سومرست موم.. الروائي الساخر من إنجلترا

  • 5/5/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: «الخليج» ما إن اشتعلت الحرب العالمية الأولى حتى وجد «سومرست موم» نفسه مطلوبا للتجنيد في جهاز المخابرات البريطانية، وينتدب لمهمة في روسيا، فينتهز الفرصة كي يصل سلسلة أحلامه القديمة، ويزور البلاد التي أنجبت جوجول وبوشكين وتولستوي ودستويفسكي وجوركي، وليرى بعينه مقدار الشظف الذي كان يعانيه الشعب الروسي، وكانت الرحلة زادا لقلبه، لقد رأى بنفسه البلاد التي أمدت أعظم قصاصي العالم بذخائرهم القصصية.يقرأ «موم» هذه القصص الروسية العظيمة كلها، ويضيف ما قرأه منها إلى ما قرأه من قصص الكتاب الفرنسيين، وعلى رأسهم زولا وسكوت وهاردي ثم كونراد وستيفنسون بخاصة، وهما الكاتبان اللذان تأثر بهما «موم» وتتلمذ على أيديهما في فن القصة الوصفية الواقعية، وراح يقلدهما في معظم ما يكتب.وشهد موم في روسيا أطرافا من المسرحيات الروسية القاتمة، ولاحظ ما بينها وبين المسرحيات الألمانية من أواصر وصلات، وكان لذلك كله أثره العميق في فن موم وفلسفته، سواء كان ذلك في ميدان القصة، أم المسرحية، وشكلت هذه التجارب شخصية موم، بجانب طفولته وشبابه المتحرر في باريس، ويتمه في لندن، ثم فكره وفلسفته في ألمانيا، ثم ثورة الأحرار المعذبين في روسيا، هذا إضافة إلى ما قرأه من آداب الأمم الأخرى، وما تأثر به من أساليب كتابها في التفكير والتناول. تأثر موم كثيرا بشيخ كتاب فرنسا «أناتول فرانس»، وكان يصغره بثلاثين سنة، ويكاد يسير على نفس درب فرانس، حينما تفرغ للكتابة، وقد نشأ مثله ساخرا من الناس، متشائما من مستقبلهم، ولم يجد خيرا في الطبقة البرجوازية، فصورهم تافهي الأحلام، يهتمون بألوان كراسي صالوناتهم أضعاف ما يهتمون بتربية أبنائهم أو تلقينهم المثل العليا.وتأثر موم بالكاتب البولندي جوزيف كونراد، ذلك الذي لم يكن يعرف الإنجليزية، فأكب عليها وأتقنها وأصبح يمارس كتابة قصصه بها بأسلوب جميل، فتن به الإنجليز أنفسهم، ولعل حب موم لكونراد هو الذي أغراه بالرحلة إلى الشرق الأقصى ذلك الشرق الذي كتب عنه كونراد، وممن تأثر بهم موم أيضا «روبرت لويس ستيفنسون» ذلك القصاص جواب البحار الذي قرأنا من قصصه «دكتور جيكل ومستر هايد» و«جزيرة الكنز»، وإذا كان موم قد هام غراما بكتاب «ألف ليلة وليلة» فإن ستيفنسون قد كتب «الليالي العربية الجديدة».ولا يضع مؤرخو موم هذا الرجل في مدرسة أدبية بعينها، فهو متعدد الإنتاج، وقد ظل يمد المسرح منذ سنة 1902 إلى سنة 1937 بمسرحية أو اثنتين كل عام، ولا يمتنع عن كتابة القصة ميدانه الأول، وفي تلك الفترة كتب حوالي 27 مسرحية، وفي معظم قصصه ومسرحياته كان يدور حول الحب الخائن، ولم يكن يعني قط بفلسفة اجتماعية يدعو إليها أو يبشر بها، أو يعالج مشكلات الحياة المعقدة التي لا نهاية لها.ولد موم وشب في باريس 1874، أي في بيئة فرنسية متحررة، قضى فيها طفولته كلها، في ظل والده، سكرتير السفارة البريطانية هناك، وكان يتكلم غير لغته، ولا يكاد يتحدث بالإنجليزية إلا في بيت أبيه، ومن هنا نشأت عقليته على ما نشأت عليه عقلية الأطفال الباريسيين، ثم تموت أمه وهو في الثامنة من عمره، فيذوق كأس اليتم الأولى، ثم ينتقل إلى لندن، ويموت أبوه وهو في العاشرة، فيكفله عمه، الذي أشار عليه بعد إتمام دراسته الثانوية أن يسافر إلى ألمانيا، لكي يلتحق بكلية الطب، ويوافق موم حتى يفر من لندن، وفي إنجلترا يكتب أول مجموعة قصص بعنوان «ليزا فتاة حي لامبث» تلك القصة التي أعادت إليه الثقة بنفسه بوصفه كاتبا يجيد الكتابة بالإنجليزية ويكتب مسرحية بالألمانية، هذا التنقل الدائم وعدم الارتباط الوثيق بوطنه الأم جعل لمحة السخرية اللاذعة من إنجلترا وحياتها وثقافتها واضحة جدا في أدبه. ويرحل إلى فرنسا بعد أن يضيق بالحياة في إنجلترا الفيكتورية المتزمتة، ويقضي في باريس عشر سنوات، ثم يحن إلى الرحلة، فيذهب إلى بلاد الشرق، ويعمل طبيبا على إحدى البواخر، وتمر الباخرة بقناة السويس، ولا ينسى أبدا تلك الرحلة التي نقلته عبر البحر الأبيض والبحر الأحمر والمحيط الهندي إلى جزيرة الشرق الأقصى، حيث الخيال الخصب.سومرست موم (25 يناير 1874 - 16 ديسمبر 1965) من أهم رواياته «القمر وستة بنسات» ظل يعاني مرض ذات الرئة لسنوات، وما إن عوفي منه حتى كان على سفر دائم.

مشاركة :