مخاتلة (نوستراداموس العربي: مفسّرو أحلام وفلكيون)

  • 11/29/2014
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

قبل عقود، استغرب الدكتور زكي نجيب محمود ظاهرة نامية حينها، وهي أن كثيراً من الدكاترة يكملون دراساتهم في الغرب أو يعملون فيه ثم حين يعودون إلى مناطقهم الأصلية لا يختلفون عن عجائزها الأميات في الإيمان بالخرافة والأولياء والخرزة الزرقاء وغيرها. كان الدكتور زكي يرى أن غربتهم افتراضية، فهم لم ينفصلوا عن مجتمعهم الأولي ويعيشون في مجموعات منعزلة، أما الدراسة والعلم فكانا مهمة ظاهرية لا تمس العقل ولا تؤثر في تركيبته الجامدة، فارتكزت معرفتهم وخبرتهم في الجوانب الاستهلاكية وبعض مفردات لغة بلد الغربة فقط. منذ ذلك الوقت حتى الآن زاد التواصل البشري على جميع المستويات، وانفتحت المجتمعات على بعضها، ولم تعد هناك بلدان غامضة أو ثقافات مجهولة، إلا أن المفارقة هي أن الفئات التي استنكرها محمود لم تعد محدودة، بل أصبحت هي النسيج العام والقاعدة العريضة. لم تعد للشهادات العلمية هيبة وقيمة بعد أن استحوذ عليها مفسّرو الأحلام والفلكيون وقارئو الأبراج الذين أصبحوا نجوماً يلاحقهم الناس، وتفخر باستضافتهم وسائل الإعلام مهما كانت رصينة وجادة، حتى لكأن فيلم «البيضة والحجر» نبوءة مبكرة لحال اليوم. وجود مثل هؤلاء طبيعي في أي ثقافة وزمن، وهي إلى تراجع في جميع الثقافات المستنيرة نتيجة المعرفة العامة وخروج الناس من دائرة الأساطير والأحلام والأوهام إلى الواقع والتعاطي معه مباشرة، باستثناء المجتمعات العربية التي انخفضت الأمية فيها، بينما زاد الجهل، ما يعني أن التعليم لم يكن، يوماً، عملية ذهنية تصقل العقل وتنشط أدواته وتحفزه للتفكير والتحليل وكيفية الاستنتاج. يحفظ الناس أرقام هواتف المفسرين أكثر من أرقام الطوارئ والأهل، وحين ينام أحدهم بعد وجبة دسمة تصبح أحلامه خريطة مستقبله التي لا يجد مفاتيحها سوى عند مفسر الأحلام، ليتجاهل كل تفاصيل واقعه ويمضي مع توجيهات الصوت الهاتف، وربما ترك عمله أو اتهم أهله وأصدقاءه بيقين لا يهزه شك. هذا الولع بالأحلام امتد إلى جميع الجماعات الجهادية الإرهابية التي يدور تصورها للمستقبل عبر الرؤى وتفسيرها ودلالات النصر فيها، وهي أيضاً وسيلة جذب المتابعين والمناصرين، مستثمرة هوساً اجتماعياً جعل النوم عملاً لا سكناً. الأحلام دائرة الأقربين إلى التديّن، ما جعل من المهم أن يكون المفسر ذا مظهر ولغة يشيان بالتدين، أما غيرهم فاهتمامهم ينصب على الأبراج وقارئيها، وهؤلاء قلة بين السعوديين بحكم عدم عناية الثقافة المحلية بالأبراج وأعياد الميلاد وما يتصل بهما وإن كان عددهم في نمو. الفلكيون درجة أرقى من أهل الأبراج، مثل الشيخ إلى تلميذه، وجمهورهم حديث النشأة سريع الانتشار وفقاً للارتباك في المشهد العالمي، وظهور هؤلاء في جميع القنوات، وخرافة تنبؤات نوستراداموس وصدقيتها الأزلية. الدلالة الفاجعة لهذا الانتشار تعني غيبة العقل وعزلته، ما أشاع جميع أشكال الانحراف سلوكياً وأيديولوجياً، وكلما زاد وتوسع هذا النمط الغيبي بين الناس كانت مؤشرات الخطر أكبر، ولعل اللافت هو أن الإعلام تدنى لغة ومنطقاً وتناغماً وتفاعلاً مع هذه الرغبات الشعبوية الطاغية، ما يبرهن أن الأمية ليست جهل الكتابة والقراءة بل معاداة التفكير والعقل. لكل حقل جمهوره، إلا أن النساء يشتركن في الدوائر الثلاث.

مشاركة :