أبوظبي - الطيور المهاجرة في رحلاتها واستقرارها الموسمي في بعض الموائل خدمات هامة جدا للنظام الإيكولوجي للبشرية، وحمايتها ينبغي ألاّ تكون لأسباب جمالية أو ترفيهية فقط، وإنما لأنها جزء من النظام البيئي، ونحن البشر نرتبط أيضا بصحة الطيور والأنواع البيئية الأخرى، لذلك يحتاج العالم إلى المزيد من التوعية بحماية الطيور من الصيد الجائر لتحمي البشرية مستقبلها. يحيي العالم اليوم العالمي للطيور المهاجرة، الذي يصادف العاشر من مايو من كل عام، كمناسبة لنشر الوعي بأهمية الحفاظ على التنوع البيئي ودعم جهود الحملة العالمية المتعلقة بدعوتها إلى ضرورة المحافظة على الطيور المهاجرة والتحذير من التهديدات التي تواجهها في طرقها ومساراتها وإظهار أهميتها البيئية والحاجة إلى التعاون الدولي للحفاظ عليها. وتشارك الإمارات كل عام باقي دول العالم في الاحتفال بـ”اليوم العالمي للطيور المهاجرة”، لتؤكد مدى تميّزها ودورها البارز في مجال حماية التنوع البيولوجي بشكل عام. والاحتفال هو عبارة عن حملة سنوية ترعاها اتفاقيتان دوليتان أساسيتان بشأن الأحياء البرية، هما اتفاقية حفظ أنواع الحيوانات البرية المهاجرة والاتفاق المتعلق بحفظ الطيور المائية الأفريقية – الأوروبية – الآسيوية المهاجرة، الذي بدأ عام 2006 كحملة توعية سنوية لتعزيز التواصل العالمي، وأداة فعالة للمساعدة في رفع الوعي العالمي إزاء التهديدات التي تواجه الطيور المهاجرة، إضافة إلى علاقتها بصحة البيئة في العالم. وتسعى دولة الإمارات إلى توفير السبل لحماية الطيور المهاجرة بشكل خاص، إذ تعتبر الإمارات من المسارات المهمّة لهجرة الطيور وتكاثرها، حيث يبلغ عدد أنواع الطيور التي تم رصدها في الدولة حوالي 443 نوعا، منها حوالي 240 تستوطن و135 نوعا تمّ تسجيل تواجدها مرات قليلة. ومن ضمن هذه الطيور، طيور الغاق السوقطري، والنورس الأسخم، والخرشنة بيضاء الخد، والقطا المتوج، والقنبرة السوداء، والعصفور أصفر العنق، إضافة إلى الطيور الخواضة، والطيور الجارحة، مثل العقاب النسارية والشاهين والعصافير الصغيرة، إضافة إلى أنواع من اللقلقيات، كالواق، ومالك الحزين، والنحام “الفلامنغو” التي تتواجد في المناطق الساحلية والمستنقعات في الدولة، إضافة إلى أنواع مختلفة من البط مثل الشرشير والخضاري وغيرهما. ومستقبل الطيور المهاجرة مهمّ، ليس فقط للحياة البرية بل للمجتمع أيضا، حيث أنه يمكن أن يوثر بشدة في السياحة والصحة والزراعة والموارد الأخرى التي تدعم سبل العيش والرفاهية للبشرية، فالطيور والإنسان يتشاركان الحياة على الكوكب ذاته إضافة إلى الحيوانات الأخرى بأنواعها وكل الأنواع البيئية الأخرى. والطيور هي أحد المؤشرات على الصحة البيئية وتوازنها وهي ثاني أكثر الكائنات انتشارا بعد الأسماك، إذ أن تعدادها يفوق المليار طائر حول العالم وتتنوع ما بين الطيور البرية والطيور المائية وهي تمارس الهجرة الموسمية لعدد من الأسباب منها تساقط الثلوج في الشتاء، الأمر الذي يغطي الغذاء الذي تتناوله فتهاجر جنوبا بحثا عن مصادر غذائية جديدة أو بهدف التكاثر. وتعدّ الإمارات ملجأ لمئات الأنواع من الطيور