التعليم في مصر: منظومة تحتاج إلى هدم وإعادة بناء

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة- تتجه الحكومة المصرية نحو إجراء مراجعة جذرية لمنظومة التعليم القديمة، واستحداث أخرى تواكب التطوّرات الراهنة عالميا، لكنها تصطدم بمخاوف مجتمعية لغياب الثقة بين الشارع والحكومة، وخشية أولياء الأمور من أن يكون التغيير في العملية التعليمية مصيره الفشل ما ينعكس سلبا على أبنائهم. لكن، رغم هذا التحدّي الصعب، يتمسك طارق شوقي، وزير التربية والتعليم المصري، باستكمال بناء المنظومة الجديدة والعمل على هدم النظام القائم تدريجيا، فلا سبيل أمام نهضة البلاد دون أن تكون هناك شجاعة لتغيير الوضع الراهن، بعد أن ثبت أنه يقتل الفكر والإبداع ويعيق التقدم للأمام. يصف أرسطو التعليم بقوله إن جذوره مرّة لكن ثماره حلوة، فيما يقول عبقري عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنتشي “التعلم دون رغبة أو شغف يفسد الذاكرة، وفي النهاية لن تتعلم شيئا”، وهما قاعدتان انطلق منهما طارق شوقي وزير التعليم في مصر نحو هدم منظومة تعليمية مترهلة وغير مواكبة لتطورات الزمن ولا للتحديات التي تواجهها البلاد باعتبار التعليم أحد مقوّمات الأمن القومي العام ورافد من روافد التنمية والاستثمار في بناء المستقبل. تحدث طارق شوقي، مع “العرب”، عن عملية الهدم وإعادة البناء التي سيشهدها نظام التعليم في مصر، مؤكدا على المضيّ قُدما في إرسائها رغم معارضة بعض المستفيدين من المنظومة القديمة وقال طارق شوقي، في حوار مع “العرب”، إن “هناك إصرارا على بناء نظام تعليمي جديد، مهما كانت التحديات والمعوقات، لأن كل تأخير تقابله كوارث تنعكس على مستقبل الدولة، وتظل الأزمة الكبرى تتمثّل في غياب ثقة الشارع في التطوير ونتائجه الإيجابية وضمانات النجاح”. وأشار إلى أن “النظام الجديد مشروع دولة، بمعنى أن مختلف وزارات الحكومة تقوم بأدوار محدّدة لضمان نجاحه. لا يمكن أن يستمر الوضع القائم فهو قاتل للفكر والإبداع، والمدارس أصبحت سجنا للطلاب وتصيبهم بعقد نفسية، حتى أصبحت مصر خارج أيّ تصنيف عالمي في جودة التعليم، نحن نبحث عن تعليم ممتع”. ورأى شوقي أن المجتمع يرفض النظام القائم، وفي نفس الوقت يرفض البعض تطويره أو هدمه، وهذا إرث ثقيل من غياب الثقة، ونحن ندفع فاتورة باهظة لذلك حاليا، وتجاوز هذه الضغوط يكمُن في تجاهل محاولات العرقلة والنقد غير الهادف مع أخذ كل الملاحظات المنطقية في الاعتبار، فلن نعود للوراء خطوة واحدة. ووقّعت الحكومة قبل أيام، قرضا مع البنك الدولي، بقيمة 500 مليون دولار، على أن يوجه لصالح نظام التعليم الجديد. وقالت الحكومة إنها تحتاج إلى أضعاف هذا المبلغ، للإنفاق على متطلبات المنظومة الجديدة. وحسب استراتيجية التعليم الجديدة، فسيتم تخريج أول دفعة منها بعد 12 عاما، وهؤلاء هم من سيلتحقون بالمدارس مطلع العام الدراسي المقبل. توحيد النظام التعليمي يقوم النظام الجديد في المراحل الابتدائية، على توحيد النظام التعليمي بمختلف المدارس