلم بأن يرتفع إلى نفس مكانة أبوعمار. ما لا يدركه عباس هو أن أبوعمار لم يرتق إلى هذه المكانة كزعيم تاريخي للشعب الفلسطيني بالسباب وتوجيه الشتائم للأميركيين والإسرائيليين على الهواء، وللعرب في الجلسات الخاصة. هذه سذاجة لم يكن من المفترض أن تصدر عن سياسي تخطى الثمانين من عمره. ليس هكذا تدار الأزمات، وليس هكذا يحافظ الزعماء الكبار على حقوق شعوبهم. انعقاد المجلس الوطني كان مخططا له أن يمنح إدارة عباس قبلة حياة، لكن يبدو أنه سيكون بداية النهاية لمرحلة.. ونهاية البداية لمرحلة جديدة.

مشاركة :