المنامة - تنظم “جمعية الإمارات للغوص” عدة أنشطة ومعارض متخصصة في الغوص للبحث عن اللؤلؤ، ورحلات مهمة لتعليم الغوص واستخراج وجمع اللؤلؤ وفلق المحار، كما أسست الإمارات مزرعة “السويدي لاستخراج اللؤلؤ” عام 2004. وفي الكويت، ينظم “النادي البحري الرياضي الكويتي” سنويا “رحلات الغوص” بمشاركة 12 سفينة بدعم كبير من الدولة، كما تحيي البحرين أيضا هذا التراث من خلال “مزارع اللؤلؤ”، ومنها اللؤلؤ المستخرج من جزيرة “خارك” الواقعة بين جزيرة “كيش” والبحرين، وهو من أفضل أنواع اللؤلؤ في العالم، إلى جانب مسابقات دورية تنظمها مؤسسات ثقافية بالبحرين. وتعد فعاليات “سنيار” بالدوحة أكبر حدث سنوي لاصطياد اللؤلؤ ينظم في قطر، يتخلله تجسيد حقيقي لمهنة الغوص بمشاركة المواطنين القطريين، لإحياء تراث الأجداد. ويتنافس الغواصون في هذه المسابقة على جائزة أولى قدرها أربعمئة ألف ريال قطري، أي ما يعادل 110 آلاف دولار. تعرف الشعوب بخصوصيتها وثقافتها، فما يسمى اليوم تراثا ليس إلا هوية شعوب أصبحنا لا نفرق بينها إلا باللغة ونمط حياتها القديم وثقافتها الشعبية، دول الخليج التي يجمعها اليوم إنتاج النفط والبنيات العصرية التي تشبه في هندستها دولا أخرى موزعة في القارات، كان يجمعها الصيد البحري ويميزها الغوص بحثا عن اللؤلؤ ونمط الحياة الصحراوي، هذه الخصوصيات أصبحت تجذب الزوار لاكتشاف حياة يفتقدونها في عصر السرعة والتشابه. كما تقيم الدوحة أيضا مسابقة “المينّى” للأطفال للغوص للبحث عن اللؤلؤ، التي تنظمها المؤسسة العامة للحي الثقافي “كتارا”، ويشارك فيها العشرات من الأطفال القطريين الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاما، حتى يتمكنوا من خوض منافسات الغوص بحثا عن اللؤلؤ بكفاءة فنية وبدنية عالية. وقبل اكتشاف النفط في الخليج، اعتمد سكان الساحل العربي على الغوص لاستخراج اللؤلؤ الطبيعي باهظ الثمن، لتأمين سبل معيشتهم باعتباره المهنة الشعبية الأساسية لكسب الرزق. وظل استخراج اللؤلؤ هو النشاط الاقتصادي الرئيسي، حتى بدء أعمال الاستكشاف والتنقيب واسعة النطاق لاحتياطيات النفط بالمنطقة. ولكنه كان نشاطا موسميا يمتد على مدار شهور الصيف الأربعة، حيث تبحر مجموعة من القوارب من موانئ المنامة والدوحة ودبي وأبوظبي متجهة إلى الضفاف الساحلية الغنية بالمحار. وكانت دول الخليج تبيع اللؤلؤ وتصدّره إلى دول كبرى مثل بريطانيا وفرنسا والهند وإيطاليا، وسائر بلدان أوروبا إلى أن بدأت اليابان زراعة اللؤلؤ، فأصبح اللؤلؤ الطبيعي باهظ الثمن، وأقبل الجميع على اللؤلؤ الصناعي. وشهدت صناعة اللؤلؤ بالمنطقة تراجعا بطيئا، ومن العوامل التي أسهمت في ذلك تطوير زراعة اللؤلؤ (المُنتج بطريقة صناعية) في عام 1916 على يد رجل الأعمال الياباني ميكيموتو كويتشي. وأصبح اللؤلؤ المزروع (الصناعي) أكثر وفرة، وثمنه عشر ثمن اللؤلؤ المستخرج في الخليج، ما وجه ضربة