التابعة للحكومة. وستكون الدراسة باللغة العربية، على أن يقتصر التدريس باللغات على المدارس “الخاصة لغات والدولية فقط”. وقال شوقي “لا يمكن استمرار وجود أكثر من نظام تعليمي في مصر. فالنظام القائم حاليا يتنوّع بين مدارس حكومية عادية وحكومية رسمية للغات وحكومية قومية، فضلا عن المدارس الخاصة العربي، والخاصة لغات، والدولية”. وأضاف “لن يكون هناك سوى نظام تعليمي واحد بنكهتين، أحدهما عربي حكومي، والآخر لغات خاص. نحن نريد تعميق الانتماء بين الأجيال الجديدة، فلا يعقل أن تكون هناك دولة تريد الحفاظ على هوية طلابها وثقافتهم، وتقدّم مناهجها بلغة غير لغتها. لا تراجع عن إحياء اللغة العربية، فقد اكتشفنا أن هناك ضعفا في الانتماء وغيابا للهوية لدى الأجيال الجديدة، وهذا خطر داهم على المجتمع وتماسكه”. وأشار الوزير إلى أن “الطالب الذي يريد أن يتعلّم اللغات، يذهب إلى المدارس الخاصة لغات أو الدولية، لكن أي مدرسة حكومية لن تدرّس في المرحلة الابتدائية ومدتها 6 سنوات، سوى باللغة العربية، مع مادة منفصلة تخص تعليم اللغة الإنكليزية”. وتدرّس مدارس النظام الجديد اللغة الأجنبية لطلابها، والفارق مع ما يسمّى مدارس اللغات يتمحور حول تدريس العلوم والرياضيات باللغات العربية أو الأجنبية، ورأت الوزارة أن تدريس هذه المواد باللغة العربية مسألة أساسية في المرحلة الابتدائية لتثبيت اللغة العربية، قراءة وكتابة، ثم يتم التحوّل إلى تدريس هذه المواد باللغة الإنكليزية، بدءا من الصف السابع، وهنا تتساوى المدارس الحكومية مع مدارس اللغات. وتسبب القرار في تأجيج غضب أولياء أمور المدارس الرسمية (التجريبية) لغات، وهذه نوعية من المدارس الحكومية تقدّم تعليما متميزا، ولا تتجاوز مصروفاتها الدراسية 1800 جنيه (100 دولار)، ولا ترتفع فيها كثافة الفصول عن 40 طالبا. واتهم معارضون لهذه الخطوة وزارة التربية والتعليم بأنها تريد تعميم الدراسة باللغة العربية في مدارسها، لتخدم المدارس الخاصة والدولية (عددها 7777 مدرسة بينها 200 دولية)، لأنها ستكون البديل أمام أولياء الأمور الراغبين في إلحاق أبنائهم بمدارس تدرس باللغات، وهو ما يزيد من معدلات التمييز والعنصرية التعليمية. ويقول شوقي “هناك استراتيجية جديدة تتعلق بمنظومة التعليم الخاص وتقضي على ما يوصف بأنها دولة داخل الدولة”، مؤكدا أنّ خطة الحكومة تتمثّل في أن تنافس المدارس الرسمية مثيلاتها الخاصة والدولية، مع التطبيق الحرفي للنظام الجديد بفاعلية ودون أخطاء، مضيفا “نحن متأكدون أن معدل اللجوء للمدارس الخاصة سوف ينخفض، لأن التوسع في التعليم الخاص، كان قائما على فشل التعليم الحكومي”. وتابع “أكثر الفئات التي تلحق أبناءها بمدارس خاصة ودولية تبحث عن وجاهة اجتماعية من وراء تعلّم اللغات، وهناك طبقة شغوفة بأن يتحدث أولادها اللغة الأجنبية بطلاقة، بغض النظر عن شكل المناهج وطبيعة الدراسة، وهذا خلل مجتمعي ومحاولة للإيحاء بأنهم الطبقة المؤثرة والمتحضرة في المجتمع. لكن مع النظام الجديد، سوف تكون هناك منافسة