السعودية.. تغييرٌ سريع ومواكبة اجتماعية مطلوبة (٢)

  • 5/6/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

على مدى عقود، كان المواطن العربي لا يجد في عناوين الصحف العربية إلا مادةً للتندُّرِ والفكاهة.. وكان هذا طبيعياً، أولاً، لأنه لم يكن هناك ثمة أخبارٌ تستحق المتابعة، ومعلوماتٌ تستاهل القراءة. وثانياً، لأن العناوين المذكورة كانت محصورةً في «ودَّع المسؤول» و»استقبل المسؤول» و»تمَّ تداول الأمور الثنائية المشتركة» و»كان هناك اتفاقٌ شامل على القضايا التي نوقشت».. وهكذا دواليك. تحدثنا في المقال السابق عن جملة عناوين لفتت الانتباه لورودها خلال ثلاثة أيام في صحيفتنا الغراء «المدينة»، تتعلق بأنظمة وقوانين ومبادرات وإحصاءات وأحداث تتعلق بمجالات الفن والأدب والثقافة والمجتمع والدين والاقتصاد، وكانت دلالتها الرئيسة تتمثل في التغيير الشامل والسريع الذي تمر به المملكة خلال هذه الفترة، فضلاً عن ضرورة مواكبة المجتمع للتغييرات المذكورة.. وكانت النية استكمال الحديث بمزيدٍ من التفصيل في هذا المقال. لكن فضول الصحفي، مع الشعور بضرورة التوثّق والتحقق في معرض قراءة الظواهر الاجتماعية وتحليلها، دفعا المرء للتساؤل: ماذا لو كان الأمر (صدفةً) لا يجوز تعميم الحديث عنها؟ ماذا لو كان ورود العناوين والأخبار المذكورة (طفرةً) عابرة، لا يصحُّ، علمياً، تعميم نتائج دراستها وتحليلها؟ من هنا، عدتُ لقراءة عناوين الصحيفة يومي الخميس والجمعة الماضيين، فجاءت النتيجة أقرب لمفاجأةٍ سارة، لابد من مشاركة القراء بها، مع بعض تعليق. «مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية يطلق برنامج جودة الحياة 2020 بإجمالي إنفاق 130 مليار ريال»، يقول العنوان الأول. وحسب التفصيل الوارد فيه، يهدف البرنامج لـ»تهيئة البيئة اللازمة لتحسين نمط الفرد والأسرة، ولدعم واستحداث خيارات جديدة تعزز المشاركة في الأنشطة الثقافية والترفيهية والرياضية.. وخلق الوظائف، وتعزيز الفرص الاستثمارية، وتنويع النشاط الاقتصادي». ثمة كلمات مفتاحية هامة في الفقرة أعلاه، فمن آثار توسيع المشاركة الاجتماعية في الأنشطة المذكورة، على سبيل المثال، استعادة ثقافة المصالحة مع الحياة بفعالياتها المعاصرة التي تعيشها الغالبية العظمى من المجتمعات في هذا العالم، وهي ثقافة بات الإجماع العلني متزايداً على أنها كانت شبه غائبة في مجتمع المملكة على مدى عقود. لن يعدمَ الواقع وجودَ المتوجسين من هذا التوجه، والهمس هنا وهناك بتفسيرات تآمرية له.. لهذا تحديداً، تبدو أهمية الحديث عن مواكبة المجتمع لعمليات التغيير، فصياغة مُخرجات التوجه، في صورتها الواقعية، وبشكلٍ متوازن، هي مهمة المجتمع بأكمله. نحن هنا بإزاء عملية تدافعٍ سنني، ليست طبيعيةً فقط، وإنما هي صحيةٌ ومُنسجمةٌ مع القوانين التي تحكم الاجتماع البشري التي وضعها الخالق في هذه الحياة.. والعيشُ بمنطق الخوف والتوجس والرعب من التغيير، على ما يمكن أن يكون فيه من تحديات ومشكلات، بل ومخاطر، لا يُنتج إلا ما أسماه يوماً المفكر السوري الراحل، صادق جلال العظم، (استقرار القبور). دورُ صانع القرار هنا هو الثقة بنضج المجتمع، وبتجاوزِه مرحلة الطفولة فيما يتعلق بطُرُق العيش والحياة، وفتح الأبواب والنوافذ للحيوية البشرية كي تنطلق من عقال منهج الإصر والأغلال والقيود والموانع.. فهذا المنهج يُعطّلُ تحقيق قيم الحق والعدل والجمال والحرية، أكثر من قدرته على منع الفساد والظلم وكل ما يمت للقيم السلبية بِصِلة.. فضلاً عما فيه من استصغارٍ للمجتمع ووصايةٍ أبويةٍ على خياراته. يُلاحظ هنا أيضاً اندراج البرنامج في إطار رؤية ٢٠٣٠.. فبدلاً مما يوحيه تاريخ الرؤية من ضرورة انتظار المواطن إلى ذلك التاريخ ليشعر بتحسن حياته اليومية، وللتعامل مع مشكلاته ومطالبه وحاجاته، يأتي البرنامج ليؤكد الحاجة للتعامل معها منذ اليوم. ومع استعادة ثقافة المصالحة مع الحياة، توجدُ الوظائف، وتكثرُ أنواع النشاط الاقتصادي، وتتعززُ فرص الاستثمار. سيما إذا نظرنا إلى الصورة بشكلٍ شامل يتضمن العناوين الأخرى التالية: «الأمير بدر بن سلطان يفتتح ملتقى الاستثمار التعليمي بالجوف»، «(التدريب المجتمعي) يستهدف 213%.. ونسبة الرضا 92%: 10654 متدربًا ومتدربة التحقوا.. والمستهدف 5 آلاف»، «(السوق المالية): 140 مستثمرًا أجنبيًا مؤهلاً بالبورصة حالياً»، «انتعاش الصناديق العقارية.. ودعم توظيف المرأة يتصدر (اليوروموني)»، «دليل إرشادي للمنشآت لبرنامج التدريب الصيفي»، «افتتاح أول (مركز مطالبات) لتأمين مركبات السعوديات في جدة: يقوم بإدارته كادر نسائي مؤهل يعمل على مدار اليوم»، «٩ ضوابط جديدة لمنع إساءة استخدام السيارات الحكومية»، «رقم موحد لاستقبال البلاغات بعد رصد (الرقابة) استغلالها»، «تنظيم جديد لجمعية الكشافة.. وضوابط للحصول على العضوية». وأخيراً وليس آخراً، «إعادة تصنيف فندق بالمدينة من 5 نجوم إلى نجمة». نعم، خبر إعادة تصنيف فندق بهذا الشكل الصاعق يعني الكثير، من تفعيل مبدأ التفتيش، وصولاً لتأمين راحة وسلامة النزلاء، مروراً بالدرس الذي سيصل بسرعة إلى صناعة الفنادق بأسرها.. وهذا كله يصب بالتأكيد في جودة الحياة. وللحديث بقية.

مشاركة :