مخاطر تداعيات المشهد العربي الراهن

  • 5/5/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لم أتطرق الى الشأن العربي منذ فترة طويلة، ربما لأن الأحداث كانت متلاحقة وكثيرة، لم تمنح للراصد الفرصة أو الوقت الكافي للتحليل والمناقشة وفقًا لمقتضيات الضرورة، فأينما نولي أنظارنا في منطقتنا العربية أو محيطنا الأكبر على مستوى الشرق الأوسط، لا نجد سوى هم وغم، اللهم إلا الجولة الأمريكية والدولية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان التي كرس فيها مفهوم الدولة الوطنية لبلاده أولاً ثم لمنطقة الخليج، وهو ما سنشير إليه لاحقًا. وربما يكون الأمر الحميد الثاني هو بعض التوافق العربي الذي أظهرته فاعليات القمة العربية الأخيرة في الدمام. ومبعث تفاؤلي هذا هو بيان القمة الختامي ولهجته الحادة التي خاطب بها كل طرف إقليمي تسول له نفسه الرغبة في التدخل في شؤوننا الداخلية.  لكن -وآهٍ من لكن- لا يدعو بقية المشهد العربي سوى إلى الحزن، فمن سوريا الى العراق مرورًا باليمن وحتى نذهب الى ليبيا، فنجد المخاطر نفسها التي تتعرض لها بعض دولنا العربية، فهذه الدول مجتمعة تتعرض لخطر التقسيم وانتشار التنظيمات الإرهابية والكيانات الطائفية التي تبتذل الإيمان الديني والتنوع الثقافي لتصادر الآفاق الرحبة للتعاون والتسامح والإثراء الثقافي، لمصلحة خيالها المريض. لماذا هو خيال مريض؟ لأن هذا الخيال يعادي الحضارة الإنسانية حتى منذ قبل أحداث الربيع العربي، ويختزل العلاقة بين البشر في صورة الصراع، -وللأسف- صراعًا دمويًا أهدر مئات الآلاف من أرواح الأبرياء. ويأتي كل هذا في مباراة صفرية لتكون النتيجة الحتمية لهذا الصراع الخسارة الأكيدة، إذ ابتعدنا تمامًا عن تلك المباريات التي تخرج بنتيجة «فائز فائز»، ويا ليت قادة هذه الدول نشطت مثل هذه المباريات التي تنتهي بفوز جميع الأطراف، لكي تجنبنا خسارة الأوطان. وربما الأمر لا يخلو من بارقة أمل في محيطنا الخليجي، وهذا يدفعني إلى الحديث عن جولة الأمير محمد بن سلمان الأمريكية والغربية التي ركزت على الدفاع عن الدولة الوطنية، هذا المفهوم الغائب نوعًا عن بعض الدول العربية. فولي العهد السعودي رسخ المشروع الجديد لبلاده المراد تقديمها -أي السعودية- دولة وطنية آخذة بالنموذج المفترض للدولة في النظام الدولي. ويخدم هذا المشروع السعودي منطقة الخليج على المستوى الإقليمي أولاً ثم الشرق الأوسط ثانيًا، وهو يكرس مفهوم المصلحة الوطنية السعودية سياسيًا واقتصاديًا وحمايته. وقد أحسن ولي العهد السعودي صنعًا عندما قدم الصراع في منطقتنا إلى مضيفيه في أمريكا وأوروبا، على أنه صراع قوى إقليمية وليس دينيًا كما تريد إيران تصويره أو صورته بالفعل. فالمملكة السعودية لم تتعرض للطائفية الدينية طوال تاريخها، فالكل هناك يعيش المواطنة الحقيقية، وبالتالي لا تستطيع دولة مثل إيران تصوير الصراع مع السعودية صراعا مذهبيا؛ لأن الحقيقة التي أبلغتها الرياض لجميع العواصم التي زارها ولي العهد هو أن الصراع يرتبط باستغلال إيران لنفوذ بعض الأطراف الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فإيران تتعدى حدودها لتكريس هدفها الأساسي المتمثل في تصدير الثورة الإسلامية الى بقية الدول العربية، خاصة التي تدعي طهران أنها منقسمة بين المذاهب المختلفة. فالمواجهة إذن هي مواجهة للشرور الإيرانية، وللأسف لم تكن إيران وحدها في مضمار التدخلات في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية مؤخرًا، إذ انضمت إليها تركيا التي احتلت بعض الأراضي السورية مستغلة غياب سلطة دمشق عن مناطق كثيرة في سوريا بسبب الحرب الأهلية المقيتة الدائرة هناك. أما عن دواعي القلق في منطقتنا، فهو استمرار إيران في التعدي على سيادة دول عربية بصورة سافرة، فإيران تفرض أيديولوجيتها، الأمر الذي تعرض له ولي العهد السعودي في شتى كلماته خلال زيارته المطولة للولايات المتحدة وجولته الأوروبية، إذ أوضح بالأدلة القاطعة ما تمثله إيران من تهديد للعالم أجمع. وعلى المستوى العراقي، فثمة قضية خطيرة تتمثل في الضغوط المكثفة لدفع قوات