حقيقية وتعليم يضاهي الدولي والخاص”. وكشف أن الدراسة باللغة العربية طوال الصفوف الابتدائية لمدة 6 سنوات، لا يعني تجاهل اللغات في تعليم الطلاب، بدليل أنهم سيدرسون العلوم والرياضيات باللغة الإنكليزية عند وصولهم للمرحلة الإعدادية، بالتالي ستتساوى المستويات بين الطلاب الحكوميين وأقرانهم في المدارس الخاصة والدولية، والفارق فقط في الإمكانيات والمعامل وكثافة الفصول. وتتمحور فلسفة التغيير في هذه المرحلة على تصميم نوع جديد من الأسئلة تقيس مهارات الفهم بديلا عن قياس القدرة على الحفظ والاسترجاع واستبدال الامتحانات القومية بامتحانات على مستوى المدارس (مختلفة في ما بينها) للقضاء على الغش وفكرة الإجابات النموذجية البائدة. وتشارك منظمات تعليمية دولية وخبراء تربويون من دول أوروبية عديدة ومعهم أساتذة من جامعات مصرية في وضع النظام الجديد للثانوية العامة، من حيث طريقة الدراسة ونوعية وطريقة الامتحانات وضمان عدالة توزيع الطلاب على الكليات. وقال طارق شوقي إن “أزمة أكثر الناس في مصر أنها لا تصدق كلام الحكومة ولا الوزراء، مهما كانت إيجابية الأفكار، وما يتردد سلبا حول الثانوية العامة الجديدة خير دليل، برغم أن هذا النظام سوف يقضي على الدروس الخصوصية بنسبة 80 بالمئة وأكثر”. وبرر ذلك، بأن المعلم في النظام التعليمي الجديد، لن يكون دوره الحفظ والتلقين، بقدر ما يتحول إلى موجّه للطالب، وإرشاده للمعلومة الصحيحة، والرد على استفساراته المتعلقة بالعمل البحثي، كما أن شكل الامتحانات سوف يختلف، لتكون في صورة أسئلة مقالية أكثر منها إجابات مختصرة بلا قيمة علمية. وأضاف أن طريقة التقييم الجديدة للطلاب، تقوم على إعداد أسئلة يتم تخزينها في بنك الأسئلة القومي، وهذا سوف يكون مؤمّنا عليه في إحدى الجهات السيادية، ولا يمكن اختراقه أو الوصول إليه، على أن يقوم بوضع الأسئلة مجموعة منتقاة من معلمي المرحلة الثانوية في كل التخصصات. امتحانات إلكترونية تطمح المنظومة التعليمية الحديدة إلى إرساء نظام امتحانات إلكتروني، كما سيتم عقد الامتحانات داخل المدرسة، وليس على نطاق قومي (امتحان واحد في يوم واحد لطلاب الجمهورية)، على أن تصل الأسئلة لكل طالب على كمبيوتر آلي (تابلت)، مملوك له، ويوزّع على كل الطلاب مجانا مع بداية كل عام دراسي. وجرى اتفاق بين وزارتي التعليم والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، للانتهاء من البنية التكنولوجية في المدارس قبل حلول سبتمبر المقبل، مع تكليف شركات المحمول بتوفير خدمة إنترنت بقاعات المدارس، ويتسلم كل طالب شريحة محمول لاستخدامها في الإنترنت بشكل مجاني. ومن المقرر أن يكون تصحيح الامتحانات بشكل إلكتروني، ما يجعل من عملية الغش والتسريب التي كانت تشهدها الامتحانات الثانوية، مستحيلة، وفق كلام وزير التربية والتعليم، ولن يكون هناك تداول لأوراق أسئلة أو إجابات. وأقرّت الحكومة المصرية، استخدام اللوحات الإلكترونية في التعليم الثانوي ابتداء من العام الدراسي الجديد، سبتمبر 2018، ويتم تحميل