أكد عدد من المشاركين بالمؤتمر الدولي الأول لأنسنة المدن، الذي تُنظمه هيئة تطوير المدينة المنورة، أهمية تضافر الجهود المبذولة لأنسنة المدن، وكذلك أهمية توعية أفراد المجتمع بذلك.وقال المشاركون خلال ندوة نظمتها وكالة الأنباء السعودية "واس"، على هامش أعمال المؤتمر بعنوان "أنسنة المدن وأثرها الاجتماعي" أن أنسنة المدن من شأنها الإسهام في تغيير سلوكيات الحياة إيجابياً وخلق مجتمعات متصالحة.و عرف مساعد الأمين العام لمركز الإدارة المحلية الدكتور ثامر المطيري، في بداية الندوة مفهوم "أنسنة المدن"، بالقول أن الأنسنة تأتي من جانبين، جانب الإنسان وجانب المكان ، وأن الوضع الاجتماعي أصبح الآن في العصر الحديث ليس خياراً وإنما أمراً لازماً استراتيجياً، للسكان وللمجتمع بوجه عام، وأن يكون هناك مدن تتمتع إلى جانب الأمن وإلأستقرار بأن تكون قابلة للعيش يستمع فيها الناس بالأماكن التي يعيشون فيها سواءً بالحي أو القرية أو الهجرة أو المدينة بشكل عام .وأضاف الدكتور المطيري أن الأنسنة تُعني كذلك بالبُنية، فهناك مواصفات للمباني والممتلكات يجب أن تكون عليها، وكذلك مواصفات للطرقات ومؤشرات هندسية لا بد أن تكون موجودة، والإنسان لا بد أن يكون متفاعلاً بشكل حضاري مع هذه المكتسبات والمنجزات في المدينة، مُفيداً أنه لا بد أن يكون الإنسان يعيش براحة وطمأنينة في مدينته أو في حيّه أو في منزله ويتصالح مع كافة العناصر المحيطة بهذه البيئة من بنيان وعمران وكيان وسيارات وطرقات إلى آخره.بدوره أوضح أمين هيئة تطوير المدينة المنورة المهندس فهد البليهشي، أن المؤتمر خطوة مهمة ومؤثرة في وضع خارطة طريق شاملة ومتكاملة لأنسنة المدن السعودية بشكل يتواءم مع رؤية المملكة 2030م، وأنه بمثابة منتدى دولي مفتوح لمناقشة كيفية تطوير المدن كي تصبح أكثر إنسانية وتكون أكثر ملائمة واستيعاباً لحاجات وتطلعات جميع ساكنيها، مُشيراً إلى أن المؤتمر وبشكل عام يهدف لأن يكون الخطوة الأولى في خارطة طريق أنسنة المدن السعودية بشكل يتماشى مع الرؤية .وحول أنسنة المدينة قال المهندس البليهشي أن طيبة الطيبة منطقة الهدوء ومركز السلام تحتضن مواقع أثرية وتاريخية وعدة مواقع للغزوات التاريخية الصامدة، كما تزدهر بتراثها الثقافي ومتاحفها ومزارع النخيل الواسعة والأسواق الشعبية القديمة التي جعلت منها مدينة مستهدفة سياحياً من خلال التمتع بأجمل الأجواء ومشاهدة المواقع التاريخية والتراثية المذهلة.وبين المهندس البليهشي أن المدينة المنورة تحظى باهتمام خاصٍّ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - وامتدَّ ذلك الاهتمامُ إلى صاحب السموِ الملكي الأمير فيصل بنِ سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة المدينة المنورة، الذي جعل الأنْسَنَةَ رُوحَ برامجِ تطوير المدينة المنوَّرة مؤمناً بالآثارِ الاجتماعية والاقتصادية.من جهته قال أستاذ التصميم والتقنية والإدارة بجامعة هارفارد الدكتور سبيروبولايس، أن الأشخاص الذين يسكنون المدن يعملون ويلعبون ويذهبون للمساجد هم سعداء، مُبيناً أن المملكة العربية السعودية قريبة جداً من تحقيق هذا المشروع الذي يتطلب الكثير من الجهود، ومؤكداً أن المؤتمر ناقش العديد من الجوانب المهمة والمفيدة.