عندما تشغل دماغك بكتابة مذكراتك، تخلّف تاريخاً مسجلاً لذريتك، فضلاً عن أنك تسهم في تحسين لياقتك المعرفية. مع التقدم في السن، نشعر بأننا أقل قدرة على مماشاة المحيطين بنا. نتيجة لذلك، نميل إلى العزلة. ولا شك في أنها تزيد خطر الكآبة. ولكن ثمة فكرة تساعدك في البقاء ضمن اللعبة، فضلاً عن أنها تتيح لعائلتك فهم تاريخها بشكل أفضل. الحل بسيط: اكتب قصة حياتك. تذكر برندان كيرني، مدربة في برنامج «حياة المسن» التابع لجامعة هارفارد: «قد تُفاجأ حين تكتشف مدى اهتمام أترابك وأفراد عائلتك بقصصك وتاريخك الشخصي. عايشت أنت بنفسك روايات حضارتك وتاريخك، بخلاف الآخرين. لذلك يشكّل تركك تاريخاً مسجلاً عن حياتك هدية لنفسك ولذريتك على حد سواء». يشكّل ترك نوع من الإرث قوة محفزة بالنسبة إلى كثيرين. كيف ترغب في أن يتذكرك الناس؟ لا شك في أنك تود أن تورث أحفادك، وعائلتك، وأصدقاءك المال والممتلكات، لكن هدية مماثلة قد تدوم أجيالاً تمثل تاريخك الشخصي. طريقة الكتابة المناسبة قد تكون الكتابة مهمة صعبة للبعض. تساعدك الإستراتيجيات التالية في التوصل إلى نمط يلائمك. ● اكتب في الوقت عينه كل يوم: يساعدك هذا الأمر في التوصل إلى روتين. اختر وقتاً محدداً للكتابة. قد تفضل الكتابة صباحاً أثناء شرب القهوة أو قبل النوم أو في أي وقت آخر. ● اكتب لفترة محددة من الوقت: في البداية، اضبط الساعة واكتب لعشر أو 15 دقيقة. وعندما تعتاد الكتابة، أطل الفترة إلى 20 دقيقة أو أكثر. ● لا تقلق بشأن أخطاء القواعد أو الإملاء: فهدف ما تدونه حفظ الذكريات لا قصة للنشر. لذلك اكتب كما تتحدث ولا تركّز على تصحيح أخطائك. ● استخدم مسجلة: إذا كنت لا تهوى الكتابة، فاستخدم مسجلة أو هاتفك الذكي لتسجل قصصك. يشكّل هذا خياراً جيداً أيضاً إذا لم تكن العربية لغتك الأم وتواجه صعوبة في الكتابة. كذلك تتوافر برامج إلكترونية كثيرة تميز الأصوات وتحوّل المحكي إلى مستندات مكتوبة، مثل Sonix (www.sonix.ai)، InqScribe (www.inqscribe.com)، وDragon NaturallySpeaking (www.nuance.com/dragon). ● ابحث عن مجموعة كتابة: يقدم بعض المراكز الاجتماعية ورش عمل لكتابة الذكريات تقدّم لك دعماً إضافياً وتمنحك فرصة مشاركة آخرين في ما تكتبه. كذلك تستطيع التعلم عن كتابة قصص حياتك بالاستماع إلى قصص غيرك. إليك خياراً آخر: حاول أنت وأصدقاؤك أن تشكّلوا مجموعة كتابة خاصة بكم. كلمات حكمة توضح كيرني: «عندما يموت الناس، تموت معهم قصصهم غالباً. مع التقدم في السن، فكّر في كمّ وددت أن تعرف المزيد عن أجدادك وآبائهم وعن طريقة حياتهم». فضلاً عن مشاطرتك قصصك، تشكّل ذكرياتك فرصة لتمرر لقرائك دروساً من الحياة وحكماً معينة. تضيف كيرني: «حتى لو كتبت عن أجزاء من حياتك لم يسبق لك أن أخبرت أحداً بها لأنها حزينة ومؤلمة، إلا أن العودة إليها قد تظهر للآخرين القوة الضرورية للتغلب على عقبات الحياة عندما يواجهونها». علاوة على ذلك، تشكّل الكتابة عن تاريخك العائلي أداة علاجية، بما أنها تدفعك إلى تناول مواضيع ما زالت تسبب لك الاضطراب. أظهرت دراسة نُشرت في مجلةJAMA Psychiatry أن هذا النوع من الكتابة العلاجية، الذي يُدعى «علاج التعرض للكتابة»، لا يقل فاعلية عن المعالجة المعرفية التقليدية التي تُعتمد في مداواة البالغين ممن يعانون اضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. في علاج التعرض للكتابة، تكتب عن ذكرى مزعجة محددة. وعندما يكتب الناس عن تجاربهم، ينجحون غالباً في معالجة مشاعر يميلون إلى تفادي التفكير فيها أو مشاطرتها، وفق الباحثين. ضع أفكارك على الورق صحيح أن الطباعة على الكمبيوتر أكثر سهولة وسرعة، إلا أن الكتابة يدوياً تمنح أحياناً الدماغ دفعاً إضافياً. كشفت الأبحاث أن الكتابة اليدوية، خصوصاً بأحرف متصلة، تنشّط أجزاء من الدماغ مسؤولة عن الذاكرة القصيرة والطويلة الأمد. كذلك تسهم هذه العملية الأبطأ في تحسين الانتباه ومعالجة المعلومات، بما أنك تركّز على تشكيل الأحرف والكلمات. سِر على درب الذكريات لا داعي لأن تروي مذكراتك السنة تلو الأخرى عندما تكتب قصتك. بدلاً من ذلك، تنصح كيرني بإعداد جدول زمني عن حياتك بالاستناد إلى الأماكن التي عشت فيها. تتابع موضحة: «ابدأ بالكتابة عن منازلك. فكّر في البيت الذي ترعرعت فيه أو أول منزل امتلكته. ما الذكريات التي تخطر في بالك؟ تثير الأماكن التي عشت فيها غالباً فيضاً من الذكريات البصرية والقصص المنسية منذ زمن التي ترتبط بتلك الأماكن». تشمل مصادر الإلهام الأخرى الوظائف المبكرة أو الهوايات أو الرياضات التي استمتعت بها. «على سبيل المثال، إن كنت سابقاً من عشاق لعب كرة المضرب، إلا أنك توقفت عن اللعب، تستطيع مشاركة لاعبين مستقبليين، مثل أحفادك، في معرفتك، وخبرتك، وحبك للعبة»، وفق كيرني. من الطرائق الأخرى لتحفيز الأفكار تأمل ألبوم صور. ركّز على صورة واحدة واكتب عن القصة وراءها. أو استخدم أساليب التحفيز على الكتابة، مثل طرح أسئلة على نفسك: «من ذكرياتي الأحب إلى قلبي عن أعز أصدقائي...» أو «من الأوقات التي شعرت فيها بأكبر قدر من السعادة أو الخوف...». تختم كيرني: «عندما تنطلق في الكتابة، ستُفاجأ بكم الذكريات التي ستطفو إلى ذهنك وتدفعك إلى الكتابة عنها. وستكتشف أن حياتك وقصصك لا تزالان ملائمتين لزمنك».
مشاركة :