ترامب ينسحب من الاتفاق النووي ويحذر إيران من مواجهة صارمة

  • 5/9/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

واشنطن - قلل مختصون في الشأن الإيراني من أهمية موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، مشيرين إلى أنه إذا كانت أوروبا والولايات المتحدة جديتين في منع إيران من تطوير سلاح نووي، فعليهما أن تدفعا باتجاه فرض وقف على اختبارات تحليق الصواريخ الباليستية ذات القدرة النووية، وهي المهمة الأصعب، لأن طهران متشبثة ببرنامجها الصاروخي لأسباب استراتيجية وأيديولوجية. في سياق القرارات المفاجئة التي لم تعد غريبة على الرئيس الأميركي، قرر دونالد ترامب اختصار الوقت على الأوروبيين الذين ألحوا كثيرا على إبقاء الاتفاق النووي الموقع مع إيران، وأعلن عن انسحاب بلاده من الاتفاق قبل أربعة أيام من التاريخ المتفق عليه، وهو 12 مايو الجاري. وقال ترامب إن النظام الإيراني لم يحترم الاتفاق، واستخدم نفس توصيف رئيس الوزراء الاسرائيلي، حيث قال إن إيران "كاذبة"، وأضاف "لدينا الدليل القاطع على أن طهران كذبت وأن النظام الإيراني واصل تخصيب اليورانيوم". وأكد أنه إذا تم الإبقاء على الاتفاق فسيؤدي ذلك إلى سباق تسلح نووي في منطقة الشرق الأوسط وسيؤدي إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار وسيهدد الوضع الولايات المتحدة أيضا، مضيفا أن النظام الإيراني يدعم الإرهاب ويرسل الصواريخ ويدعم مليشيات وجماعات إرهابية مثل حزب الله وطالبان والقاعدة. واضاف الرئيس الأميركي أنه يريد حلا حقيقيا ودائما للتهديد النووي الإيراني مؤكدا أنه سيواصل العمل مع الحلفاء من أجل كبح السياسات الإيرانية وتهديداتها والوصول معهم إلى اتفاق بشأن برنامج الصواريخ الباليتسية، مشيرا إلى أنه سيقبل التفاوض على اتفاق جديد مع إيران عندما تكون مستعدة، وعليها أن تحذر من مواجهة صارمة إذا واصلت سياستها الراهنة. يأتي قرار ترامب ليسطر عهدا جديدا يقوده كل من وزير الخارجية الجديد مايك بومبيو والمستشار جون بولتون. لا تزال معالم هذا العهد غير واضحة حيث تتداخل الملفات وتتجاوز قصة الاتفاق النووي. الخطر اليوم لم يعد يتمثل في البرنامج النووي الإيراني، الذي كان الورقة الإيرانية الرابحة، حتى أيام العقوبات. لا شك في أن خيارات إيران محدودة بعد قرار ترامب لكنها تشكل تهديدا لا يستهان به في ظل الفوضى الشاملة والإرهاب الذي يعيد رسم حدوده ووجوده. من أوباما إلى ترامب Thumbnail بين سنتي 2014 و2015، سيطرت على الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس السابق باراك أوباما فكرة إبرام اتفاق مع إيران، الدولة المارقة التي تدعو بالموت على أميركا وتهدد إسرائيل. تحول توقيع الاتفاق إلى هوس إلى درجة ضحى بسببه أوباما بعلاقات بلاده التقليدية مع دول الخليج العربي كما تسبب في توتر نادر مع إسرائيل. ومؤخرا، تم الكشف عن ارتكاب إدارة أوباما عددا من التجاوزات من أجل إبرام الاتفاق النووي إلى درجة أنها أعطت رخصة مجانية لحزب الله لممارسة عمليات تهريب المخدرات وغسيل الأموال في أميركا اللاتينية، الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، مقابل ضمان أن تنتهي المحادثات النووية بين إيران ومجموعة خمسة زائدا واحدا بالشكل الذي يدخل أوباما التاريخ باعتباره الرئيس الأميركي الذي روّض الجمهورية الإسلامية الإيرانية. يوم 14 يوليو 2015، أعلن عن توقيع خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (روسيا والولايات المتحدة وفرنسا والصين وبريطانيا) وألمانيا. ونص الاتفاق على التزام طهران بالتخلي عن أجزاء حيوية من برنامجها النووي وتقييده، مقابل رفع العقوبات عنها. تنفست واشنطن وشركاؤها في المفاوضات الصعداء، لكن لم تدم تلك الراحة طويلة. استفاقت الإدارة الأميركية والأطراف الأوروبية على ما حذرت منه الدول التي عارضت توقيع الاتفاق. ففي الوقت الذي كانت فيه واشنطن منهمكة في الحديث عن إيجابيات الاتفاق، كانت طهران تنشر ميليشياتها المسلحة وحرسها الثوري في سوريا والعراق واليمن. وكان لبنان غارقا في أزمة سياسية سببها حزب الله، واليمن ينهار على وقع تقدم الحوثيين المدعومين من إيران. وكان تنظيم الدولة الإسلامية يرص صفوفه لإعلان “دولة الخلافة”، ردا على دعم إيران لنظام الأسد، وسياسات ميليشياتها وأنصارها السياسيين في العراق. وكانت روسيا ترسخ أقدامها في كل مكان ترفع الولايات المتحدة يدها عنه بسبب الخلاف حول الاتفاق النووي. طهران لطالما اتبعت سياسة الحرب بالوكالة عبر استخدام الدول الضعيفة: لبنان ضد إسرائيل، العراق ضد الولايات المتحدة، اليمن ضد السعودية ومنذ إبرام الصفقة النووية، أطلقت إيران ما يصل إلى 23 صاروخا باليستيا، مما دفع أجهزة الاستخبارات الأميركية مرارا إلى التأكيد أن الصواريخ الباليستية ستستخدم كأداة محتملة لتطوير سلاح نووي إيراني، لذلك يجب عدم السماح لإيران بتطوير هذا السلاح. في أواخر سنة 2016، انطلقت حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية، وكان الرئيس الحالي دونالد ترامب من أكثر المرشحين إثارة للجدل وأقلهم حظوظا بالفوز. لكن، الوضع الداخلي في أميركا، كما الوضع في الخارج حيث تنتشر المصالح الأميركية، لم يكن ليستوعب رئيسا مثل هيلاري كلينتون. فرضت الفوضى التي خلفتها سياسة أوباما، وعلى رأسها الاتفاق النووي، رئيسا فوضويا وشعبويا مثل ترامب، الذي بنى حظوظه على أنقاض سياسة أوباما واستقطب دعم اللوبي اليهودي المؤثر من خلال عبارته الشهيرة “إذا فزت سأمزق الاتفاق النووي” مع إيران. فاز ترامب في الانتخابات. وعلى مدى سنة ونصف السنة ظل يهدد إيران ويتوعد بإلغاء الاتفاق، وفي كل مرة يسرع الأوروبيون لتهدئته ومحاولة إقناعه بمعاقبة إيران بأي طريقة أخرى إلا “تمزيق” الاتفاق. في الأثناء، تمدد الإرهاب الشيعي ممثلا في ميليشيات إيران، في مختلف دول المنطقة، ووصل حد العمق الأفريقي، في نيجريا خصوصا. وقابله تمدد للإرهاب السني، الذي تراجع في سوريا والعراق، لكنه اليوم يعيد ترتيب صفوفه في أفريقيا ودول في جنوب آسيا، فيما العالم منشغل بتصريحات ترامب بشأن الاتفاق النووي. فرض الاتفاق قيودا على البرنامج النووي الإيراني لعشر سنوات على الأقل. لكن واشنطن تريد جعل هذه القيود مستدامة وتعتبر أن الاتفاق المبرم سنة 2015 لا يقوم سوى بإرجاء المشكلة إلى وقت لاحق. وكان الرئيس الأميركي يواجه قلق الأوروبيين الذين سارعوا إلى توقيع اتفاقات اقتصادية مع إيران صباح توقيع الاتفاق، بدعوتهم إلى إصلاح الاتفاق حتى يضمنوا بقاءه. لكن الأزمة لم تكن في الأوروبيين بل في إيران، التي تفضل إلغاء الاتفاق على أي تعديل يمس بعصب سياستها: برنامج الصواريخ الباليستية ودورها في الحرب السورية واليمنية وسيطرتها على العراق، في سياق مبدأ تصدير الثورة الذي بدأ على طريقة آية الله الخميني وانتهى على طريقة الحرس الثوري