محمد توفيق في ديوانه الجديد.. شاعر تحصدُه السنابلُ

  • 5/5/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

وائل عبدالوهاب | كأنه يبحث عن مَخْرجٍ من دهمة الواقع فلا يهربُ إلا إليه، وكأنَّه ينحتُ جرحاً جديداً في مهب الألم، مُلوِّحاً بالأمل، ليشير بالقصيدة إلى وجه الكون فتتحدث مفردات الوجود حلماً وحزناً وسنبلاتٍ حُبلى بأوجاع السنين وأنّأت المساكين الساكبين تمتماتهم على أنين السواقي. هكذا يُلخّص الشاعر المصري محمد عبدالحميد توفيق رفرفاته في تصاريف الزمن، وتأملاته في روح الوقت، ومن خلال ديوانه الجديد «تحصدُني بدمعتِها السّنابل» يؤكد أنَّ الرحلة التي اختطها لموسقة الآلام أثمرت نزفاً جميلاً أضحى بدوره معادلاً موضوعياً لنزف جميع المكلومين في بلاد الله، وإذْ تغوصُ الشعريةُ في أفق صاعدة إليه آلامُ الناس، تبدو القصائد كما لو كانت مستهلاً لطريق مشتعل بالوجد والبحث عن حياةٍ أبهى وأسمى من الواقع المعاش، إنها حياةٌ تمشي فيها السنابل بلا قدمين، ويئن الغاب حنيناً، متلمِّساً آذان العاشقين للخير والنور والمرهفين على وقع دبيب الماء ورفرفات الأغصان. تحصدني بدمعتها السنابل هو الديوان الخامس في مسيرة توفيق الشعرية، إذ أصدر من قبل: «هندسة الأوجاع»، «سيرةُ أخشاب تتهيَّأ للملكوت»، «وحده الشجرُ العارفُ بالسر»، إضافة إلى ديوان للأطفال بعنوان «طائرتي الورقية». وبينما يمزج محمد توفيق بين التفعيلة والعمودي يبدو مشغولاً بموسقة الفكرة فبجانب القبض على التفعيلات الخليلية، تبدو الرؤية كما لو كانت تتراقص مُحمّلة باشتعالات الوجود وتناقضات الواقع، وحبات قمح الذات الشاعرة التي سرعان ما تتحول إلى: خوخات في يد بائس، وتوتة تنتظر مسكيناً يُلوّن بها أوقاته، وفقيراً ترش عليه شجرة التين بعض ثمارها ليمنحها الحياة بينما يطفئ بها نار جوعه. الراحلة إلى النهار جاء ديوان «تحصدني بدمعتها السنابل» في نحو 94 صفحة، واشتمل على 3 محاور استهلها الشاعر، ببكائية حملت عنوان «نعشٌ يُزهر» يرثي بها أمه الراحلة، معلناً أنها رحلت إلى النهار كما ترحل شجرة سنط احتملت ثمانين عاماً من الألم والنزف وحمل الأحباب إلى قبورهم، لكنها عاشت بقلب نخلة شامخة وصابرة. وحمل المحور الثاني عنوان: وجع البلاد، ليتوحد الشاعر من خلاله مع البلاد والعباد، ويشكّل من طين الأرض وجوهاً تتلمَّس طريقها إلى ما وراء الوجود، فيما عنون المحور الثالث بـ«عسل العاشق» لينشد أحزانه وأحلامه في حضرة الحبيبة/الوطن، والمحور الأخير «كجمرٍ يقتفي أثري» استحضار لكون يبحث عن الذات الشاعرة في أبهى تشظيها وانفراط عقدها على رؤوس الأشهاد. «وإذا كان الشاعر استهلَّ غناءه الحزين بمفتتح يمجِّد للحياة، فإنه أعلن في الوقت ذاته ميثاق شعريته المحبة لكل لمخلوقات»، على شاطئ البحرِ ستجدُ النّخلةَ بانتظارك لن تُخلفَ موعدها، فقط اجعلْ قلبك دليلاً لرطبها.. واعرف الحكمةَ من شوكها. نافذة الأوجاع ومنذ أول حصاد للدمع والحلم، يشرعُ توفيق نافذة على أوجاع الحياة، فيخرج من الضيق إلى اتساع الرؤية، وفي أحلك لحظات الحزن يُشيِّع روحه بموسيقى العشق، ومفردات العرفان الواثق من اخضرار قلوب المحبين حتى لو انتقلوا إلى العالم الآخر. «نعشُ حبيبتي يمضي.. فسيروا مثلَ نخلٍ شامخٍ يمشي بمعجزةٍ نعشُ حبيبتي وطنٌ فسيروا في رحاب الأرض مسكونين بالأنفاس واحتفلوا بحلمِ الناس حين يهزُّهم شوقي نعشُ حبيبتي ولدٌ يغني للسماء ويبتني عرشاً على ماءٍ ويسري باعثاً طيراً إلى الأحبابِ في أوقاتِ لهفته ويتلو سِفْرَه إن شيَّع الأحلامَ بالنجوى». إنه شاعر تحصده السنابل فيمسك بحلم الوجود.. فمرحى به من حصاد.

مشاركة :