فلاديمير بوتين "قيصر" يقمع معارضيه في مستهل ولايته الرابعة

  • 5/7/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

موسكو – بعد أكثر من 18 عاما في الحكم، يمثل فلاديمير بوتين رمز عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، في ظل توتر غير مسبوق مع الغرب وتراجع واضح في وضع حقوق الإنسان في بلده، مع حملة الاعتقالات التي تشنها السلطات في صفوف المعارضة. وسيحتفظ بوتين الذي ينصب الاثنين لولاية رئاسية رابعة بعد حصوله على 76,67 بالمئة من الاصوات في انتخابات 18 مارس، بمفاتيح الكرملين حتى 2024 حين سيبلغ عامه الثاني والسبعين. ويعرب مراقبون عن قلقهم من تسبب الاعتقالات بموجة جديدة من القضايا بحق المعارضين حيث أسفرت مسيرات مشابهة ضد عودة بوتين إلى الكرملين في 2012 عن حملة قمع واسعة استهدفت المحتجين. واعتقل المعارض نافالني قبل إطلاق سراحه إلى جانب نحو 1600 من أنصاره السبت اثناء مسيرات خرجت في انحاء البلاد ضد بوتين بينما استخدمت الشرطة ومجموعات شبه عسكرية القوة لتفريق التظاهرات في موسكو وسان بطرسبورغ. وصل هذا الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) الى الرئاسة في العام 2000 في بلد تفتقد فيه السلطة الى الاستقرار واقتصاده منهار. وفي حين يرى فيه كثيرون رجل الاستقرار والرخاء الجديد بفضل العائدات النفطية الوفيرة، ينتقده معارضوه مشيرين الى تراجع واضح في حقوق الانسان والحريات. اعتقال نافالي واطلاق سراحه اعتقال نافالي واطلاق سراحه على الساحة الدولية، عمل الرجل الذي وصف تفكك الاتحاد السوفياتي بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، على اعادة نفوذ روسيا في العالم بعدما تدهور مع سقوط الاتحاد السوفياتي وسنوات الفوضى في عهد بوريس يلتسين. ولتحقيق ذلك، يتبع الرئيس الذي يمارس رياضة الجودو، أسلوب الكفاح الدؤوب والثابت بحثا عن مؤشرات ضعف لدى خصمه، كما قال بنفسه في 2013 ردا على مواطن روسي طلب منه بذل كل ما بوسعه من أجل “اللحاق” بالولايات المتحدة و”تخطيها”، في شعار قديم من الحقبة السوفياتية. هذا الأسلوب طبقه بنجاح في سوريا حيث أدى التدخل العسكري الروسي منذ 2015 لدعم نظام دمشق الى تغيير مسار الحرب وسمح للرئيس بشار الاسد بالبقاء في السلطة، مثيرا غضب الغربيين الذين تخطتهم الأحداث الى حد ما. وفي السنة السابقة، قدم بوتين نفسه على أنه الزعيم الذي سيعيد مجد “روسيا العظمى” بضمه شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد تدخل القوات الخاصة الروسية الذي تبعه تنظيم استفتاء أيد الضم ونددت به الأسرة الدولية وكييف، معتبرة أنه غير شرعي. عززت هذه العملية نفوذه ومكانته في الداخل، لكنها أثارت أسوأ أزمة منذ نهاية الحرب الباردة بين روسيا والغرب الذي يتهم موسكو أيضا بتقديم دعم عسكري لحركة التمرد الانفصالي في شرق أوكرانيا، وهو ما ينفيه الكرملين. والى جانب التوتر المرتبط بسوريا واوكرانيا، أضيفت منذ انتخاب الرئيس الاميركي دونالد ترامب اتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الاميركية، ومؤخرا أزمة غير مسبوقة مع لندن بعد تسميم عميل مزدوج روسي سابق وابنته في انكلترا. وسعى الرئيس الروسي المولع بالرياضة، لفرض بلاده التي تستضيف هذه السنة نهائيات كأس العالم لكرة القدم، كقوة رياضية. وكانت روسيا نظمت في 2014 دورة الألعاب الأولمبية الأكثر كلفة في التاريخ في منتجع سوتشي الساحلي. غير أن أحلام الكرملين اصطدمت باتهامات موجهة إليه بالاستخدام الممنهج للمنشطات منذ صدور تقرير ماكلارن بهذا