المهاجرة، البرية والبحرية، التي تفد إلى الدولة سنويا، مستفيدة في ذلك من دفء المناخ، وتوفر الغذاء على طول مسار الهجرة أو في أماكن الراحة والتكاثر؛ إذ تضم دولة الإمارات مجموعة هامة من الجزر والمناطق المحمية التي تمثل موائل هامة للطيور المهاجرة ومنها ما تمّ تسجيلها ضمن القائمة الدولية للأراضي الرطبة ذات الأهمية العالمية التابعة لاتفاقية “رامسار” كمحميتي الوثبة وبوالسياييف في أبوظبي ومحمية رأس الخور في دبي، إلى جانب محميتي أشجار القرم والحفية وجزيرة صير بونعير في الشارقة. وتمّ إنشاء هذه المحميات في إطار تخفيف الضغوط التي تتعرض لها الطيور المهاجرة وتوفير أقصى درجات الحماية في سبيل المحافظة على التنوع البيولوجي في الدولة وتعزيز الاستدامة البيئية بما ينسجم مع أهداف الخطة الاستراتيجية العالمية للطيور المهاجرة 2015-2023 وتحقيقا لرؤية الإمارات 2021. وتتواجد الطيور في الإمارات في فترات مختلفة من السنة أهمها فصل الشتاء وفصل الربيع والخريف، وبنسبة قليلة في فصل الصيف. وتشمل مسارات هجرة الطيور من مناطق أوروبا إلى شمال آسيا وجبال الهملايا وبعضها الآخر من شمال أفريقيا إلى جنوب وجنوب شرق آسيا. وتستعمل هذه الحيوانات المهاجرة أكثر من بوصلة في تحديد اتجاهاتها أثناء الهجرة، فيهتدي البعض منها بالشمس نهارا والنجوم ليلا، فيما يعتقد الكثير من علماء الأحياء أنها تستعمل المجال المغناطيسي للأرض في تحديد مسارها في الأيام والليالي الملبّدة بالغيوم. وأثبتت التجارب التي أجريت على العصافير الدورية والحمام الزاجل وقصاص الماء، وجود الملاحة لدى الحيوانات المهاجرة، حيث اصطاد العلماء تلك الطيور من مواقع معينة وأخذوها إلى مناطق أخرى تبعد الآلاف من الكيلومترات عن أماكنها الطبيعية، فتمكنت أغلبيتها من العودة إلى الأماكن نفسها، التي اصطادها العلماء منها. وتعد الهجرة رحلة محفوفة بالمخاطر وتعرض الطيور لمجموعة واسعة من التهديدات، غالبا بسبب الأنشطة البشرية. وبما أن الطيور المهاجرة تعتمد على مجموعة من المواقع طوال رحلتها على طول طريقها، فإن فقدان هذه المواقع يمكن أن يكون له تأثير كبير على فرص بقائها. وتحرص الإمارات على حماية الطيور المهاجرة، التي تعتبر جزءا أساسيا من الجهود الدولية الرامية إلى المحافظة على التنوع البيولوجي حول العالم والتزامها بالعمل إلى جانب المجتمع الدولي لمواجهة الضغوط الطبيعية والبشرية على الحياة الفطرية. وتعمل وزارة التغيّر المناخي والبيئة على المحافظة على التنوع البيولوجي من خلال سن التشريعات والقوانين بما في ذلك تشديد العقوبات على الصيد الجائر للطيور والحيوانات البرية والبحرية ومكافحة الاتجار غير المشروع بأنواعها. كما تشجع السلطات المختصة بالدولة على إعلان المزيد من المناطق المحمية التي تشكل ملجأ آمنا للتعشيش والتكاثر. ولحماية الطيور المهاجرة من الخطر تعاهدت دول العالم من خلال مواثيق ومعاهدات على حماية المهددة منها بالانقراض، ومنع الصيد، ومعالجة من يتعرض منها إلى أذى أو إصابات، وتربيتها في محميات طبيعية لها الموائل نفسها، إلى حين قرارها بالهجرة إلى موطنها الأصلي، إن أرادت.
مشاركة :