فيصل بن سلمان: لا تناقض بين تعـــــــــزيز الهوية واستيعاب المستجدات

  • 5/9/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يوسف الصاعدي - المدينة المنورة A A أكد صاحب السمو الملكي، الأمير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، رئيس هيئة تطوير المدينة، أن المنطقة تجاوزت الجانب النظري في أنسنة المدن، ووصلت إلى مرحلة الواقع الملموس، من خلال مشروعات ذات ملامح عمرانية واجتماعية وبيئية وثقافية تنفذها هيئة تطوير المدينة المنورة. وشدد سموه خلال افتتاح المؤتمر الدولي الأول لأنسنة المدن أمس الأول بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير المنطقة على أنه لا تناقض بين تطوير أوساط المُدن والأحياء القديمة والبناء الجديد مع المحافظة على الهوية المحلية وتعزيزها وتطويرها، ملمحًا إلى أن الهوية لا تَعني الجمود ولا الانحصار في مُفردات عُمرانية محدودة، بل تتطلب الحفاظ على ما يُمكن من موروث، والتعامل بمرونة في التكيف مع ما يُستجد من تطوير في مجالات الحياة، وقال سموه: إن التحدي يكمُن في فهم مضامين الهوية والسماح بالتطوير ضمن ثوابتها؛ بحيث تستوعب المستجدات، وتستكمل مسيرة التطور التي بدأت منذ أكثر من 1400 عام. وقال: إن لتطوير تلك المواقع بُعدًا اقتصاديًّا واجتماعيًّا يكمن في إشراك أصحاب الأملاك الصغيرة في منظومة التنمية والتطوير، وذلك باستثمارها بأشكال منفردة أو متضامنة، ويتيح ذلك فرصًا عديدة للأعمال المتوسطة والصغيرة، بما يُسهم في الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية، وخلق فرص عمل جديدة لأبناء المدينة المنورة. حفظ الهوية العمرانية وأشار الأمير فيصل بن سلمان إلى أن الرسالة المحمدية التي انطلقت من المدينة المنورة، ووضعت أُسس الحياة التي ترتكز على تقدير وتكريم الإنسان ووضعه في المنزلة الحقيقة، ونظمت التعاملات الإنسانية بين سُكانها على مرِّ العصور، وتشكلت الهوية العمرانية المتميزة التي تُجسد ملامح الارتباط الوثيق بين الإنسان ومحيطه بصورة تفاعلية. وأبان سموه أن قيادة هذه البلاد تَشرف منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيّب الله ثراه- ثم أبنائه البررة من بعده وصولًا إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- بتقديم الرعاية والاهتمام بالحرمين الشريفين. ولفت سموه إلى أن حرص الدولة، من خلال سعيها لإقامة مُدنٍ جديدة، وتتوسع في العمران في المدن القائمة بمختلف مناطق المملكة، على المحافظة على الهوية العُمرانية لكل منطقة، وبالأخص في المدينة المنورة عاصمة الإسلام الأولى. وأعرب سموه عن ثقته بأن يُشكل المؤتمر، الذي يعقد في المدينة المنورة بأبعادها التاريخية والحضارية والإنسانية، ويحظى بمشاركة أكثر من ٥٠ متخصصًا من ١٤ دولة انطلاقة فكرية جديدة، تُسهم في بناء الإنسان والمكان في العالم أجمع. ووصف سموه جلسات مؤتمر برنامج أنسنة المدينة المنورة، الذي تنظمه هيئة تطوير المدينة، بأنها ثريَّة ومتعددة الجوانب، بما يحافظ على النسيج الاجتماعي، الذي تشكل عبر الزمنّ في الأحياء والشوارع المستهدفة، ضمن مشروعات الأنسنة. ثم شاهد سمو أمير منطقة المدينة، وسمو نائبه وضيوف الحفل عرضًا مرئيًّا عن أنسنة المدن من منظور عالمي، كما كرّم سموه في نهاية الحفل الرعاة والمشاركين في جلسات المؤتمر، التي تتواصل حتى نهاية الأسبوع الجاري. أكد الأمين العام