التحالف على الانسحاب من العراق، فالتحالف لم يزل يقدم العون الحاسم للعراق في حربه غير المنتهية ضد تنظيم «داعش» الإرهابي، حتى أن الحكومة العراقية نفسها أعلنت أنها اضطرت إلى إعادة نشر قواتها في مناطق سبق أن حررتها من سيطرة «داعش» في ديالى وكركوك والأنبار، بعد استئناف التنظيم الإرهابي نشاطاته المسلحة ومهاجمة مواقع عسكرية وأمنية وقتل عناصرها، ناهيك عن بث مقاطع فيديو لعملية القتل بالأسلوب الترويعي المألوف للتنظيم المتطرف. ويشتد الخطر في تحذير رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي من استمرار الخطر الذي يمثله «داعش»، ويدعو جميع العراقيين إلى التكاتف من أجل عدم تكرار كارثة الانهيار العسكري والأمني وسقوط المحافظات، على غرار ما حدث في يونيو 2014 عندما سيطر «داعش» على ثلث مساحة العراق وبسط سيطرته عليها تمامًا، وأقام فيها «دولة الخلافة» المزعومة التي احتاج القضاء عليها إلى حرب مكلفة جدًا استمرت ثلاث سنوات. ثم في ظل هذه الأجواء الصعبة، تتصاعد نداءات داخل العراق تنادي بضرورة إنهاء وجود (التحالف الدولي) في العراق، بل التهديد بشن هجمات مسلحة عليها في حال عدم الانسحاب، الأمر الذي يدعو إلى التساؤل والتعجب في آن! لكن يزول الاستغراب إذا علمنا أن أصحاب الدعوة الخبيثة هم أطراف سياسية حليفة لإيران، ونستعجب أكثر إذا علمنا أن دعوتهم أعقبت إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى انسحاب بلاده من اتفاق إيران النووي، وتهديده بفرض عقوبات جديدة على طهران في حال رفضها مطالب واشنطن التي تتّهمها بدعم الإرهاب الدولي. أما عن الموقف في سوريا، فهو ليس بأقل خطورة من العراق، وإن كانت المساحة لا تسمح بالاستفاضة في شرح الملابسات، فقد أصبحت سوريا مرتعًا للتدخلات الدولية والإقليمية، فمن روسيا لإيران الى تركيا التي انتزعت منطقة بين حلب وجرابلس في نهاية 2016 بالتزامن مع دخول قوات الحكومة السورية إلى شرق حلب، وذلك بضوء أخضر من الجيش الروسي للقيام بعملية «درع الفرات».  ومن يرصد الخريطة السورية في وقتنا الراهن، يتأكد من أن الأطراف الخارجية باتت ترسم مناطق النفوذ الجغرافي بالدم والسلاح. ويتضح هذا جليًا إذا علمنا أن الحكومة السورية تسيطر على نصف مساحة سوريا، مقابل ثلثها لحلفاء أمريكا، وتتقاسم المعارضة وتركيا 20% المتبقية من مساحة سوريا. وهذا الأمر يدعو -بلا شك- إلى القلق من أن يتحول هذا الوضع المؤقت إلى دائم بفعل الأمر الواقع وتراجع القدرة العسكرية والاقتصادية السورية للسيطرة على كامل الأراضي السورية البالغة 185 ألف كيلومتر مربع، من دون دعم كامل لتنظيمات إيرانية أو تدخل بري روسي قوامه 100 ألف جندي. وقد حذر المبعوث الدولي لسوريا ستيفان دي ميستورا، من كارثة تقسيم سوريا وأن تبقى مثل «الرجل المريض»، موحدة في الخرائط القديمة فقط. وحسب تصريحات لميستورا في معهد الدراسات العليا في جنيف قبل فترة، فإن «الحقيقة هي أن التقسيم الهادئ وطويل المدى لسوريا الذي نشهده في اللحظة الراهنة في مناطق سيطرة مختلفة، سيكون كارثة، ليس على سوريا فقط، بل على المنطقة بأكملها»،  وحذر من عودة «داعش» الى الأراضي السورية بقوة إذا استمر غياب ما أسماه «حلا سياسيا لا يقصي أحدًا»، بما يشمل من تم استبعادهم، وتحديدًا الأغلبية السنية إجمالاً. لندرك أن التحديات التي تواجه الوطن العربي جسيمة، ويتوقف مواجهتها وتجاوز تداعياتها الخطيرة على العمل العربي الصادق، هذا من أجل وقف التدخلات والأطماع الإقليمية والخارجية. ويحدونا بعض الأمل في تحقيق هذا المبتغي، إذا توصلنا إلى استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي، لنواجه بها التهديدات الوجودية التي تتعرض لها المنطقة، وإعادة تأسيس العلاقة مع دول الجوار العربي على قواعد واضحة، تقوم على احترام استقلال وسيادة وعروبة الدول العربية، والامتناع عن أي تدخل في شؤونها الداخلية. كما يحدونا الأمل في ان يعود كل من أسهم في خراب ودمار سوريا والعراق واليمن وليبيا الى جادة الصواب والتوقف عن تدمير وتخريب الأوطان وتشريد الشعوب. كاتب ومحلل سياسي بحريني

مشاركة :