بيروت: فيفيان حداد لعل كل من تذكّر الفنانة الراحلة صباح بعيد رحيلها فجر الأربعاء الماضي، تحدث في إسهاب عن حبها الكبير العطاء. فهي لم تكن تتردد - كما قال كثيرون عنها أمثال الموسيقار إلياس الرحباني ونقيب الفنانين المحترفين إحسان صادق والإعلامية وردة زامل - في مساعدة الغير ولو أتى ذلك على آخر قرش تحمله في جيبها. فجميع من تعرف إلى الفنانة صباح كان يدرك سلفا أنها إنسانة خيرة وكريمة إلى أبعد حدود، الأمر الذي جعلها تلقب بـ«مدام بنك»، فكان يلجأ إليها القريب كما البعيد تماما، ولم تكن تتوانى يوما عن مد يد المساعدة له، لا سيما ماديا. كانت تعلم تماما أن البعض يستفيد من كرمها هذا، وأنه أحيانا يتمادى في طلب مبالغ مالية طائلة منها، إلا أن ذلك لم يكن يثنيها عن تقديم العون لطالبه. ولكن الاستفادة من «الصبوحة» لم تقتصر يوما على كرمها فقط، إذ ساهمت بطريقة أو بأخرى في أن تصنع نجومية عدد من الأشخاص الذين رافقوها في مشوار حياتها، لا سيما بعض الرجال الذين تزوجت بهم. وقد يكون الموسيقي المصري أنور منسي، والد ابنتها هويدا، هو أول الغيث في مشوارها هذا، إذ يقال إنه على الرغم من أنه كان سابقا لعصره في مهارته في العزف على الكمان، فإن شهرته الحقيقية كانت على أيدي صباح، التي ساندته في مشواره فكانت تصطحبه معها في حفلاتها الغنائية أينما حلت، إلى حد جعله واحدا من أشهر عازفي الكمان في العالم العربي. ومن خلال الشحرورة صباح، انتشر اسم أنور منسي بشكل أكبر وصار عازفا منفردا على الكمان (سوليست) لعمالقة في الغناء أمثال أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش حتى لقب بـ«موزارت مصر». في مسلسل «الشحرورة» الذي عرض في موسم رمضان من عام 2011، جرت الإشارة إلى مساهمة صباح في شهرة زوجها أنور منسي وأنه كان يستدين منها مبالغ من المال ليسدد ديونه من إدمانه لعب الميسر. هذا الموضوع أثار حفيظة أقرباء الموسيقي الراحل الذين اعتبروا المسلسل أهان أنور منسي وأساء إلى عائلة منسي ككل. الجميع كان يتطلع إلى شهرة صباح قبل أن يفكر في أي قيمة إنسانية أخرى تتحلى بها. فلقد ذكرت أكثر من مرة أن شهرتها أعمت بصيرة كثيرين ممن كانوا إلى جانبها، فتسببوا لها في الأذى أحيانا وفي الخيانة أحيانا كثيرة، الأمر الذي كان يؤلمها. ومن بين الرجال الذين استفادوا أيضا من شهرة الراحلة صباح، زوج آخر ألا وهو الممثل المسرحي اللبناني وسيم طبارة. درس طبارة الإلكترونيات في أميركا، ثم ما لبث أن عمل في المجال المسرحي في عام 1968. وفي عام 1969، دمج فريقه المسرحي مع آخر يعود للممثلة إيفيت سرسق، فألفا معا فرقة «السيغال» للمسرح الهزلي. وإثر زواجه بصباح في أوائل السبعينات، انفصل عن العمل مع سرسق لينصرف إلى إخراج أعمال مسرحية لزوجته كـ«ست الكل»، و«شهر العسل»، و«حلوة كتير». برز اسم وسيم طبارة بشكل لافت وصارت أعماله على كل لسان بعد أن دعمته صباح وعرفت عنه بالمخرج المبدع، فعاش معها عصره الذهبي وانطلاقته الحقيقية في عالم الفن. لم يدم زواجهما سوى 5 أعوام. وبعد انفصالهما، عاد وسيم طبارة ليعمل في مجال المسرح الهزلي إلى حين رحيله عن الحياة في عام 2005. أما فادي القنطار المعروف بـ«فادي لبنان» الذي تزوجته صباح في عام 1986، فكان مجرد راقص في الفرقة اللبنانية للفنون الشعبية، وإثر زواجها به أطلقته في عالم الفن من بابه العريض، وصار بين ليلة وضحاها مخرجا مسرحيا، نفذ لها أكثر من عمل مسرحي بينها «الأسطورة1» و«كنز الأسطورة». ولم تبخل صباح من دعم