في أجواء غير عادية تصاعدت سخونتها مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية، يتوجه الناخب العراقي يوم غدٍ، الثاني عشر من مايو، ليضع حداً للتكهنات حول طبيعة المرحلة المقبلة عبر الإدلاء بصوته من أجل «التغيير» الذي لم يعد مجرد شعار قدر ما أصبح «ضرورة» تزايد بشكل كبير جداً عدد المقتنعين بأهمية تحقيقه على جميع المستويات. قُبيل إطلاق حملة الدعاية الانتخابية جرى في الثامن والعشرين من مارس المنصرم توقيع ميثاق شرف برعاية الأمم المتحدة تعهد بموجبه رؤساء الكتل السياسية أو من مثلهم الالتزام بالأحكام الأربعة والعشرين التي تضمنها الميثاق والتي تتعلق بأخلاقيات الدعاية الانتخابية ضماناً لشفافيتها ونزاهتها. ومن ثم نجاحها وهو ما يحصل للمرة الأولى على الرغم من أن هذه الانتخابات هي الرابعة منذ التغيير عام 2003. من جانب آخر، في السياق نفسه، حذر مجلس القضاء الأعلى مع بدء الحملة المرشحين من مغبة ممارسة أسلوب الإسقاط السياسي ضد المنافسين لأنها جريمة تقود إلى السجن. أجواء الحملة الانتخابية تتطلب إلقاء الضوء على أبرز معالمها لأنها تلقي الضوء بدورها على ما وصلت إليه العملية السياسية بعد خمس عشرة سنة من البدء بها. الحملة لم تخل من تهديدات لم يخفِ رئيس الوزراء نفسه تعرضه لبعضها، وقد شهدت أقصى درجات العنف، حيث طالت محاولات الاغتيال أكثر من عشرة من المرشحين. إلا أن سمتين بارزتين تتميز بهما هذه الحملة، أولاهما تتعلق بالتباين الكبير جداً بالقدرات الترويجية بين المرشحين وهو مما يخل بمبدأ تكافؤ الفرص، وثانيهما الإسقاط السياسي غير المسبوق في تعارض تام مع وثيقة الشرف الانتخابي من جهة، وتحدي لمجلس القضاء الأعلى من جهة أخرى. فقد تميزت الحملات الانتخابية لبعض الأحزاب أو الأشخاص بصرف مالي باذخ مقابل قدرات متواضعة لأغلبية المرشحين، وهو ما يدعو للتساؤل عن مصدر هذه الأموال، فحين يسأل هذا المرشح المترف أو ذاك عن مصادر تمويل حملته يجيب بكل بساطة بأنها تبرعات. قد يكون ذلك صحيحاً بشكل ما إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن هناك من يوظف أمواله أو بعضها، فرداً أو مؤسسة، في العملية السياسية من منظور أن هذه التبرعات!!! هي استثمارات لشراء مواقف لحقبة ما بعد الانتخابات تدر أرباحاً أفضل كثيراً من استثمار هذه الأموال في الصناعة أو الزراعة أو التجارة، فالاستثمار في شركات الفساد أكثر ربحاً. هذه التبرعات لا تقدم عادة لمرشح ليس لديه فرصة للفوز أو لتبوؤ موقع مهم في حالة فوزه. كما أن للتبرعات هدفاً آخر إذا كانت من جهات أجنبية، فهي تهدف لأن يكون لهذه الجهة أو تلك حيز في صناعة القرار على مستوى الدولة أو بكلمات أخرى مشاركة العراق في السيادة على قراراته. من جانب آخر لم تجد بعض الأحزاب حاجة لتحدي سلطة القضاء وتحذيراته طالما يمكن الالتفاف عليها بسهولة، فمن لا يحترم توقيعه على ميثاق الشرف الانتخابي لا يعير اهتماماً لتحذيرات مجلس القضاء الأعلى، فهو يستطيع توظيف جهات تقوم بذلك دون الإعلان عن هوياتها اصطلح على تسميتها بالوسط السياسي العراقي «الجيوش الإلكترونية». هذه الجيوش مارست أرخص وسائل الإسقاط السياسي مستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي، واستهدفت بشكل خاص النساء المرشحات في بعض الائتلافات الانتخابية لغرضين لا يخطأهما الراصد، أولهما استهداف ائتلاف بعينه واستهداف زعيمه، وثانيهما استهداف المرأة ودورها في الحياة السياسية. الإسقاط السياسي إعلامياً أسلوب يمارس في كل دول العالم ولكن بمستويات مختلفة من الالتزام بالمعايير الأخلاقية، فوسائل الإعلام مهما ابتعدت عن رسالتها المهنية لا تجرؤ على اختلاق وقائع لتلطيخ سمعة أشخاص أو أحزاب في الدول الديمقراطية لأن الضريبة التي تدفعها جراء ذلك أكبر من قدراتها على مواجهتها. الأحزاب التي «جُربت» وبرهنت على فشلها مرات ومرات تراهن على إبعاد الناخب عن صناديق الاقتراع بعد أن استشفت ماكيناتها الانتخابية مدى الإحباط لدى الناخب، فهي لا تراهن على برامج سياسية تعكس جدية تغري شرائح من الشعب بالوقوف إلى جانبها. ولا تراهن على صورتها البائسة لدى الناخب، بل تراهن على دور المال السياسي الذي توظفه وتراهن على مخرجات الإسقاط الرخيص التي تمارسها وتراهن على استخدام مختلف الضغوطات التي تقوم بها ميليشياتها المدججة بالسلاح، إضافة إلى توظيف اعتبارات أخرى، دينية وطائفية وعرقية وعشائرية ومناطقية لا تزال فاعلة في بعض أوساط المجتمع.
مشاركة :