المناهج بشكل تفاعلي، في خطوة أولى لإدخال التكنولوجيا في التعليم، والبدء في تعميم التجربة على مختلف المراحل التعليمية، مع الاستغناء تدريجيّا عن طباعة الكتاب المدرسي. وتطبع مصر سنويا نحو 80 مليون كتاب، بتكلفة تصل لنحو 2 مليار دولار، يتم توزيعها على نحو 22 مليون طالب يدرسون في 52 ألف مدرسة حكومية بمراحل التعليم المختلفة، وترتفع تكلفة الطباعة سنويا بما يعادل 20 بالمئة، لزيادة أسعار الأحبار والورق، لأنه يتم استيراد الخامات من الخارج بالدولار الأميركي. وأكد شوقي أن “الاستسلام إلى الماضي وإخفاقاته يفضي لمزيد من انهيار التعليم في مصر، ونحن درسنا كل الأمور من مختلف الجوانب، ونعرف التحديات جيدا، ولدينا خطط طموحة لتجاوزها، وندرك أن الأمر بحاجة إلى بنية تكنولوجية ضخمة”. وأوضح أنه “ستكون هناك أنشطة مكثفة. أنشطة فنية وثقافية ومسرحية ورياضية. لن يكون اليوم كله دراسة. أجزاء علمية، وأخرى فنية. المشكلة الحقيقية أن طموحات الناس لم تصل بعد إلى هذا الحد، لكننا سوف نصل بهم إلى ما هو أبعد من ذلك”. ويوصف شوقي بأنه “الوزير الديجتال أو الرقمي”، الشغوف بالتكنولوجيا لأقصى درجة، وظل طوال مسيرته العلمية، يحلم بأن يكون التعليم في المنطقة العربية إلكترونيّا، وقاد تنفيذ عديد من المشروعات في مجال تطبيقات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في التعليم والعلوم والثقافة، وعاش في أكثر من دولة أوروبية ودرس طبيعة تعليمها. تظل أزمة شوقي مع معارضي النظام الجديد، أنه لا يبالي بآرائهم وانتقاداتهم حتى وصفوه بـ”الخيالي”، لإدراكه أن هؤلاء لم تصل عقولهم بعد إلى استيعاب فكرة أن مصر تنسف نظامها التعليمي، وتذهب إلى آخر يعتمد على الفكر والإبداع والبحث، لأنهم تعلموا ونشأوا وكبروا داخل منظومة تعليمية عقيمة. يبني معارضو النظام الجديد وجهة نظرهم، على أن البيئة المصرية لا يمكن أن تتقبل تعليما عصريا قائما على التكنولوجيا، فلا توجد بنية تكنولوجية، كما أن زيادة معدلات الفقر لا تسمح لطلاب الأسر البسيطة استخدام التابلت في التعليم، حتى أن المدارس نفسها أكثرها متهالك وغير مؤهلة لذلك. وأكد شوقي أن “مصر قررت أن تبني العقول قبل الجدران”، فالجدار (يقصد إصلاح وبناء المدارس) سيكون خطوة لاحقة لبناء العقل، لأن الوقت يمضي ولم تعد هناك رفاهية للتأخير. ويُكنّ قطاع من المعلمين في مصر (نحو مليون و200 ألف)، العداء لنظام التعليم الجديد، لأنه سيقلل من اعتماد الطلاب على الدروس الخصوصية. ويخشى مؤيدو النظام الجديد، أن يتم تعطيل المشروع برحيل الوزير الحالي، والاستعانة بآخر، في ظل الثقافة السائدة في مصر، كلما يأتي وزير يهدم ما بناه سابقه. لكن، طارق شوقي يؤكد أن “ميزة المنظومة الجديدة أنها غير قابلة للتعطيل أو الإلغاء، وغير مرتبطة بشخص الوزير ولا الحكومة، فهي مستدامة ومرتبطة بشكل وثيق باستراتيجية الدولة 2030».ويخلص مؤكدا أن “هناك عراقيل بالجملة سيصطدم بها أي وزير قادم يفكر في تغيير هذا النظام أو حتى إجراء تعديلات عليه”.

مشاركة :