كما تحدث عضو مجلس الشورى الدكتور خالد الدغيثر، خلال الندوة عن الأثر الاجتماعي لأنسنة المدن على الأحياء والمدن، مبيناً أن الإنسان كتب عليه أن يعيش مع المتغيرات على اختلاف تصنيفاتها سواءً المتغيرات المناخية أو استخدام السيارة التي تسببت في تعقيد بعض احتياجات الإنسان فلم تصبح تلك الاحتياجات بسيطة كما كان في السابق، حيث أن المدن والقرى تعاني من تدخل السيارة بالدرجة الأولى وعدم القدرة على التكيف مع البيئة وأحياناً العبث بالبيئة، وكل هذه مؤثرات خدشت احتياجات الأنسنة، وجعلت مثل مؤتمر "أنسنة المدن" ذا أهمية بالغة جداً خاصة في المملكة ، باعتبار أن الأنسنة في أحياءنا ومدننا وشوارعنا قد تختلف عن أي مدينة أخرى ونحتاج إلى جهد كبير للفصل بين حركة الإنسان وحركة السيارات لنعطيه الأمان في الحركة في داخل الحي وفي داخل المدينة، وفي التنقل في مرافق الحي وفي مرافق المدينة المختلفة، وكذلك نكيف المدينة ونكيف الحي مع متطلبات الطبيعة، ففي مدن حارة كمدن المملكة العربية السعودية يجب أن يكون هناك اهتمام كبير بالشجرة والمساحات الخضراء ليس لغرض الزينة فقط، ولكن لتأدية دور بيئي لكي يتكيف الإنسان في هذه المناطق مع طبيعة المدينة.ولفت الدكتور الدغيثر أن التلوث الذي يحصل في المدن لما كان يحصل في السابق من رمي مخلفات وغيرها، فكل هذه المتغيرات البيئية والميكانيكية أثرت على حياة الإنسان مع غياب الكثير من المتطلبات أصبحت المشكلة أكثر وضوحاً وأكثر تعقيداً، فالأمل أن يخرج المؤتمر بتوصيات لحل كثير من الإشكالات التي تعاني منها أحياؤنا ومدننا ويفصل بين حركة الإنسان وحركة السيارة، والتكيف مع البيئة لكي تكون أحياؤنا ومدننا أكثر إنسانية بمشيئة الله.وشدّد الدغيثر على أن دور مجلس الشورى الرقابي معنيّ بأداء جميع أجهزة الحكومة، ومنها أداء البلديات، مبيناً أن تقارير الجهات الحكومية ومنها البلدية تصل إلى مجلس الشورى وتدرس وتزود بالتوصيات التي من شأنها أن تحقق أغراض الأنسنة وأغراض أخرى يحتاج لها الشأن البلدي.من جانبه أشار مستشار وكالة وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المدن الدكتور إبراهيم محمد البطحي، إلى أهمية وعيّ المجتمع للقضاء على أي مشكلة وعلاجها، مؤكداً على دور وسائل الإعلام في نشر الوعي بقضية الأنسنة، وأن أحد الأساليب لزيادة وعيّ المجتمع بالأنسنة تكمن في المشاركة في محافل ومؤتمرات وورش عمل تعقد لهذا الموضوع من مختلف فئات المجتمع لتكون خطوة أولى لنشر ثقافة الأنسنة بشكل عام، ولتكون طريقاً لأنسنة أنفسنا وأنسنة بيئتنا لتكون مناسبة لنا وكما نرغب أن تكون عليه بشكل عام.وبيّن أن من ضمن الأهداف المعنية بها وزارة الشؤون البلدية والقروية تحسين المشهد الحضري ومن ضمن المبادرات الأساسية أنسنة المدن، ومعالجة التشوه البصري، فمن خلال هذه المبادرات نستهدف إشراك المجتمع المحلي في كل مدينة بهدف التأكد مما نعمل أن يكون وفقاً للمطلوب والمرغوب من المجتمع المدني، وصولاً إلى نشر الثقافة بشكل أوسع وأكبر، ومن ذلك أننا بدأنا معالجة بعض مظاهر التشوّه البصري الموجودة في المدن وقد حددنا حوالي 15 عنصر أساسي ومن أبرزها مخلفات البناء، وكذلك الكتابة على الجدران، واللوحات الجدارية الدعائية التي توضع بشكل عشوائي في الطرق والشوارع، وقد بدأنا بحملة قوية جداً بهذا الشأن، منوهاً بالاهتمام الحكومي في تنفيذ هذه المتطلبات.