الشاعر «الحلمنتيشي» ياسر قطامش: نقاد غير ناضجين فكرياً علّقوا لي المشانق

  • 5/8/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

على مدار نحو 28 عاماً، اشتهر الشاعر المصري ياسر قطامش بكتابة القصيدة الفكاهية الساخرة التي تسمى بـ«الشعر الحلمنتيشي»، ورغم أن ابن شقيقه عمرو قطامش حاول السير على الدرب ذاته فإن نجمه أفل بعد فوزه في مسابقة «آراب غوت تالنت»، وبقيت تجربة ياسر قطامش متفردة في المشهد الثقافي المصري. «الجريدة» التقته في مقابلة تحدث فيها عن تجربته وتعاطي النقاد مع نصوصه، مفنداً الاتهامات التي يكيلها البعض للشعر الحلمنتيشي. فيما يلي نص المقابلة. ما المقصود بالشعر الحلمنتيشي؟ الحلمنتيشي نوع من الشعر يمزج بين الفصحى والعامية، مع الالتزام بالإطار الأصيل لقصيدة الفصحى في الوزن والقافية، ومن المفارقة بين الفصحى والعامية تتولد الضحكات والابتسامات. هذا الشكل من الشعر موجود منذ مئات السنين، لا سيما في العصر المملوكي، حيث شعراء مثل ابن سودون وابن دنيال وعامر الأنبوطي وأبي حسين الجزار تخصصوا في هذا الشعر الفكاهي الساخر. ولم يكن المصطلح الحلمنتيشى موجوداً في عصرهم، أما في العصر الحديث فثمة حسين شفيق المصري، رائد ومؤسس الشعر الحلمنتيشي في العشرينيات من القرن الماضي، كذلك بيرم التونسي وعبد السلام شهاب وحسين طنطاوي. ما الأسس الواجب توافرها في من يكتب الشعر الحلمنتيشي؟ أهمها إجادته الفصحى والعامية والإلمام بالتراث الشعبي، مع القدرة على المزج بين الفصحى والعامية بتلقائية ومن دون افتعال أو تكلف، لأن الأول يفسد المعنى والثاني لا يأتي بالنتيجة المرجوة من إشعال فتيل الضحك في نفس المتلقي. متى بدأت كتابة هذا النمط الشعري، ولماذا تخصصت فيه؟ بدأت مسيرتي مع الشعر عام 1978 وظللت أكتب القصيدة العمودية الرومانسية الحالمة سنوات طويلة متأثراً بشعراء «أبوللو» والمهجر، ولم أفكر يوماً في أن أكون شاعراً عام 1990 بدأت أكتب شعراً فكاهيا ساخراً من دون أن أقصد أو أخطط لذلك. انزعجت في البداية لأنني لم أكن أريد أن أوصف بشاعر حلمنتيشي، كون العامة ينظرون إلى هذا المصطلح بشيء من الاستحفاف والتهكم. لكن حينما ألقيت هذا الشعر في المحافل العامة والندوات لاقى استحساناً من الجمهور، ولا أدعى أنني تخصصت في هذا النمط الشعري دون سواه، فأنا أكتب أيضاً أشعاراً رومانسية ووطنية وأغاني، وكثيراً ما أبدأ قصيدتي بالفصحى وأجدها تدفعني إلى الحلمنتيشي. «سر الخلطة» الجمهور العادي مولع بما تكتبه. ما «سر الخلطة» في الشعر الحلمنتيشي التي تجعله قريباً من ذائقة العامة؟ أنا محظوظ لأن الجمهور العادي مولع بما أكتبه أما عن «سر الخلطة» فهو مثل «سر الطبخة» ويعتمد على «النفس»، بفتح النون والفاء. وكانت أمي (رحمها الله) عندما تتذوق طعاماً جيداً تقول لطاهيته «نَفَسك حلو في الطبخ»، وأنا «نفسي حلو في الشعر»، والنَّفَس هو الروح أي أنني أنفث في شعري من روحي المرحة لذا يلقى قبولاً لدى العامة والبسطاء، حيث أعبر عن مشاعرهم وأترجم أفكارهم وأكتب ما يشعرون به ولا يستطيعون أن يعبروا عنه بالكتابة. ولا يخلو شعري رغم هذا من المضامين العميقة في معظم الأحوال. والقارئ العادي يضحك على الصياغة والمعنى السطحي، أما القارئ الفطن اللبيب فلا يخفى عليه ما وراء الكلمات من معنى عميق. وفي أشعاري إسقاطات كثيرة لكنني لا أميل إلى السياسية منها لأن السياسة تتغير وتفنى بمرور الزمن، بينما يظل المعنى الاجتماعي صالحاً لكل زمان. اشتهر ابن شقيقك عمرو قطامش بكتابة نمط قريب من شعرك وحقّق شهرة واسعة في وقت قصير لكن سرعان ما خفت نجمه. ما السبب في رأيك؟ عمرو شاب طموح موهوب، وقرأ أعمالي جيداً منذ طفولته وحفظ معظمها وهو بارع في التمثيل والإخراج والإلقاء. تنبأت له بمستقبل مشرق وتمكن من تحقيق ذلك عندما فاز في مسابقة «آراب غوت تالنت»، ومنحت له «الميديا» شهرة أشبه بالبرق الخاطف الذي يعطي التوهج ثواني ثم ينطفئ. لكنني متيقن من أن نجمه لن يأفل وسيعود ليلمع مجدداً. أما العبد لله الراجي عفو مولاه العائش على الهامش ياسر بن قطامش فقد حفر طريقه في الصخر بيديه سنوات طويلة ولم يقفز على سلم الشهرة بل صعده درجة درجة، ما يمنحني القوة والثبات، فأنا لم ألهث وراء «الميديا»، ويكفيني رصيد أعمالي، إذ بلغت مؤلفاتي 30 كتاباً، منها 10 دواوين شعرية بخلاف كتاباتي في كبريات الصحف العربية وبرامجي لدى الإذاعة المصرية، وتكريمات عدة كان آخرها مطلع مارس الجاري في دولة جورجيا حيث كرمتني جامعة «تبليسي» وقرأت في الاحتفال بعضاً من قصائدي. انتقاد وكتب يهاجم البعض الشعر الحلمنتيشي كونه يخلط بين الفصحى والعامية وأحياناً الألفاظ الأجنبية. كيف ترد على ذلك؟ ربما نختلف أو نتفق على الشعر الحلمنتيشي، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، ولولا اختلاف الأذواق لبارت السلع. في شعر أمير الشعراء أحمد شوقي أمثلة عدة على استخدام الكلمات العامية في الجزء الرابع من ديوانه الخاص بالأطفال، فيقول مثلاً عندما رزق بابنه علي: «صار شوقي أبا علي... في الزمان الترللي»، وقال المفكر عباس العقاد مداعباً صديقه طاهر الجبلاوي: إن يوم السبت القريب بطالة.. فأركب «القطر» عاجلا وتعاله سوف تلقى إذا حضرت إلينا.. «أكلةً» حلوةً «تسيل الريالة» إذاً استخدام العامية مع الفصحى مقبول في مقام الدعابة والسخرية، أما الألفاظ الأجنبية، فلا أرى غضاضة في استخدامها، والدليل أننا نجد في القرآن الكريم ألفاظاً فارسية معربة مثل «سندس واستبرق»، فالشاعر يتكلم بلغة عصره التي يفهمها الناس، وليس مطلوباً منه أن يتكلم بلغة «داحس والغبراء». هل نلت حقك من النقد؟ أم أن النقاد تجاهلوا تجربتك الإبداعية ذات الطابع المختلف؟ قابلت أساتذة كباراً اعترفوا بما أضفته إلى الشعر الفكاهي الساخر والذي يُسمى مجازاً «الحلمنتيشي»، ومن بين هؤلاء الطاهر مكي ويوسف نوفل وعبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) وغيرهم. لكنني ابتليت أيضاً ببعض ممن يسمون أنفسهم نقاداً، وهم للأسف غير ناضجين فكرياً وثقافياً، فعلقوا لي المشانق ووضعوا شعري على مائدة التشريح وأصدروا أحكاماً تنم عن الجهل والضحالة، ومنهم أيضاً من تجاهل ما أكتب، وأنا لا يهمني ذلك وأعمل بقول الفرزدق «عليّ أن أكتب وعليهم أن يتأولوا». قدّمت دواوين وكتباً عدة. حدثنا عن منجزك الأدبي ومدى التنوع فيه بما يعكس تنامي تجربتك الإبداعية. بين صدور ديواني الأول «قدمت للحب استقالة» عام 1990 حتى ديواني الأخير «منمنمات قطاميشي بالفصحى والحلمنتيشي» الصادر هذا العام، ثمة مسيرة شعرية عمرها 28 عاماً تتضمن 10 دواوين متنوعة، القاسم المشترك الأعظم فيها ميلي إلى المرح، وإن كان كل ديوان مختلف المذاق عن سابقه ويعبر عن مرحلة قطعتها في الحياة. وما كتبته بالأمس لا يصلح أن أكتبه اليوم، فأنا ألهث وراء الجديد وإضافة رؤى مختلفة. حتى عناوين دواويني تعكس ذلك، فمنها «القلب في ورطة بين ليلى وبطة»، و«مشاغبات شعرية على الطريقة القطامشية»، و«عجائب الأشعار في الجد والهزار». غريبُ في زماني وصف ياسر قطامش نفسه مستعيناً بشعره الحلمنتيشي فقال: أنا رجلُ غريبُ في زماني أعيش بذكرياتي في الأغاني وأعشق أم كلثوم وأهفو إلى ليلى مراد وأسمهانِ وأصحابي همو رامي وناجي بيرم والنديم وأصفهاني.

مشاركة :