زوجها الأخير في عالم الغناء، حتى إنها ردت مرة على أحد محاوريها في إطلالة تلفزيونية لها عن سبب إطلاقها له في عالم الأغنية رغم أن صوته ليس جميلا، فردت مدافعة: «بعدو أحسن من غيرو، فهناك أصحاب أصوات أسوأ منه موجودين على الساحة اليوم». انتهى زواج صباح بفادي لبنان بعد 18 عاما على خلفية مشكلات مادية وخيانة زوجية كما قيل، ومن بعدها انكسف نجم فادي لبنان وابتعد تماما عن الساحة الفنية. ولم تقتصر صناعتها النجوم على الرجال الذين تزوجتهم فقط. فقد سطع اسم رجال آخرين عملوا معها في مسرحياتها كالراقص كيغام الذي جعلت منه نجما من نجوم أعمالها هذه، والذي تزوج فيما بعد بإحدى شقيقاتها. كذلك الأمر بالنسبة لمصففي الشعر الذين رافقوها في مشوار أناقتها الدائم، كالمزين نعيم عبود الذي فاقت شهرته العالم العربي فطالت دولا أوروبية كباريس، وذلك إثر دعمها له في جميع إطلالتها، فكانت تصر على ذكر اسمه دائما، مشيرة إلى أنه أفضل من اعتنى بتصفيف شعرها. أما المزين جان عواد، فكان واحدا من الذين صنعت نجوميتهم صباح بامتياز، فكان رفيقها في حفلاتها بلبنان ومصر وأميركا ولطالما رددت اسمه، مشيرة إلى أنامله السحرية التي ساهمت في أن تبدو صاحبة أجمل موديلات تصفيف شعر في العالم العربي. أما آخر العنقود في هذا المجال بالذات، فكان المزين جوزف غريب الذي رافقها حتى ساعة رحيلها، فكان يهتم بتصفيف شعرها وبانتقاء ملابسها حتى صار أحد الأصدقاء المقربين منها. آثرت صباح أن يظهر معها جوزف غريب في أكثر من إطلالة إعلامية مرئية وإذاعية، وبقي وفيا لها طيلة مدة مرافقته إياها التي تجاوزت الـ15 عاما. كما اختارته أحيانا كثيرة ليتكلم بلسانها أو ليحدد لها مواعيد مقابلاتها الإعلامية. فوثقت به وأمنته على أسرارها حتى صار بمثابة فرد من عائلتها. في إحدى المرات، سئلت صباح عما إذا كانت تتمنى لو تزوجت بجوزف غريب يوما ما، فقالت ممازحة: «بالتأكيد لا، لأنه كان تحول مثل أزواجي الآخرين خائنا لي». مصمم الأزياء وليم خوري لامسته أيضا عصا صباح السحرية، فكان المشرف الأول على أناقتها، فصمم لها أكثر من 400 فستان نالت شهرة واسعة في لبنان والعالم العربي، فكان وبدعم من صباح واحدا من أهم المصممين العرب لحقبة طويلة تجاوزت الثلاثين عاما. ويقول في هذا الصدد: «لقد كان لي الشرف أن أتعامل مع سيدة كصباح، فأناقتها كانت حديث الصالونات في لبنان والعالم العربي، وساهمت في شهرتي دون شك». ويضيف في حديث لـ«أنغام»: «كل فستان صممته لصباح عزيز على قلبي كأنه ولد من أولادي، فقد كنت مع فريق الخياطة العامل معي والمؤلف من 80 فتاة نصل الليل بالنهار لننهي فستانا لصباح أرادته من أجل مناسبة معينة». ويضيف: «لقد كانت تثق بذوقي ثقة عمياء، كان دورها يقتصر فقط على اختيار اللون الذي تريده، أما التصميم فهو أمر يعود لي، وأحيانا كثيرة كانت تتصل بي من الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا أو أي بلد آخر موجودة فيه تطلب مني تصميم ثوب لها فأرسله إليها من دون أن تسألني عن أي تفصيل يخصه، فبالنسبة لها ويليام خوري يعرفها عن ظهر قلب، ولا يمكن أن يخذلها يوما ما». رحلت صباح عن عمر يناهز الـ87 عاما، ورغم أنها ساهمت في صناعة أكثر من نجم في مجالات عدة، فإنها بقيت ملكة النجوم بالنسبة لملايين من محبيها في العالم العربي. فالجميع كان على تمام المعرفة بأن الشخص الذي يمشي إلى جانبها هو في عداد الناجحين، وأن طاقة الحظ تفتح أمامه من أول مرة تلفظ فيها اسمه على لسانها.
مشاركة :