قبل أشهر، أعلنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة في برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري قرارها إماطة اللثام عن أسرار تاريخ أحد أهم الموانئ الرئيسة لمكة المكرمة في مدينة «السِّرَّين» خلال الفترة من القرن الثالث الهجري إلى القرن الثامن الهجري، والذي يحتوي على عديد من الكنوز الأثرية التي تتحدث عن حقب تاريخية تعود إلى عصر ما قبل الإسلام. ميناء ما قبل الإسلام ويعود إنشاء ميناء مدينة «السِّرَّين» إلى عصر ما قبل الإسلام، بحسب ما ذكرت كتب التراث العربي، وكانت المدينة من أهم المواقع الحيوية والاقتصادية النشطة خلال تلك الفترة، وكان الميناء ممراً بحرياً يلعب دوراً مهماً في حركة التجارة البحرية بين موانئ البحر الأحمر، وخصوصاً موانئ الشاطئ الشرقي التي تقع شماله وجنوبه، وكذلك صادرات السروات والقرى الداخلية، وتقبع المدينة حاليًا جنوب مكة المكرمة بنحو 245 كلم، مبتعدة عن محافظة جدة 220 كلم. وفي إطار جهود مركز الآثار البحري التابع للهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، لتوثيق المناطق الأثرية والكشف عن أسرارها، وقع اتفاق عمل مشترك مع مصلحة التراث الوطني الصيني، للقيام بعمليات التنقيب البري والبحري في موقع «السرين» الأثري، وجاء توقيع الاتفاقية خلال إقامة معرض «طرق التجارة في الجزيرة العربية - روائع آثار المملكة العربية السعودية عبر العصور» الذي افتتح في المتحف الوطني الصيني في العاصمة بكين العام الماضي. وقد بدأت مؤخراً بعثة تنقيب صينية - سعودية بعمليات الكشف عن أسرار ميناء السرين، وبدأت بإزاحة النقاب عن آثاره التاريخية، والتي تشمل كتابات وبقايا صناعات زجاجية وفخارية تعود إلى القرن الثالث الهجري. رفات قضاة من اليمن بعد أيام من بدء المهمة للفريقين السعودي والصيني تم اكتشاف رفات قضاة وفقهاء من بلاد اليمن الذين توفوا في مدينة السِرَّيْن خلال القرن 6 «10م» وهم قافلون من مكة المكرمة، وكذلك عثر على بقايا أساسات جدران لوحدات سكنية، إضافةً إلى فخاريات من الخزف الصيني، ومقتنيات معدنية متنوعة تعود لفترات إسلامية متعاقبة، إلى جانب عدد من الكتابات الشاهدية المؤرخة وغير المؤرخة، وتقع الكتابات الشاهدية المؤرخة ما بين سنة 331 «942م» إلى سنة 593 «1196م». وقد قام سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة السيد لي هواشين بزيارة إلى الموقع في محافظة القنفذة، ووقف على أعمال التنقيب التي ينفذها الفريق السعودي الصيني المشترك في موسمه الأول، وبحضور وسائل إعلامية صينية شرح السفير الصيني سير العمل بين الفريقين الأثريين وتحدث عن آخر الاكتشافات في الموقع القديم خصوصاً فيما يتعلق بالجانب الصيني الأثري. سبر الآثار الغارقة في المياه ويضم المشروع السعودي الصيني عدداً من المتخصصين الأثريين من الجانبين ومختصين بالآثار الغارقة، ومن المنتظر أن يتم تنفيذ عدد من الأعمال الأثرية والتي تشمل مجموعة واسعة من التقنيات المتقدمة والمسوحات الميدانية خلال السنوات الخمس القادمة، إضافة إلى أعمال سبر للآثار الغارقة في المياه المحاذية للموقع الأثري. ويعد المشروع السعودي الصيني للتنقيب الأثري في موقع السرين بمحافظة القنفذة من المشاريع العلمية الجديدة التي تنفذها الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالتعاون مع المركز الصيني للتراث المغمور بالمياه، حيث تعمل 31 بعثة دولية ومحلية في مختلف مناطق المملكة. رحلة استكشافية للميناء ويذكر أن فريقاً من وكالة الأنباء السعودية (واس) وقف على الموقع القديم في رحلة استكشافية سابقة، وجاء في تقريره الكثير من المعلومات التفصيلية المهمة عن الموقع، وكان مما ذكره: أنه يحيط بميناء مدينة «السّرّين» سور من السياج الحديدي شيدته الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني للحفاظ على ما يحتويه الموقع من قطع أثرية، بطول (1500م) وعرض (700م)، ويطل الموقع على خليج جنوبي يحمي المرفأ نسبياً من الرياح الشمالية القوية. ويحتوي الموقع على كثبان رملية رجح المؤرخون وجود أبنية حجرية أسفلها، وجزء من سور لبناء حجري يحتمل أن يكون الجامع أو قلعة السرين الأثرية، وباقي السور مطمور بالرمال وهو بحاجة إلى عمليات تنقيب أثرية، ويلاحظ أن آثار وأساسات المباني الحجرية في مدينة «السّرّين» قليلة مقارنة بغيرها، ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى أن أغلب بيوت سكانها كانت من «العُشاش» أو«الصنادق» و «الصَبِل» المبنية من الخشب والحشائش، وهو ما يتناسب مع طبيعة أرض تهامة. ويلفت انتباه الناظر عند تجوله بموقع ميناء مدينة «السّرّين» العدد الكبير لكسور قطع الأواني الفخارية والطينية والزجاجية المتعددة الأشكال والأحجام والألوان التي تملأ أرضه، إضافة إلى كسر من قطع (السيلادون) وهو نوع من الخزف الصيني كان يستورد في عصر أسرة (سونغ) و(تونغ) الصينيتين التي توازي فترة العصرين الأموي والعباسي قبل ألف عام.
مشاركة :