شديدة لصناعة الغوص على اللؤلؤ في الخليج. وفي مطلع ستينات القرن الماضي، اندثرت تقريبا صناعة اللؤلؤ التقليدية من المياه الساحلية للخليج بالتزامن مع نمو مرافق إنتاج النفط واسعة النطاق في جميع أنحاء المنطقة، وتعدد مصادر الدخل لدى تلك الدول، وارتفاع مستوى المعيشة فيها. والبحرين أشهر دول الخليج العربي بالغوص ومركز استخراج اللؤلؤ تليها قطر، وبحسب المختصين، تشير مخطوطة آشورية (تمتد حقبة الآشوريين إلى 1813 ق.م) بين دلالاتها إلى لآلئ البحرين. وصناعة الغوص في الخليج مرت عبر أطوار ثلاثة، ففي الطور الأول كان يطلق عليـه غوص (الأفراد)، وفي تلك المرحلة من الغوص كان العمل شاقا ومرهقا للغاية. ثم تدرج العمل إلى الطور الثاني الذي سمي بغوص (المثلوث)، وهو الذي يغطس فيه الغواصون 16 غطسة ثم يأخذون قسطا من الراحة. ثم جاء الطور الثالث والأخير، وهو غوص “الأزوام”، حيث يغطس قسم من الغواصين 16 غطسة، ثم يرتاحون 16 غطسة بالتناوب مع زملائهم الآخرين. وكان الغوص يعتمد أساسا على الكفاءة الجسدية والنفسية، فالقادر جسديا ونفسيا على الغوص في أعماق البحار لجمع اللؤلؤ يمكن له أن يصبح “غيصا” (غواصا)، وهي المهنة المرغوبة أكثر لأن للغواص حصة أكبر عند توزيع الأرباح. ورحلة الغوص كانت لها مجموعة من القواعد والوظائف تحدد مهمة كل فرد من أفراد الطاقم، الذي يخرج لرحلة الغوص التي تمتد نحو شهر قبل الرجوع للديار. وأهم الوظائف؛ كانت النوخذة أي ربان السفينة، المقدمي أو “المجدمي” وهو رئيس البحارة والمسؤول عن العمل على ظهر السفينة، والغيص وهو الشخص الذي يغوص في البحر لجمع المحار، والسيب وهو الشخص الذي يسحب الغيص من قاع البحر، والرضيف وهم الصبيان الذين يقومون بالأعمال الخفيفة والتدريب على العمل. ويرافق هؤلاء على متن القوارب أثناء رحلاتهم الشاقة، من يطلق عليه “النهام” وهو المغني، وكان يتميز بصوته الجميل، فيؤثر على البحارة كثيرا فيستمرون بالعمل والتجديف دون أن يشعروا بالتعب أو الملل. ويقدم النهام فنونه بالاشتراك مع جماعة من البحارة، ويتبادل الغناء مع غيره من رفاق العمل والسفر، ودوره في الإبداع لا يقتصر على إضفاء البهجة على الحياة والترويح في العمل، بل يشارك في العمل بنفسه، وله حصة من الربح أيضا، ويطلق عليه في الإمارات وعمان “الشيلات”. ومن مظاهر إحياء تلك المهنة وتأثيرها على مواطني دول الخليج، أن بيوت الخليجيين لا تخلو من إشارة إلى هذا التراث، فلا بد أن تحتوي منازلهم على مجسمات صغيرة للسفن وأدوات الصيد، وهي نوع من الزينة، بالإضافة إلى كونها دلالة تعبر عن ماضي البلاد، الذي يفخرون به. ولا يقتصر الأمر على منازل المواطنين فقط، بل يمتد إلى الشوارع والساحات والمناطق العامة، حيث تشتهر بلدان الخليج بمجسمات تعبر عن التراث، من أشهرها دوار اللؤلؤة الشهير في العاصمة البحرينية، المنامة، وأيضا مجسم اللؤلؤة بالعاصمة القطرية الدوحة.
مشاركة :