استضفت أديباً متعدد المواهب (س) فهو قاص وكاتب مقالة وشاعر غنائي شعبي وناشر وفنان يعزف على العود ويغني؛ لكن باسم فني، ودار الحوار الإذاعي خلال ساعة بين الضيفين في «بين ذوقين» وبدا الانسجام واضحاً على الضيف الأديب الشامل وشاركه الضيف الثاني المزاج الرائق ودفعتهما دفعاً إلى مزيد من الاندماج في جو الحوار أو لأقل الجلسة الأدبية والفنية واستمعنا إلى مقاطع مما استطابه ذوقاهما، وفوجئت بالضيف الشامل يغني ويبدع ونسي أنه كان متحفظاً في البدء على الاعتراف بأنه صاحب اللقب الفني المعروف وألا نتطرق إلى ذلك، وقبل بث الحلقة بيوم تواصل معي (لم تكن خدمة الجوال موجودة آنذاك) وبدأ حديثه هادئاً ثم اندفع فجأة بلهجة أقرب إلى الغضب من العتاب يسألني: ألم أقل لك لا تتطرق إلى أنني أمارس العزف والغناء؟ عليك الآن أن تحذف اعترافي بأنني الفنان (فلان) وتحذف أيضاً الأغنية التي أديتها؟ ماذا سيقول عني ربعي وجماعتي؟ أحملك مسؤولية بث هذه الحلقة ثم أغلق الهاتف بحنق، أصابني شيء من الوجوم وغلبتني الحيرة؛ كان في وسعه أن يرفض السؤال، وذهبت إلى المخرج نقطع أوصال الحلقة ونزيد من المسامع الغنائية التي طلباها؛ تعويضاً عمَّا حُذف من حديث الضيف الشامل . واستضفت الفنان محمد عبده في أول حلقة من «بين ذوقين» تلك التي بثت بتاريخ 1-1-1401هـ مع الأمير محمد العبد الله الفيصل، وكانت فكرة البرنامج الأولى أن يجري الحوار مع كل ضيف منفصلاً عن الثاني، ثم تجمع الإجابات؛ ولكن المخرج (مهدي يانس) لقي عنتاً في ترتيب الإجابتين على كل سؤال؛ فتراجعنا عن تلك الطريقة وجمعنا الضيفين معاً على طاولة واحدة وفي مكان واحد لاحقاً. اتفقت مع الفنان محمد عبده على اللقاء في «استراحة النخيل» التي كان موقعها في حي الناصرية، كان الموعد الخامسة عصراً، واستقبلنا بلطفه المعهود وبشاشته التي لا تفارقه، ودار الحديث المتنوّع من رأي إلى آخر ثم رفع أذان المغرب؛ فأوقفنا التسجيل وقال: لنذهب نصلي في مسجد الاستراحة القريب، وذهبنا معاً، ولكن بعد الصلاة انبرى أحد الوعاظ وبدأ حديثاً طويلاً يبدو أن ضيفنا الفنان محمد عبده استطابه وأعجبه ونسينا، وطال بنا الانتظار حتى مضى ما يقرب من نصف ساعة يبدو أنه تجاذب فيها أطراف الحديث والنقاش مع بعض الحاضرين، وأتى أبو نورة تكسو ملامح وجهه مسحة روحانية طافية وتبدو عليه السكينة، قلت له: لا أعتقد أنك تستطيع أن تسمعنا شيئاً لو طلبت منك ذلك؟ قال: كأنك تدري عمَّا في نفسي، لنتجاوز هذا الطلب وندخل على قضايا أخرى. واكتشفت في داخل فناننا الكبير الشخصية الأخرى التي تفيض إيماناً وشفافية ورضا ومشاعر دينية فياضة. والفائدة من هذا الموقف التأكيد على أن ما يبث من أحاديث المشاهير ليس إلا الصورة الرسمية، أما الجوانب الأخرى الخفية فهي الأكثر متعةً وجمالاً وإثارةً وغرابةً أحياناً أخرى. يتبع
مشاركة :