لهيئة تطوير المدينة المنورة، المهندس فهد بن محمد البليهشي أن المدينة المنوَّرة حظيت بالعناية والاهتمام منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -طيّب الله ثراه- وتحظى المدينة اليوم باهتمامٍ خاصٍّ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- وامتدَّ ذلك الاهتمامُ إلى سموِّ الأميرِ فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، الذي جعل الأنْسَنَةَ رُوحَ برامجِ تطوير المدينة المنوَّرة، مؤمنًا بالآثارِ الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ والفكريَّةِ المرجوَّة من البرنامج. وأضاف البليهشي: جاءت فكرةُ عقدِ هذا المؤتمر، الذي حَظِيَ بموافقةِ سيدي خادم الحرمين الشريفين كبادرةٍ من سموِّ الأمير فيصل بن سلمانَ، للتعرُّفِ على ما في العالم الأوسع من مجالاتٍ ومستجدَّات في مجال أَنْسَنَةِ المُدُن، وليضعَ أمام العالم ما تمَّ من مشروعاتٍ في أنسنة المدينة المنوَّرة، لافتًا إلى أن المؤتمر الذي ينعقد في المدينة المنورة جاء تزامنًا مع الإعلان عن برنامج جودة الحياة، كأحد برامج رؤية المملكة 2030. تحدث مدير شبكة أبحاث مستقبل الأماكن العامة باستكهولم، المدير التنفيذي لمؤسسة سوستايسس الدكتور مايكل ميهافي عن تجربة هيئة تطوير المدينة المنورة، قائلًا: يمكننا بالتأكيد أن نرى هنا أمثلة عليها في التراث الرائع للمدينة المنورة، وفي المملكة العربية السعودية على نطاق أوسع، هذه المباني والأماكن هي خزينة حية من الأنماط الناجحة، ونوع من «الحمض النووي للمكان»، ومن هذه الدروس، ومن دروس أخرى، يجب أن نتعلم إعادة إحياء مدن وبلدات أفضل وأكثر إنصافًا، تتسم بالثبات والجمال، تمامًا مثل الإنسان، مشيرًا إلى أن الروحانية التي تتمتع بها المدينة المنورة تدعم الجهود الرائعة المبذولة في مجالات الأنسنة. وقال: إننا نعيش في وقت استثنائي، يعد بالتأكيد واحدًا من التحديات غير المسبوقة. فعلومنا وتقنياتنا ومنحنا الدراسية تجسد الثروات المتراكمة، خلال قرون التقدم البشري، ومع ذلك فإن وقتنا هذا له قصوره أيضًا ومخاطره والتزاماته. فنحن حتمًا نواجه ببطء تحديًا كبيرًا وهو التحول عن النموذج الصناعي القديم للتنمية، نحو نموذج أكثر ديمومة للتنمية البشرية والثقافات البشرية ورفاهية الإنسان. في هذه اللحظة، نحن جميعًا نجاهد لفهم مسؤولياتنا الفردية والجماعية، والتصرف بناءً على هذا المفهوم. وأضاف: يبدو أن المدن، وأيضًا البلدات والضواحي الصغيرة، ستلعب دورًا محوريًّا في المدن والبلدات التي نعيش فيها، نحن الآن نسعى أكثر فأكثر خلف الفرص؛ حيث ننشدها ونخلقها، ونستهلك الموارد، ومن ثم فإننا نلحق الضرر بالبيئة الطبيعية التي نعتمد عليها جميعًا. وأشار ميهافي خلال حديثه عن الاستدامة والاستمرارية، التي هي هدف أساسي للعديد من الاتفاقات الدولية التاريخية، بما فيها أهداف التنمية المستدامة، واتفاق باريس للمناخ والخطة الحضرية الجديدة- إلى أنه يجب علينا أيضًا أن نسأل ما الذي نريد أن نستديمه؟ ومن المؤكد أن مجرد استخدام «أدوات الاستدامة» الجديدة في بعض الدول لن يكون كافيًا، وتابع: تمنحنا العلوم تقديرًا وإكبارًا جديدين لدروس الاستدامة المتجسدة في أماكن التاريخ البشري، التي استدامت عبر الزمان. أكد مشاركون في الجلسة الأولى للمؤتمر بقاعة المؤتمرات بجامعة طيبة أهمية الشراكات المجتمعية؛ لدعم مبادرات وبرامج أنسنة المدن، وتوظيف التقنية والتكنولوجيا الحديثة؛ لتكون عاملًا مساعدًا لخدمة الإنسان، بدلًا من أن تكون عاملًا رئيسًا وهدفًا إستراتيجيًّا في هذا الزمن. واستهلت الجلسة التي شهدت حضور صاحب السمو الملكي، الأمير سعود بن خالد الفيصل نائب أمير منطقة المدينة المنورة، وعدد من أصحاب المعالي والمسؤولين، بعرض قدمه وكيل وزارة الاقتصاد والتخطيط، المهندس حمد الوهيبي، أوضح خلاله أن رؤية المملكة ٢٠٣٠ تخدم أنسنة المدن السعودية، وتعمل على الارتقاء بجودة الخدمات، وتحسين البيئة الاجتماعية، وتعزيز الأنشطة الرياضية. وقال المهندس الوهيبي، خلال الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور ثامر المطيري، مساعد الأمين العام لمركز الإدارة المحلية: إن وزير الاقتصاد والتخطيط كلف وكلاء الوزراء بالمشاركة في عضويات مجالس المناطق؛ لإيصال صوت المناطق، ومواءمة الخطط بين الجهات ذات العلاقة في الرؤية؛ لكون مناطق ومدن المملكة هي موقع تنفيذ خطط وبرامج رؤية المملكة 2030. أعلن المهندس محمد بن عبدالهادي العمري أمين المدينة المنورة، خلال الجلسة الثالثة التي أدارها الدكتور صالح الهذلول، الرئيس التنفيذي لشركة الهذلول للتطوير، والأستاذ في جامعة الملك سعود وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية الأسبق، أنه تم اعتماد مليار و١٠٠ مليون ريال لإنشاء وتطوير ١٢ مشروعًا للتقاطعات والطرق الدائرية المحورية، ومليار و٣٠٠ مليون ريال لمشروعات تصريف مياه الأمطار ودرء السيول. وأوضح خلال الجلسة التي استعراض فيها أمناء مناطق المملكة للتجربة السعودية في مجال أنسنة المدن، وأبرز المشروعات والخدمات المقدمة، أن مشروعات الأمانة تسعى إلى تأكيد الهوية العمرانية بالطرق والمحاور الرئيسة والمناطق ذات الطبيعة المتميزة، مع وضع الضوابط والمعايير الخاصة بالمدينة المنورة، وتطبيقها على المباني الجديدة لهذه الأماكن، ومعالجة القائم بما يتفق والهوية العمرانية للمدينة المنورة. والعمل على مشروع معالجة العشوائيات التي تعاني منها التجمعات العمرانية في المنطقة، وتحسين المشهد الحضري. مشيرًا إلى البدء في صيانة 75 بالمئة من شوارع الأحياء السكنية، من سفلتة وإنارة وأرصفة. وكشف وكيل أمانة المنطقة الشرقية، المهندس صالح الملحم عن إعداد الأمانة لمشروع خاص بالنقل بحاضرة الدمام ومحافظة القطيف، يتضمن ٤ مسارات للقطار والباصات السريعة بطول ١٦٠ كم، مضيفًا: إن المنطقة الشرقية تتمتع بـ١٢.٥ مليون م2 مساحات خضراء بالشرقية، و٦٣٤ حديقة وساحة بلدية، و١٠ ملايين زهرة. فيما تحدّث أمين منطقة القصيم المهندس محمد الدوسري خلال الجلسة عن خطط الأمانة في إطار مشروعات أنسنة مدن ومحافظات المنطقة، موضحًا بأن الخدمات والمشروعات الماضية خدمت ما يستخدمه الإنسان ولم تخدم الإنسان بشكل مباشر؛ ما أثر على أنسنة المدن، لافتًا إلى خطة تعمل عليها الأمانة لمعالجة التشوهات البصرية، وتسوير الأراضي البيضاء ومضاعفة المساحات الخضراء. واختتمت الجلسة بحديث أمين منطقة الباحة الدكتور علي السواط الذي أشاد بجهود هيئة تطوير المدينة المنورة؛ حيث إنها رائدة في مبادرات أنسنة المدن، مضيفًا: إن مدن المملكة تعاني من إهمال التصميم الحضاري، كما أن القطاع البلدي ركز على البنى التحتية ولم يولِ اهتمامًا بالإنسان، حتى أصبحت المدن عبارة عن كتل خرسانية، مؤكدًا على الحاجة الملحة لإيجاد فضاءات عمرانية تخدم الإنسان.

مشاركة :