وقائده قاسم سليماني. البرنامج الباليستي Thumbnail تريد واشنطن التصدي لبرنامج إيران الصاروخي الباليستي الذي تعتبره “مضرّا” لاستقرار وأمن المنطقة والذي تم تطويره رغم الحظر المفروض من جانب الأمم المتحدة، التي تقول إن طهران يجب ألا تطوّر صواريخ قد تحمل رؤوسا نووية. وتؤكد إيران التي تعتبر أنها معرضة لتهديدات من القواعد الأميركية الإقليمية وترسانات جيرانها، أن صواريخها “دفاعية” فقط و”ليست مخصصة لأسلحة دمار شامل”. وتعتبر طهران أن الصواريخ ليست جزءا من الاتفاق النووي ويبدو هذا الملف غير قابل للتفاوض بالنسبة لها. وتقول الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط في مركز راند للأبحاث والدراسات داليا داسا كايه داليا داسا كايه إن بالنسبة إلى طهران “هذا عنصر ضروري للدفاع الوطني ويجب أن يكون أحد الملفات الأصعب لحدّه”. وتضيف أن “المحادثات يجب أن تتركز على تدابير ثقة، مثل الحدّ من التجارب الصاروخية”. وتتهم واشنطن طهران بتقديم الدعم المادي والمالي، للإرهاب والتطرف، في إشارة إلى حزب الله اللبناني الذي يعتبر الحزب المسلح الوحيد في البلاد. وفي العراق وكذلك في سوريا، تؤكد إيران أنها تتصرف باسم أمنها الوطني ضد جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية. المحافظون لا يرغبون في التفاوض على مسألة الصواريخ أو الإقرار بانخراطهم في دول أخرى في الشرق الأوسط لذلك إلغاء الاتفاق أفضل من تعديله بالنسبة لهم وفي اليمن، تدعم إيران المتمردين الحوثيين. ويؤكد خبراء الأمم المتحدة أن إيران تنتهك الحظر على الأسلحة عبر السماح للحوثيين بالتزود بطائرات من دون طيار وصواريخ باليستية لضرب السعودية. وتقول مجموعة إنترناشونال كرايسيس غروب إن طهران لطالما اتبعت سياسة الحرب “بالوكالة” عبر استخدام الدول الضعيفة: لبنان ضد إسرائيل، العراق ضد الولايات المتحدة، اليمن ضد السعودية. وتضيف “ما دامت إيران تتبع هذه السياسة، الدفاعية في الأصل والتي يعتبرها آخرون عدوانية، ستبقى التوترات واحتمال حدوث مواجهة عسكرية مباشرة موجودين”. وترى كايه أن “احتواء التأثير الإيراني في المنطقة سيكون صعبا، لكن هذا لا يعني أن إيران لا تُقهر”، وهو أمر يؤكد عليه مختلف الخبراء والمتابعين للشأن الإيراني، الذين يعتبرون أن إيران أضعف مما تبدو عليه، وأن الإدارة الأميركية قادرة على تحجيمها إذا كانت حقا جادة في الحد من سياساتها التخريبية في المنطقة وقطع الطريق أمام مخططها الرامي إلى فتح طريق بري نحو المتوسط وأيضا السيطرة على أهم المعابر البحرية كمضيق باب المندب. ومؤخرا تم الكشف عن علاقة إيران بجبهة البوليساريو الانفصالية في شمال أفريقيا، وإلى أي مدى تشكل هذه العلاقة خطرا على الأمنين المغربي والإقليمي، كما الأمن الأوروبي؟ فإذا تمكنت إيران من زعزعة استقرار تلك المنطقة، من خلال استهداف المغرب، فإنها ووكلاءها يمكن أن يهددوا الشحن على مضيق جبل طارق، هذا بالإضافة إلى مسعى إيران الدائم إلى نشر المذهب الشيعي في القارة الأفريقية، ما سيعني تكرار ما حدث في الشرق الأوسط في أفريقيا المثقلة بالأزمات والحروب والانقسامات إلى جانب إرهاب تنظيم القاعدة. موقف روحاني إلى جانب الأوروبيين، يعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني الطرف الآخر الأكثر تأثّرا بالقرار، حيث كان توقيع الاتفاق وإخراج إيران من عزلتها الدولية ورفع العقوبات الرهان الانتخابي الذي