عدم اليقين الاقتصادي والرخاء عدوان تاريخيان، فعندما تسود حالة عدم اليقين، يتلاشى الرخاء، وذلك لأن عدم اليقين يضعف ثقة المستثمرين والمستهلكين، ويخنق الاستثمارات الخاصة، ويقلص إنفاق المستهلكين. ووصف الكساد الذي أعقب انهيار عام 1929، والأزمة المالية عام 2008، بـ «الكبير»، ليس فقط لحجم الانكماش الاقتصادي، ولكن لأن عدم اليقين الاقتصادي الذي أعقب الكساد، أنتج أضعف حالات الانتعاش في القرن الماضي. واليوم، زادت السياسات التجارية لإدارة ترامب عدم اليقين الاقتصادي إلى مستوى يهدد بإعادة الركود لسنوات أوباما. بعد 8 سنوات ركود، عقب انكماش عام 1929، حدد الصانع الأميركي الكبير لاموت دو بونت الثاني السبب في أن «عدم اليقين يحكم الوضع الضريبي، وضع العمل، والوضع النقدي، إلى جانب كل الشروط القانونية تقريباً التي يجب على الصناعة أن تعمل فيها». وقد أكد هذا دراسة نشرت عام 2016 في المجلة الفصلية للاقتصاد، التي وجدت أن عدم اليقين الاقتصادي بلغ ذروته في ثلاثينيات القرن العشرين، مع سيطرة الحكومة المتزايدة على الاقتصاد في محاولة للسيطرة على الأسعار والأجور، فتأخر الانتعاش الأميركي خلف كل الدول المتقدمة باستثناء فرنسا. وفي كتابها السنوي لعام 1938، أشارت عصبة الأمم أيضا إلى أن عدم اليقين السياسي كان سبباً للركود في الولايات المتحدة، لأنه أنتج «عدم رغبة من الشركات الخاصة في بدأ مشروعات أخرى ربما تكون قد ساعدت في الحفاظ على الاقتصاد». وبلغ عدم اليقين الاقتصادي ثاني أعلى مستوى له منذ 1900، خلال أزمة الرهن العقاري عام 2008، وما أعقبها من تعافٍ فاشل. فعندما انتهى الركود منتصف 2009، تنبأت إدارة أوباما بسنوات من نمو حقيقي بمتوسط 3.9%، وهو توقع معقول، لأن التعافي القوي يتبع كل ركود كبير سابق عليه. لكن مع قيام أوباما بتوسيع سيطرة الحكومة على الاقتصاد الأميركي بقوانين، مثل «دود فرانك»، والرعاية الميسرة، واللوائح، والأوامر التنفيذية، وتوجيهات الوكالات الحكومية، انتشرت موجة من البيروقراطية بقطاعات الرعاية الصحية، والخدمات المالية، والطاقة والتصنيع، وحتى خدمات الإنترنت. ومع استبدال حكم القانون بقرارات تنظيمية، فقدت قطاعات واسعة من الاقتصاد بيئة أعمال يمكن التنبؤ بها، وارتفعت درجة عدم اليقين الاقتصادي. وتراجع الاستثمار الثابت الخاص إلى ما يزيد قليلاً عن ثلث معياره التاريخي في فترة ما بعد الحرب. ومع جفاف الاستثمار، تراجعت الإنتاجية ونمو الأجور. وأبقى عدم اليقين الاقتصاد في حالة ذهول، حيث كان متوسط النمو الاقتصادي خلال الانتعاش يصل إلى مجرد 2.1%، ما يمثل نصف المستوى المتوقع في بداية الانتعاش. وفي أكثر الجهود تراجيدية، ألغت إدارة ترامب والكونجرس، أو عدلت، أو أوقفت، أكثر من 1000 تشريع، ما قلل كثيراً حالة عدم اليقين السياسي. وسرعان ما انتعش الاقتصاد بمعدّل نمو حقيقي، بلغ 3.1% في الأرباع الثلاثة الأولى من رئاسة ترامب، أي أعلى بنسبة 50% تقريبًا من المتوسط في عهد أوباما. وعزّز الكونجرس والرئيس الانتعاش بتفعيل الإصلاح الضريبي الذي حفّز استثمارات إضافية في الأعمال. لكن اليوم بدأت السياسة التجارية للإدارة الأميركية في خلق مستوى من عدم اليقين، يمكن أن يعرض الانتعاش للخطر. ويرفض البيت الأبيض المخاوف بشأن إجراءاته التجارية، مدعياً أن الرسوم الجمركية الإجمالية صغيرة جداً، بحيث لا تسبب كثيراً من الضرر. لكن في الواقع، من المستحيل تقريباً حساب التأثيرات الأولية لسياسات ترامب التجارية على الاقتصاد، والآثار اللاحقة التي ستأتي من تصاعد الانتقام غير معروفة. كما تخلق تهديدات ترامب بإنهاء اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية حالة من عدم اليقين الشديد، بتعريض سلسلة التصدير في أميركا الشمالية للخطر. ... المزيد
مشاركة :