ولفت الدكتور البطحي إلى وجود خطة زمنية لها مستهدفات تبدأ بعملية التنظيف التي تتواصل على مدى ستة أشهر مقبلة، تليها مرحلة تحسين البيئة العمرانية بما يجعلها بشكل أفضل بكثير مما هو عليه تحقيقاً لهدفنا بتحقيق المشهد الحضري وزيادة رضا سكان المدن سواءً كانوا في أحياءهم أو في المحاور الرئيسية أو في المناطق الرئيسية في المدن ليكون رضا الإنسان في المكان الذي يعيش فيه عالٍ بإذن الله.وحول إيجاد وسائل لقياس مؤشرات رضا المجتمع عن مشروعات أنسنة المدن والتحولات المصاحبة لها، أفاد أن وزارة الشؤون البلدية والقروية بدأت مع مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني إجراءات لقياس الرضا عن بعض العناصر والمؤشرات بشكل ربع سنوي لمعرفة مدى تقدمنا وأداءنا في تحسين البيئة العمرانية، ونحن نسير وفق ما خططنا له، وقد بدأنا بحملة في هذا الشأن تشمل أيضاً إزالة مظلات السيارات التي تشوّه المظهر العام، وتوضع بشكل عشوائي أمام البنايات في مساحة عامة خارج ملك الشخص، وكذلك إزالة بعض الكتابات الموجودة على الجدران والتي تسمى "الرسم الجرافيتي" ووجدنا بدائل بجذب فنانين لتجميل الأسوار والجدران في المساحات، بحيث يستخدمون الفنون والرسومات الجميلة، إضافةً إلى إشراك المجتمع المحلي في الأحياء العشوائية لتحسين المشهد العام في تلك الأحياء لتكون بصورة جمالية أفضل ولنشر الوعي ليحافظون على هذه الأعمال التي تحسّن المظهر البصري للمدن والأحياء بشكل عام.بدوره أوضح عضو هيئة التدريس في كلية العمارة بجامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل الدكتور مشاري عبدالله النعيم، أن التحدي الأكبر الذي يواجه الجهات الحكومية في إيجاد مدن "مؤنسنه" هو غياب السياسات بالدرجة الأولى، والموضوع ليس موضوعاً مالياً، بل بناء سياسات وتشريعات وإيجاد جهات رقابية تملك السلطة على تنفيذ مشاريع الأنسنة والرقابة العامة على السلوك العام "الأخلاق الحضارية"، فهي جانب مهم جداً في أنسنة المدن وهذا أمر مفقود بشكل كامل على الشكل التشريعي والتنفيذي والرقابي.وأكد النعيم أن الوعي العام مهم جداً لأي مجتمع، فلا تستطيع صناعة مدينة مؤنسنه دون إنسان واعي بقيمة المكان ويمتاز بالمسؤولية الاجتماعية، فلا نستطيع توجيه كل اللوم على البلديات لتحويل المدينة إلى مدينة مؤنسنة مشيرا إلى أن الجوانب المادية ليست عائقاً أمام أنسنة المدن حتى لو تباطأت أو تأخرت بعض المشاريع، لكنها لا يمكن أن تبطئ تنمية الإنسان نفسه معرفياً وعلمياً وأخلاقياً وقيمياً وسلوكياً.من جانبه عرّف المدير المؤسس لمركز دراسات البيئة العمرانية بالأردن الدكتور محمد الأسد، مفهوم الأنسنة بأنها المدينة التي تحتضن الجميع ، كما تعني المحافظة على ذاكرة وهوية المكان.وقال أن المدن بالدول العربية تحتاج وبشدة للأنسنة، وأن غالبية عناصر الأنسنة في العديد من البلدان العربية إما مفقودة أو ضعيفة، مؤكداً أن المدن الذكية تُعتبر خطوة من خطوات أنسنة المدن.
مشاركة :