أوصله إلى سدة الحكم خلال انتخابات ولايته الأولى (2013)، وحتى بعد فشله في الاستفادة من الأموال التي تم رفع العقوبات عنها واستثمار الاتفاق للصالح العام الإيراني، نجح روحاني في اقتناص فرصة ولاية ثانية في انتخابات 2017. وفي وقت يرجّح فيه أن تتسبب إعادة فرض العقوبات المرتبطة بملف طهران النووي في أذى كبير للاقتصاد الإيراني، فإن حالة اللا يقين التي خلفتها نوايا الولايات المتحدة والمشاكل الداخلية المتعددة لا تصب في صالح روحاني الذي يواجه حربا ضروسا من المحافظين والحرس الثوري، فيما لا تزال الجمهورية الإسلامية التي تواجه أزمة مالية خطيرة، تنتظر تداعيات الاتفاق الاقتصادية. حاول روحاني تعزيز الشفافية والاستثمار، لكن التظاهرات التي خرجت في ديسمبر 2017 ويناير 2018، كشفت عمق الغضب تجاه التقدم المحدود الذي حققه. وكتب أستاذ الاقتصاد في جامعة فرجينيا التقنية المتخصص في الاقتصاد الإيراني في مقال لبروجيكت سنديكايت أن “معظم اللوم لأداء إيران الباهت يوجه إلى فريق روحاني الاقتصادي الذي ثبت أنه لا يجاري المشكلات الاقتصادية المتنامية”. وقال إن جهود روحاني لقيادة إيران نحو اقتصاد موائم أكثر للسوق وقادر على التفاعل مع العالم باتت تواجه خطر “التوقف تماما” ليحل محلها “اقتصاد المقاومة” الخاضع لسيطرة شديدة والمركز على الداخل الذي يفضله خصومه في التيار المحافظ. Thumbnail وأشار أمير-أصلاني إلى أن “المحافظين لا يرغبون في التفاوض على مسألة الصواريخ أو الإقرار بانخراطهم في دول أخرى في الشرق الأوسط. حتى لو بقي ترامب (في الاتفاق)، ستكون هناك أربعة شهور إضافية من المفاوضات مع الأوروبيين التي لن تقود إلى شيء”. وأضاف “التضخم يزداد وتأمين فرص العمل يتراجع. وفي نهاية المطاف، إنها كارثة اقتصادية”، إذا لم يتم التعامل الدولي معها والاهتمام بها أكثر من تفاصيل الاتفاق النووي، فإنها ستكون بمثابة قنبلة موقوتة ستنفجر في إيران وصداها سيطال المنطقة، حيث تعمل الدولة العميقة في إيران، والتي بات يسيطر عليها الحرس الثوري، على إعادة التموضع بشكل يمنع أي تغيير أو محاولة لإسقاط النظام. يقول المراقبون إن الحرس الثوري أصبح بمثابة الدولة الشاملة التي تحكم الدولة الدينية العميقة في إيران، مشيرين إلى أن توجه أنظار العالم نحو زاوية واحدة من الخطر الإيراني يعطي الفرصة لهذه “الدولة” العميقة لإعادة ترتيب صفوفها، خصوصا وأن العالم تناسى في خضم الضوضاء المثارة حول الاتفاق النووي، صحة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، وما يجري التحضير له لخلافته، بشكل قد يأتي بدولة الحرس الثوري مكان دولة الولي الفقيه، والحرس الثوري هو الذي يشرف على البرنامج النووي وعلى برنامج الصواريخ الباليستية وعلى نشاط الميليشيات الخارجية، كما على الصفقات والعقود مع شركات النفط والطاقة والأسلحة. وحقق الحرس الثوري إنجازات منذ رفع العقوبات، باستخدام شركات وضعها في الواجهة بحيث لا تربطها علاقة واضحة مع الحرس لتكون بمثابة قناة للمستثمرين العائدين إلى إيران. ومع عودة العقوبات نتيجة لانهيار الاتفاق النووي، فإن الحرس الثوري سيتخذ مكانا جيدا يجعله قادرا على تجنب هذه العقوبات. ونقلت وكالة رويترز عن دبلوماسي غربي في طهران قوله إنه “بالنظر إلى شبكة أعمالهم الواسعة والتأثير السياسي والعسكري فإن قوات الحرس الثوري ستعود إلى التهرب من العقوبات مثلما فعلت لسنوات في الماضي”.

مشاركة :