الاختناقات المرورية بحاجة إلى حل جذري

  • 5/9/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ما تقوم به وزارة الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني من معالجات لأزمة الاختناقات المرورية لا تشكل حلولا جذرية لهذه المشكلة وإنما معالجات سطحية ومسكنة لما تسببه المشكلة من آلام لمستخدمي الطرق، ذلك أن مشكلة الاختناقات المرورية في شوارع البحرين تحولت إلى عبء خانق يكتم أنفاس مستخدمي هذه الطرق، فالحلول التي لجأت إليها الوزارة ربما خففت بعض الاختناقات في نقاط معينة لكنها نقلتها، أي الاختناقات، إلى نقاط أخرى، أي كما يقول المثل «وكأنك يا بوزيد ما غزيت»، فالمشكلة الحقيقية والتي يبدو أنها في الطريق لأن تتحول إلى مشكلة مزمنة، عندها ستكون كلفة معالجتها ووضع حلول لها عالية جدا. هذه المشكلة التي يجب دراستها والتركيز عليها والبحث عن حلول لها تكمن في أن القدرة الاستيعابية للطرق المتوافرة في البحرين حتى الآن لا تتناسب تماما مع العدد الهائل من المركبات التي تجوب جميع الشوارع والطرقات بشكل يومي وهذه المشكلة تبرز بوضوح جدا خلال ساعات الذروة، أي ساعة خروج العدد الكبير من الموظفين من أعمالهم بحيث إن المشاريع الجديدة التي أنجزتها الوزارة لم تستطع استيعاب المشكلة حيث الاختناقات المرورية مستمرة بل وفي تصاعد متواصل وأصبحت تشكل عبئا ثقيلا نظرًا إلى ما تسببه من خسائر مادية وأضرار نفسية على مستخدمي الطرق. لا نشكك في الجهود والنوايا الحسنة والطيبة لأهداف المعالجات المؤقتة التي تلجأ إليها الوزارة في الوقت الحاضر إلى جانب ما تنفذه من مشاريع الطرق الاستراتيجية الكبيرة التي أنجزتها وتنجزها في الكثير من مناطق البحرين وأهمها في نقاط الاختناقات المرورية من خلال إقامة الجسور وشق الأنفاق، ورغم أن هذه المشاريع قد عالجت جزءا من المشكلة وخففت قليلا من وطأة الصداع الذي تسببه مشكلة الاختناقات المرورية لمستخدمي الطرق من أصحاب العربات، إلا أن هذه المشاريع أثبتت نتائجها أنها ليست الحلول الناجعة والاستراتيجية القادرة على امتصاص هذه المشكلة. إلى جانب عدم قدرة الشوارع والطرقات العاملة في البحرين على استيعاب الأعداد الهائلة من المركبات التي تستخدم هذه المنشآت، فإن هناك أسبابا أخرى تتسبب في حدوث المشكلة الأم، هذه المشكلة تكمن في أن البحرين تعاني من محدودية جغرافية جعلت الغالبية الساحقة من المنشآت المختلفة تتركز في نطاق دائرة جغرافية واحدة ليست كبيرة، بل ومتقاربة مع بعضها البعض، ومع التجمعات السكانية المختلفة، وما «يزيد الطين بلة»، كما يقول المثل، فإن تركز المرافق الحيوية والتجمعات السكانية في رقعة جغرافية محددة يعني تركز شبكة الطرق في هذه الدائرة، ما يجعل الضغط عليها هو الآخر كثيفا. رغم كل المشاريع التطويرية التي أنجزتها وتخطط وزارة الأشغال للقيام بها مستقبلا، فإن أزمة الاختناقات المرورية في تصاعد مستمر وبقياس دقيق لمستوى تصاعد هذه الأزمة بالمقارنة بالحلول التي اتخذت أو تلك التي يجري اتخاذها لمواجهتها، فإننا سنجد أن ارتفاع حدة هذه الأزمة يفوق تلك الحلول، الأمر الذي يضع علامة استفهام حول الجدوى الاستراتيجية لهذه الحلول وما إذا كان يفترض البحث عن حلول أكثر فاعلية وذات بعد استراتيجي لمواجهة التدفق الكثيف والمتواصل لوسائل النقل المختلفة وزيادة الاستخدام والحاجة إليها، في ظل محدودية شبكات الطرق في البحرين، من حيث سعتها وامتداداتها وعددها أيضا. جرى الحديث في السنوات الماضية عن شبكة القطارات المعلقة على غرار ما هو معمول به في بعض دول العالم، وهناك حديث جدي عن هذا التوجه، مثل هذه المشاريع يمكن لها أن تمتص جزءا من الضغط على الطرق العامة بشرط أن تكون بديلا للمواصلات العامة بحيث تلبي احتياجات أعداد كبيرة من المستخدمين، لكن علينا أن نلتفت إلى أن مثل هذه الشبكة -القطارات المعلقة- ستكون على حساب جزء من المساحات الجغرافية الخاصة أو القريبة من الطرق العامة، وبالتالي قد تخلق مشكلة أخرى، وهذا مرده إلى أن المساحات الجغرافية في البحرين محدودة جدا. هل يمكن أن تكون مثل هذه القطارات المعلقة هي الحل الاستراتيجي للاختناقات المرورية في البحرين وأن تسحب جزءا من الضغط الهائل الذي تتعرض له الطرق العامة ويتسبب في حدوث مثل هذه الاختناقات؟ في اعتقادي المتواضع أن الجواب هو: لا، دول العالم المتطورة والتي هي الأخرى تعاني من الاختناقات المرورية لجأت إلى أسفل الأرض، أي إلى قطارات الأنفاق وليس القطارات المعلقة، ففي المدن الكبيرة والمزدحمة، فإن قطارات الأنفاق تنقل يوميا ملايين الركاب، وهو عدد هائل ما كان لأي مواصلات عامة فوق الأرض أن تنقلهم يوميا وبالسرعة التي تعمل بها قطارات الأنفاق. البحرين ليست استثناء، ومثلما استطاعت العديد من الدول التصدي لأزمة المواصلات ومشكلة الاختناقات المرورية والضغط الذي تسببه وسائل النقل المختلفة على الطرق العامة، من خلال النزول بحركة الركاب والتنقل بين المدن والمناطق المختلفة إلى أسفل الأرض وأنشأت شبكة نقل متكاملة، أي مترو الأنفاق، فإن البحرين باستطاعتها أن تلجأ إلى هذا الحل المكلف ماليا، لكنه على المدى البعيد جدا سيعود بالنفع الكبير، وتجارب البلدان التي سبقتنا إلى ذلك تؤكد هذه الحقيقة، ومن يعتقد أن البحرين الصغيرة جغرافيا ليست بحاجة إلى مترو أنفاق، فهو ليس على الصواب.

مشاركة :