رحل خالد محيي الدين.. آخر الضباط الأحرار من قادة ثورة يوليو المصرية. تاريخ مصر المعاصر يحفظ اسم خالد محي الدين كواحد من أكبر فرسان الوطنية المصرية، وسيخلد دوره الوطني الكبير. في تاريخ خالد محي الدين محطات كبرى، لعل أهمها ما يلي: كانت المحطة الأولى هي دوره في تشكيل أول خلية لتنظيم الضباط الأحرار الذي قاده جمال عبدالناصر في أربعينيات القرن الماضي، وكان منتميا الى سلاح الفرسان، وهو التنظيم الذي قام بثورة يوليو 1952، ليصبح بعدها واحدا من أبرز أعضاء مجلس قيادة الثورة. وثورة يوليو لها مكانتها المعروفة في تاريخ مصر والأمة العربية والعالم. وكانت المحطة الثانية في حياة خالد محيي الدين هي خلافه الشهير مع مجلس قيادة الثورة أثناء الأزمة الشهيرة المعروفة بأزمة مارس عام 1954، وهي الأزمة التي غادر بعدها مصر الى الخارج. كان جوهر تلك الأزمة هو الخلاف حول: هل يعود الضباط إلى ثكناتهم وتقوم حياة ديمقراطية، أم لا؟ كان موقف خالد محيي الدين هو مع الديمقراطية. وما لا يعلمه الكثيرون انه في ذروة تلك الأزمة، وتحديدا في يوم 27 مارس، صدر بالفعل قرار عن مجلس قيادة الثورة بحل المجلس، وإعادة محمد نجيب رئيسا لجمهورية برلمانية، وتعيين خالد محيي الدين رئيسا لوزارة مدنية على ان يعيد الحياة النيابية في أقرب وقت. طبعا، بات معروفا أن هذه القرارات لم تصمد، وتمت الإطاحة بها بعد بضعة أيام، وغادر بعدها خالد محيي الدين البلاد. مع ان التاريخ لا يعرف تعبيرات مثل: ماذا لو، فإن المرء لا يملك الا ان يفكر: ماذا لو كان قد تم تطبيق هذه القرارات فعلا، وتولى خالد محيي الدين رئاسة الوزارة؟ وكانت المحطة الكبرى الأخرى في تاريخ خالد محيي الدين هي تأسيسه لحزب التجمع الوطني في عام 1976. كان إنشاء الحزب نقطة تحول كبرى في الحياة السياسية المصرية. على امتداد سنوات طويلة، لعب الحزب دورا رياديا مشهودا في قيادة المعارضة الوطنية المسؤولة، وفي الدفاع عن الفقراء في المجتمع. ومن أكبر المحطات في تاريخ خالد محيي الدين الدور المشهود الذي لعبه حين كان نائبا في مجلس الشعب المصري لسنوات طويلة قدم خلالها، ممثلا لحزب التجمع الذي يرأسه، نموذجا فريدا للمعارض الوطني الشريف المسؤول. وقبل ان يعتزل الحياة السياسية، قدم خالد محيي الدين قدوة لا تتكرر كثيرا في الحياة السياسية المصرية، حين فضل ان يترك رئاسة الحزب طواعية ليفسح المجال أمام قيادات جديدة. من حسن الحظ ان خالد محيي الدين ترك شهادته للتاريخ في كتابه الشهير «الآن أتكلم». هذا الكتاب يعد أهم وثيقة على الاطلاق عن ثورة يوليو ورجالها، قدم فيها شهادة أمينة موثوقة عن الثورة. ولا يمكن لأي مؤرخ للثورة ان يكتمل عمله ما لم يرجع الى هذا الكتاب. بالنسبة لي شخصيا، كان من أهم ما حدث لي في حياتي ان الظروف أتاحت لي ان أتعرف عن قرب شديد على هذا الزعيم الوطني. تعرفت عليه عن قرب في حزب التجمع، وأثناء عملي كأحد كتاب جريدة «الأهالي» الناطقة باسم الحزب، ثم حين كنت عضوا في فريق إدارة حملاته الانتخابية لمجلس الشعب لأكثر من دورة. على امتداد هذه السنوات، تعلمت منه مباشرة ما لم أتعلمه من مئات الكتب ومن دراساتي في العلوم السياسية، في مجال الوطنية والفكر والعمل السياسي. وقد يأتي وقت أحكي فيه بالتفصيل هذه الخبرة الثرية. تاريخ مصر سيخلد اسم خالد محيي الدين وسيخلد دوره كواحد من الزعامات الوطنية الكبرى، وكفارس للوطنية المصرية، وكمثال تحتذيه الأجيال للوطني الشريف المسؤول.
مشاركة :