اعتقد أن قرار إلغاء مادة "التربية الدينية" لم يدرس جيدا، وربما جاء قرار غير صائب من جهتين مهمتين أولا : مثل هذا القرار يعني قطع صلة الطالب المصري" مسلما كان أم مسيحيا " بأي معتقد ديني وهذا أمر خطير لأنه يمس الغذاء الروحي والوجداني والإيماني في شخصية المصري وبالتالي ينشأ جاهلا بمكارم الأخلاق وسماحة الأديان، فلم يتعلم حدود الحرام والحلال، الجائز والممنوع، ولم يدرك كيفية التعامل الحسن والراقي مع المحيطين به، بما في المعتقدات السماوية من رحمة وتسامح وحث على السلوكيات الحسنة، والتزامهم بعباداتهم وعلاقتهم بربهم، ليتعرف التلاميذ في مهد وعيهم على مواطن إلتقاء الأديان وتقاربها. فرسالة الأديان تحث على حب الأوطان و الذود عنها، بعكس ما تعتقده "الجماعات المتشددة" فهي جماعات سياسية دموية حتى النخاع والأديان بريئة منهم ومن أفكارهم ، فكل الأنبياء كانت لهم ارتباطات نفسية وعاطفية بأوطانهم، فلا ننسى مقولة النبي محمد عليه السلام مخاطبا مكة الحبيبة : لولا أن قومك أخرجوني منك ما كنت خرجت" وظل قلبه متعلقا بها حتى عودته إليها منتصرا فيما سمي بيوم الفتح، فكانت سعادته سببا في العفو والتسامح مع من ظلموه وأخرحوه منها، وقد تعايش المسلمون الأوائل بسلام مع من كان مختلفا معهم في الدين والعقيدة تحت قاعدة "لكم دينكم ولي دين" فكيف نتهم الدين الآن بأنه هو الذي فرق أبناء الشعب الواحد في البلد الواحد ؟! كيف نعزل الدين ونلقي به جانبا بسبب فكر حفنة من المتشددين المتأسلمين اسما وشكلا، المتطرفين فكرا وإرهابا، حتما عاجلا أو آجلا تلفظهم ملايين المسلمين المصريين الذين يعرفون تماما قيمة المصري المسيحي من خلال عشرة سنين وسنين - على الحلوة والمرة- جنبا إلى جنب أهل وجيران وزملاء وأصدقاء، واسألوا أهل القرى والنجوع والمدن والواحات. ولا ننسى مقوفة البابا شنودة عندما قال " مصر ليست مجرد أرض نعيش عليها بل مصر وطن يعيش فينا " .ثانيا : عند تفريغ الطلاب من معتقداتهم الدينية فسوف يتلقفهم المتطرفون وأنصاف المتعلمين ليعلموهم أمر دينهم على طريقتهم المتوجة بالعصبية والطائفية !، تتسلمهم تلك الجماعات المتطرفة من أصحاب الفكر المتشدد المعادي لمصر بل معادي للبشرية والإنسانية كلها، داعشيون يبثون سمومهم في عقول الأطفال والشباب، يغسلون أدمغتهم ويشكلون أفكارهم ومعتقداتهم، فلو تركناه لهم أصبح عجينة مرنة وسهلة وطيعة في يدهم "الملطخة بدماء الأبرياء" يشكلونه كيفما شاؤوا !ويوجهونه أينما أرادوا !.فهل هذا هو تجديد الخطاب الديني أم محو و نسف الدين نهائيا وتفريغ المجتمع اي دين أومعتقد ؟!إنه قرار فصل تعسفي، الا يكفي تنامي واستفحال بل وطغيان كل وسائل الفساد والإفساد من الإنترنت والفضائيات التي ضربت القيم و المبادئ والاخلاق في مقتل .لماذا لا تشكل لجنة تضم خبراء من وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ومعهم علماء من الأزهر الشريف ومن أولياء الأمور وغيرهم ممن يهمهم الأمر، ويضعوا مناهج دينية تربوية تتناسب مع كل مرحلة من مراحل التعليم بما يخرج لنا جيلا مؤمنا بروح دينه وسماحة عقيدته، يضعون منهجا مدروسا دراسة تشمل كل جوانب المسألة حاضرا ومستقبلا ، منهجا يرسخ أخلاق الدين وسلامة رسالة النبي محمد عليه السلام من كل إرهاب، وسماحة ومحبة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام الذى وطأت أقدامه الشريفة أرض مصر المباركة ، وفي نفس الوقت يكون منهجا تربويا سليما يدعم في ابنائنا وبناتنا الالتزام المعتدل، والتفكير المثمر، والسلوك السليم، ويرسخ لأصول المودة والمحبة والتعاون والتعايش الإنساني الواحد، يكون منهجا دينيا تربويا وطنيا لا يتقاطع ولا يتعارض مع العلم والعمل وإعمال العقل بما يما ينسجم مع متغيرات العصر ومتوازيا مع ايقاعات الواقع وطبيعة المجتمع وتنويعاته الثقافية والفكرية.فكيف أغفل صاحب القرار كل ذلك ليغلق كل باب صحيح، وكل منفذ معتدل، وكل مصدر سليم، ويتركهم يتعلمون دينهم من مصادر خبيثة خلف الكواليس مصادر ظلامية داعشية ! ثم نعود فنشتكي من الأفكار الإرهابية التخريبية !لماذا السعي لتمويع الهوية العقائدية وتجريفها، والإصرار على حرمان الناس من تعليمهم أصول دينهم الصحيحة ! .إن فصل الدين عن السياسة لا يعني بالضرورة فصل الدين عن الدولة والمجتمع نهائيا ! كي لا ينتشر التضليل والتدليس والتشويه مما ينتج مناخ فاسد أجوف مفرغ من كل قيم دينية أخلاقية ، فيكون فرصة سانحة لدعاة العنف والتطرف لنشر سمومهم وتعصبهم الأعمى وغسل الأدمغة وحشوها بكل الافكار المدمرة بعد استقطاب الشباب ليكونوا "مواد خام" لصناعة الموت !! فقط راجعوها اعيدوا قراءتها وجددوها بما يمد العقل بروح الدين وسلامة جوهره ويسره وتيسيره بكل ما يتناسب مع مقتضيات واقعنا المعاصر، وبما لا يتعارض مع مسلمات العقيدة وثوابتها، والحفاظ على خصوصية العلاقة التي تربط العبد وربه كل حسب معتقده ومذهبه.
مشاركة :