خيري منصور لم يكن روجيه جارودي المفكر الأوروبي الوحيد الذي كتب عن منشأ الأصوليات في الغرب، لكنه الأشهر في هذا السياق بسبب أطروحته الراديكالية، خصوصاً بعد أن أشهر إسلامه، وكما أن الغرب تورط بما أنتجه من أصوليات تورط أيضاً في تصدير مفاهيم تُيسّر له الهيمنة على العالم. لهذا يقول عالم اجتماع فرنسي إن الحملات العسكرية الفرنسية بدءاً من حملة نابليون على مصر حملت معها بذور نقيضها، لأن من ادعوا بعد الثورة الفرنسية أنهم حماة الحرية والمبشرون بالعدالة والمساواة لا يستطيعون منع هذه الأفكار من التسرب حتى إلى مستعمراتهم!لكن أطروحة جارودي التي أثارت سجالاً واسعاً في فرنسا بالتحديد استندت إلى وقائع تاريخية. ومنها أن الغرب لم يقفز بالمظلة من العصر الوسيط إلى الحقبة الديمقراطية، بل مر بفترات حالكة السواد ومنها ما هو معروف عن محاكم التفتيش، والمصير الذي انتهى إليه من قالوا بكروية الأرض ودورانها، إضافة إلى التراجيديا التي حولت جان دارك إلى أيقونة، والتي لم يكف العلماء حتى الآن عن البحث عما تبقى من عظامها المحترقة!لكن ما تحقق من تعريفات دقيقة للأصوليات على اختلاف مرجعياتها لم يتحقق حتى القليل منه للعلمانية، فهي مصطلح مشوب بدلالات سلبية ساهمت التيارات السلفية في تعميقها بحيث تبدو لدى البعض مرادفاً للإلحاد، والحقيقة ليست كذلك، فالعلمانية لم تعترض على مقولة الدين لله والوطن للجميع، وتأسست على أقانيم واقعية وإنسانية حاولت قدر المستطاع استثمار المجهود البشري للتمدن، والاعتراف للآخر بحق الاختلاف، والعلمانية ليست المصطلح الوحيد المشوب بدلالات سلبية أو تحمل دلالات إضافية، فالليبرالية أيضاً تعاني من سوء فهم لأنها لم تجد من يترجمها ترجمة دقيقة تحرر المصطلح من الظلال التي علقت به!ولكي نعرف ما الذي نتحدث عنه ويدور حوله السجال لا بد من الابتداء من أول السطر، وهو تعريف هذه المصطلحات كما هي وليس تبعاً للنوايا!
مشاركة :