تونس - قدمت مؤسسة دراسات تابعة لرئاسة الجمهورية التونسية دراسة ميدانية جديدة حول المقاتلين السابقين ضمن التنظيمات المتشددة في مناطق القتال والقابعين حاليا في السجون التونسية، وتحاول تونس من خلال هذه الدراسة تقديم مقاربات شاملة لفهم ظاهرة التطرف والتصدي لخطر الإرهاب. كشفت دراسة جديدة تطرقت إلى ملف العائدين من مناطق القتال في السجون التونسية أن المقاتلين السابقين في صفوف التنظيمات المتطرفة يعتبرون سجنهم “مرحلة من مراحل الجهاد”، وهو ما تتخوف منه السلطات التونسية التي تعتبر أن هؤلاء يشكلون خطرا على أمن البلاد. وأنجز الدراسة المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية التونسية، ويهدف من خلال هذه الدراسة إلى فهم أسباب استقطاب الشباب التونسي من قبل الجماعات المتشددة في سوريا والعراق وليبيا من أجل وضع الحلول المناسبة لمحاربة الإرهاب. وتم إعداد الدراسة بين نوفمبر 2016 ويناير 2018، وهي محاولة لفهم السياقات العملية التي ساهمت في ظهور آفة الإرهاب. وتعد الدراسة عملا ميدانيا شارك في إنجازه باحثون في علم النفس وعلم الاجتماع وخبراء في مجال الأمن. ووصفت آمنة بن عرب -رئيسة فريق البحث الذي أعد الدراسة- المعطيات التي تحصل عليها أعضاء فريق البحث بـ”الصادمة”. وأشارت إلى أن المعلومات تطرح العديد من التحديات، مبينة أن أكبر تحدّ تواجهه تونس هو عودة التونسيين الذين قاتلوا في صفوف التنظيمات المسلحة والمتشددة في مناطق التوتر. ناجي جلول: سنقدم دراسة أخرى قريبا حول كيفية التعاطي مع العائدين من بؤر التوتر ناجي جلول: سنقدم دراسة أخرى قريبا حول كيفية التعاطي مع العائدين من بؤر التوتر وفي إطار الدراسة تم إجراء 30 مقابلة مع أطراف رئيسية أو فاعلة تقوم على شؤون المساجين، ومن بينها كوادر أمنية ومسيرو سجون وأخصائيون نفسيون ومختصون في علم الاجتماع. كما أجرى الباحثون محادثات مع 82 شخصا مسجونا بتهمة الإرهاب، من بينها محادثات جماعية، وتم البت نهائيا في قضاياهم. وقالت بن عرب إن المساجين الذين التقاهم الباحثون غادروا البلاد إلى بؤر التوتر أو عبّروا عن رغبتهم في المغادرة. وأكدت الدراسة أن أكثر من 44 بالمئة من المقاتلين التونسيين الذين عادوا من مناطق القتال أو حاولوا الالتحاق بالجماعات المتشددة خارج البلاد تتراوح أعمارهم بين 25 و29 سنة. وبحسب الدراسة أكثر من 74 بالمئة من هؤلاء ليسوا متزوجين، معتبرة أن عامل الاستقرار العائلي من بين أبرز العوامل التي تتدخل في قرار السفر إلى بؤر القتال. وذكرت الدراسة أن من أسباب الالتحاق بمناطق القتال انتفاء المسؤولية العائلية وإمكانية الحصول على زوجة بطريقة سهلة ودون تعقيدات القانون التونسي والعادات. ووفق الدراسة حوالي 88 بالمئة من المحكومين في قضايا إرهابية من “أنصاف المتعلمين”، إذ انقطع أكثر من 43 بالمئة عن الدراسة بصفة مبكرة. وشدد العميد وليد حكيمة الناطق الرسمي باسم الأمن الوطني في تونس، لـ”العرب”، على أهمية الدراسة باعتبار أنها تتعرض للعديد من الجوانب في التعاطي مع الإرهاب ومع العائدين من بؤر التوتر. وقال “عندما نتحدث عن الإرهاب وعن العائدين المقاربة الأمنية ضرورية في التعامل مع الظاهرة لكنها لا تكفي”، موضحا أن الصورة تكون أشمل وأوضح عندما ترفق بالمقاربات السجنية والاجتماعية والاقتصادية والعائلية والنفسية. وأفاد بأنه “عندما تتضح لنا الصورة تكون محاربة الإرهاب على الميدان أنجع وتعطي نتائج