الصدد عام 2016. "تسديد الضربة الأولى" Thumbnail لم تكن خلفية بوتين الاجتماعية تؤهله للوصول إلى الكرملين. فقد ولد في السابع من أكتوبر 1952 لعائلة عمالية تعيش في غرفة في أحد المساكن المشتركة في لينينغراد (سان بطرسبرغ سابقا). وروى على موقع إلكتروني مخصص لسيرته “أنا من عائلة متواضعة وعشت هذه الحياة لفترة طويلة جدا”. وقال انه تعلم درسا من شبابه في شوارع لينينغراد “إن كان لا بد من خوض المعركة، فعليك أن تسدد الضربة الأولى”. درس الحقوق وانتسب إلى جهاز الاستخبارات السوفياتي (كي جي بي) وأصبح عميلا لها، ثم أصبح بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، مستشارا في العلاقات الخارجية لرئيس البلدية الليبرالي الجديد في سان بطرسبورغ. وبعد ذلك واصل صعوده بسرعة. ففي 1996 استدعي إلى موسكو للعمل في الكرملين. وفي 1998، عين على رأس جهاز الامن الفدرالي (إف إس بي) وريث الكي جي بي، قبل أن يعينه بعد سنة الرئيس بوريس يلتسين الذي كان يبحث عن خلف قادر على ضمان أمنه بعد تقاعده، رئيسا للوزراء. أعجب يلتسين والمحيطون به بتكتم هذا الرجل وفاعليته. واعتقد بعض المقربين من الرئيس أنه سيكون من السهل عليهم التحكم به، غير أن فلاديمير بوتين باشر إعادة بناء سلطة الدولة بتنظيمه “خط سلطة عموديا” تابعا له حصرا. وبعدما بات يعرف بصلابته، بدأ في الاول من اكتوبر 1999 على اثر سلسلة اعتداءات، حرب الشيشان الثانية وهو نزاع دامٍ تخللته تجاوزات ارتكبها الجنود الروس وقصف عشوائي لغروزني. وشكلت تلك الحرب الأساس الذي أكسبه شعبيته في روسيا وصورته كرجل صارم لا يخشى اتخاذ قرارات صعبة. عندما استقال يلتسين في نهاية 1999 واختار رئيس وزرائه ليخلفه، كان بوتين قد فرض نفسه كرجل البلاد القوي الجديد. فاز بوتين في العام 2000 بسهولة في الانتخابات وسرع الإمساك بزمام السلطة مستندا الى “هياكل القوى” الممثلة في الأجهزة السرية والشرطة والجيش من جهة، وإلى المقربين منه من سان بطرسبورغ. احتجاجات تحرك بوتين بسرعة لضبط رجال الأعمال المقربين من السلطة الذين حققوا ثروات طائلة في ظل عمليات الخصخصة المشبوهة التي جرت في التسعينيات. وقد استبعدهم من اللعبة السياسية وسجن من قاومه منهم، مثل رئيس مجموعة “يوكوس” النفطية ميخائيل خودوركوفسكي الذي أطلق سراحه عام 2013 بعدما قضى عشر سنوات في السجن. كذلك عمل الكرملين على ضبط الشبكات التلفزيونية التي كانت تتمتع بحرية تعبير موروثة من التسعينيات لم تكن لترضي بوتين. وبذلك باتت الشاشة الصغيرة في خدمته. وفي 2008، عهد بوتين بالكرملين إلى رئيس الحكومة دميتري ميدفيديف لأربع سنوات، عملا بالدستور الذي لم يكن يسمح له سوى بولايتين رئاسيتين متتاليتين، وتولى بدوره رئاسة الحكومة. ومع الإعلان في نهاية 2011 عن نيته في العودة إلى الرئاسة لولاية جديدة تم تمديدها في هذه الأثناء إلى ست سنوات، شهدت البلاد موجة احتجاج غير مسبوقة. غير أن التعبئة تراجعت بعد فوزه السهل بالرئاسة في ربيع 2012، وتلت ذلك حملة قمع جديدة للمجتمع الروسي مع إقرار قوانين وصفتها المعارضة بأنها تقضي على الحريات، وتشديد القمع ضد أي شكل من الاحتجاجات. وبوتين الأب لابنتين والمطلق منذ 2013، متكتم جدا حول حياته الخاصة، ويحرص على صورته كرجل بسيط يعيش “حياة عادية” ويهوى “الروايات التاريخية والموسيقى الكلاسيكية”، مثلما وصف نفسه خلال لقاء مع شبان روس. لكنه لا يتردد في الظهور والتقاط الصور له وهو يمارس الجودو أو عاري الصدر على حصان في غابات التايغا الروسية أو يقود طائرة لإخماد حريق.

مشاركة :