يمكن أن نسجل على الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني الكثير من المآخذ والأخطاء التنظيمية والإدارية التي كان من الممكن تلافيها، سيما وأنها عقدت بعد أكثر من عقدين على آخر جلسة له. وفي نفس الوقت يسجل لها، ورغم المآخذ عليها، أنها عملت على تجديد شرعية بدأت تتآكل وتتهاوى بفعل الزمن وتسارع وتيرة الأحداث التي تعصف بالمنطقة. وبحكم ضخامة حجم المؤامرات والمناورات التي تتعرض لها القضية الفلسطينية. إن تأكيد شرعية ووحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة المعقدة والرجراجة يمثل حجر الزاوية لمواجهة صفقة ترامب التي تقوم على قضم الشرعية الوطنية وسلب الشعب الفلسطيني قراره الوطني واعطائه لطرف يقبل بتمرير الصفقة. فكان لابد من وضع حد للحالة التي كانت سائدة في مؤسسات منظمة التحرير، فكان عقد المجلس بالطريقة التي تمت، أي بغياب ومقاطعة قوى أساسية في الساحة الفلسطينية، الخيار المر، كونه ينقذ الشرعية الوطنية ويترك الباب مفتوحا لتعزيزها وتقويتها من خلال استكمال الحوار والتحاق القوى المقاطعة في دورة جديدة للمجلس. يحق للمعترضين على عقد دورة المجلس نقدها وتعديد مثاقبها كما يحلو لهم والالحاح على ضرورة عقد جلسة جديدة تنسجم مع رؤاهم ومطالبهم، فذلك تكفله لهم أبسط قواعد الديمقراطية الفلسطينية. ولكن أن يستبدل النقد بالردح والتكفير والتخوين فذلك لن يقود الا الى ضبابية قد تؤدي بهم إلى مسارات ضارة بالكل الوطني. لعل أخطرها محاولة خلق كيان مواز ومنافس لمنظمة التحرير. لأن ذلك يعني التساوق التام مع مشروع ترامب من جهة، ومن جهة أخرى فيه استهتار واستخفاف بنضال شعبنا على مدار أكثر من نصف قرن. وضرب الإنجاز الأهم الذي حققه هذا النضال من خلال انتزاع اعتراف العالم بالمنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني. فلم يأت هذا الاعتراف طواعية أو بالمجان أو كان سهلا انتزاعه، بل جاء تتويجا لنضالات شعبنا ومعاركه الطاحنة التي خاضها في أكثر من ساحة وواجه فيها أكثر من عدو وخصم. فمنذ أن برزت قضية فلسطين سعى الأعداء الى إفشال أي إطار يمكن أن يمثل الفلسطينيين ويتحدث باسمهم. وظل رفض الاعتراف بممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني أحد ثوابت المشاريع المضادة والتصفوية. فقد تعلمنا من دروس التاريخ أنه عندما التقى وفد من اللجنة التنفيذية والتي كانت أول هيئة وطنية فلسطينية يعمل الكل في اطارها في عشرينات القرن الماضي، عندما التقى ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني في حينها لينقل اليه وجهة النظر الفلسطينية بخصوص هجرة اليهود وبيع الأراضي أقفل الوزير باب الحوار قبل أن يبدأ وأوصل رسالة الى الوفد مفادها عدم الاعتراف بصفتهم التمثيلية عن الشعب الفلسطيني. ولم يكن حظ اللجنة العربية العليا التي تأسست في شهر أيار/ مايو 1935 بأفضل حال من اللجنة التنفيذية التي سبقتها رغم أنها ضمت في إطارها كافة ألوان الطيف الفلسطيني في حينه، فقد رفضت سلطات الانتداب البريطانية اجراء أي حوار معها. وبعد عامين على تأسيسها أعلنت بريطانيا عدم شرعية اللجنة العربية العليا واعتقلت عددا من أعضائها ونفتهم الى خارج فلسطين. ثم يتكرر نفس السيناريو مع الهيئة العربية العليا، سيما عندما شكلت حكومة عموم فلسطين حيث رفض التعامل معها ووجهت بمؤتمر اريحا. وبعد النكبة تم بعثرة الوجود الفلسطيني في مؤتمر لوزان الذي عقد لتنفيذ القرار 194 فالحق الفلسطينيون بوفود الدول العربية إضافة الى وفدين فلسطينيين منقسمين واحد قريب من الأردن والثاني يمثل الهيئة العربية العليا. حتى عندما شكلت منظمة التحرير الفلسطينية بقرار عربي فقد حرص القرار أن يغيب مسألة تمثيلها للشعب الفلسطيني عن ميثاقها القومي، بل على العكس نص الميثاق على ألا تغيير على واقع الفلسطينيين في الضفة وغزة، ولقد لخص المرحوم أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير واقع الحال بقوله: “ذهبت الى الفلسطينيين ممثلا عن جامعة الدول العربية وعدت الى الجامعة ممثلا للفلسطينيين” ولكن لم تنل منظمة التحرير الاعتراف العربي بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني الا بعد هزيمة 1967 واندلاع الثورة الفلسطينية المعاصرة. وتجدر الإشارة هنا الى أن هذا الاعتراف تم خلال قمتين، الأولى في الجزائر حيث تحفظت الأردن عليه، والثانية في الرباط وقد حظي بموافقة كل الدول العربية. وعلى ما سبق يمكن الجزم بأن شرعية ووحدانية تمثيل الفلسطينيين خط أحمر يجب عدم المساس به.
مشاركة :