أفضل، هذه الدراسة قيمة وتمكّن من نتائج أفضل على الميدان بخصوص مكافحة هذه الظاهرة”. وأفادت الدراسة حول العائدين من بؤر التوتر في السجون التونسية أن من خصائص هذه الفئة السعي الدائم لإبراز الاختلاف عن بقية السجناء. وأوضحت بن عرب أن الهدف من هذا الأمر هو “التفرد على بقية السجناء بإضفاء نوع من القداسة على وضعيتهم في محاولة للتعبير عن رفضهم لتصنيفهم مجرمين”. وأكدت بن عرب أن العائدين من بؤر القتال والقابعين في السجون التونسية يحذرون من رموز السلطة ولا يمتثلون للضوابط السجنية، إلى جانب استعمالهم العنف ضد السجناء الآخرين، موضحة أن سبب ذلك يكمن في “أنهم ينصبون أنفسهم أوصياء على الأخلاق”. وتفيد الدراسة الجديدة بأن هناك علاقة واضحة بين العنف الذي يلجأ إليه العائدون من بؤر التوتر وبين العنف في الأوساط التي نشؤوا فيها. وتؤكد وجود اضطرابات نفسية لديهم، من مظاهرها اضطراب النوم. وليد حكيمة: المقاربة الأمنية تحتاج إلى مقاربات أخرى لتحقيق نتائج إيجابية ضد الإرهاب وليد حكيمة: المقاربة الأمنية تحتاج إلى مقاربات أخرى لتحقيق نتائج إيجابية ضد الإرهاب ويؤكد فريق البحث أن العائدين من مناطق القتال ليس لديهم إحساس بالانتماء إلى الوطن، بالإضافة إلى وجود علاقة نفعية تجاهه. وتقول بن عرب “دائما يتساءل هؤلاء ماذا قدمت لنا تونس لكنهم بالمقابل لا يسألون ماذا قدمنا لها نحن”. وكشفت بن عرب أنه “على عكس مساجين الحق العام فإن مساجين الإرهاب لهم زيارات منتظمة من قبل أفراد عائلاتهم رغم ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة والتزاماتهم”. وتشدد بن عرب على أن الخطر الأكبر الذي يشكله العائدون من بؤر القتال إلى تونس يتمثل في اكتسابهم لخبرات وقدرات قتالية عالية، إلى جانب بروز قيادات متطرفة جديدة وكذلك اجتماع تفاعلهم المتوقع مع الخلايا الإرهابية النائمة. وتقول بن عرب إن هذه الدراسة تتناول ملف العائدين من مناطق القتال وتشخص الظاهرة بهدف تجنب تكرار أخطاء الماضي. كما تثبت أن من تم استجوابهم هم من بين أولى الدفعات التي غادرت البلاد للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة في البلدان التي تعيش توترات خلال السنوات الأولى بعد ثورة 2011، إذ ترى بن عرب أن هذا المعطى يبين أن “أحد أسباب الظاهرة هو العفو التشريعي العشوائي”. وكشف ناجي جلول -المدير العام للمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية- لـ”العرب” أن المعهد يستعد لتقديم دراسة أخرى خلال الأسبوعين القادمين على أقصى تقدير حول كيفية التعاطي مع العائدين من بؤر التوتر. وأوضح أن “الدراسة حول العائدين تمكن فهم من هو الإرهابي الموجود في السجن وهو ما يسهل معرفة الإرهابيين غير المسجونين”. وكان من المقرر أن يتم تقديم الدراسة حول العائدين من بؤر القتال في السجون التونسية منذ شهر لكن تم تأجيل الموعد إلى الشهر الحالي. وقال جلول “في الفترة السابقة عندما أردنا تقديم الدراسة تزامن الظرف مع تصنيف تونس ضمن قوائم سوداء للاتحاد الأوروبي وكانت أيضا فترة الحجوزات في الفنادق التونسية ولذلك لم نرد التشويش على الموسم السياحي”. وتابع “بعد أن انتهت تلك الزوبعة ليس لدينا ما نخفيه، اليوم قدمنا ملخصا للدراسة لكن في الفترة القادمة سنقدم الدراسة كاملة لوسائل الإعلام بكل ما فيها من معطيات إيجابية وسلبية”. وأكد “نحن نرى المشكلات وندرسها ونشخصها ونقدم الحلول لها، هذا دورنا”.
مشاركة :