تحوّلت مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب، إلى ساحة نزال إعلامي حقيقية بين مؤيد لحملة «مقاطعة» شراء عدد من السلع الاستهلاكية الأساس ومعارض لها، بسبب ارتفاع أسعارها واحتكار شركات محددة لأنواع من المواد المعروضة في الأسواق، والتحكم في تسعيرها. وعلى بقاء الحملة التي انطلقت نهاية الشهر الماضي، محصورة بأصناف محدودة من السلع الاستهلاكية خصوصاً المشروبات المعدنية والألبان والمحروقات السائلة، لا يخفي الداعون إلى المقاطعة نيتهم بـ «توسيع رقعتها لتشمل منتجات وسلعاً أخرى»، إذ يعتقدون بأن «أسعارها مرتفعة قياساً إلى مثيلتها في عدد من دول الاتحاد الأوروبي القريبة، مثل إسبانيا وفرنسا وإيطاليا». وفي المقابل يرى المتحفظون عن المقاطعة، أن «أهدافها سياسية محض، وهي موضوع تصفية حسابات سياسية واقتصادية بين خصوم (فرقاء) غير ظاهرين»، لأنها «تميّز بين الشركات في مقاطعة المنتج ذاته، وليست عادلة ولا عامة وتكاد تركز على فريق من دون آخر، على رغم أنها تحض على محاربة الاحتكار والريع الاقتصادي والفساد». وتختلف دوافع المقاطعين والمعارضين انطلاقاً من قناعاتهم الذاتية، لكنهم «يتفقون على تنامي الفوارق الاجتماعية في المغرب واتساعها في السنوات الأخيرة، وبداية انهيار الطبقات الوسطى التي تحملت وزر الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومات المتعاقبة، لتقليص العجز والنفقات العامة، بإيعاز من المؤسسات المالية الدولية في مقدمها صندوق النقد الدولي». وأُشير إلى الضرر الذي خلفه إصلاح «صندوق المقاصة» في عهد الحكومة السابقة، بتحرير أسعار المواد النفطية بحيث باتت مرتبطة بتقلبات السوق الدولية، فارتفعت من 8 دراهم إلى أكثر من 10 دراهم، مع صعود أسعار النفط في السوق الدولية. ويرى البعض أنها حيلة تنصّلت بها الحكومة من مسؤولياتها الاجتماعية في زمن الأسعار المنخفضة للنفط، وكبدت الطبقات الوسطى ما لا يقل عن 300 بليون درهم في ست سنوات 2012- 2018. إذ تراجعت كلفة دعم الأسعار في المغرب من 6.5 في المئة من الناتج الإجمالي عام 2012 إلى 1.4 في المئة عام 2016. وانخفضت مخصصات الدعم من 56 بليون درهم إلى 14 بليوناً فقط، منها 10 بلايين لغاز الطهي و3 بلايين للسكر و1.3 بلايين للدقيق العادي. وبسببها تقلّصت القدرة الشرائية لغالبية السكان بسبب تجميد الأجور وارتفاع الأسعار من جهة، وتدني المعاشات في إطار ما عُرف بإصلاح الصندوق المغربي للتقاعد، الذي أثار سخطاً عارماً قبل عامين، وأضعف موقف النقابات أمام الحكومة، التي كانت «تحذر من أن يؤدي عدم إصلاح الصندوق إلى إفلاسه في العقد المقبل، واحتمال أن يزيد عدم رفع الدعم عن المحروقات من المديونية ويقلص النفقات الاجتماعية». ويعتقد محللون بأن تحرير أسعار المحروقات، استفادت منه شركات التوزيع التي ضاعفت أرباحها، في ظل ضعف التنافسية. وتضررت الخزينة بدورها من ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية، وانتقلت مشتريات المغرب في الربع الأول من هذه السنة إلى 18.5 بليون درهم (بليوني دولار) بمعدل 700 مليون دولار شهرياً. ويُرجح صندوق النقد الدولي، أن تتأثر الدول العربية المستوردة للطاقة من ارتفاع الأسعار في السوق الدولية، بعدما تجاوز معدلها 74 دولاراً للبرميل، وقد يصل مستوى الضرر إلى واحد في المئة من الناتج الإجمالي. وسأل المعارضون للحملة، لماذا لا تشمل المقاطعة الشركات الأجنبية النفطية الأميركية والفرنسية والليبية والإيطالية العاملة في المغرب، والتي تحقق أرباحاً ضخمة من تحرير السوق. وتوقف الإنتاج في محطة سامير لتكرير النفط المفلسة في المحمدية قبل ثلاث سنوات». وأضافت إن الحملة «تركز فقط على الشركات النفطية المحلية، ما يمكن اعتباره انتقائية غير مفهومة». وهناك مَن يتهم جمعيات المواقع الاجتماعية المقربة من الحكومة الإسلامية السابقة، بالوقوف وراء الحملة والتحريض للتأثير في حظوظ قيادة حزب الأحرار في شخص وزير الزراعة والصيد البحري عزيز أخنوش في الحكومة المقبلة في المغرب (انتخابات عام 2021). وتملك عائلة أخنوش الثرية محطات للتوزيع على امتداد تراب المغرب ودول أخرى في أفريقيا، وهي من أقدم الشركات النفطية الوطنية. وعرض أخنوش الذي يقود مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول الصيد البحري، برنامجاً اقتصادياً طموحاً لمعالجة بطالة الشباب، عبر استحداث مليوني فرصة عمل جديدة في السنوات الخمس المقبلة، ورفع النمو عبر الاستثمار وتحسين الأداء الاقتصادي والارتقاء الاجتماعي، ما اثأر حفيظة منافسيه. وتأتي الألبان ضمن المواد المشمولة بالمقاطعة، وهي تركز فقط على الشركة الأكبر والأقدم في المغرب «سنترال ليتيير» التي كانت تابعة لمجموعة «آونا» الاستثمارية العملاقة، التي كانت مقربة من أصحاب القرار قبل سنوات، ويعيش من نشاطاته نحو نصف مليون من المزارعين، الذين يمدون الشركة بالحليب يومياً. ويقول المقاطعون، «إن أسعار الحليب ومشتقاته تبقى مرتفعة قياساً إلى جودتها وحتى الأجنبية، على رغم ازياد أسعارها التي تفوق القدرة الشرائية». وخرجت الشركة في بيان تصالحي مع الجمهور، أسفت فيه على التصريحات «المستفزة التي صدرت عن بعض مسؤوليها». وبدأت الشركة تواجه صعوبات تجارية، بسبب حملات التشهير التي تطاولها في مواقع التواصل الاجتماعي/ وإحجام بعض المشترين عن شراء منتجاتها، من دون سند أو معرفة وبتحريض من رواد «فايسبوك» أحياناً كثيرة. أما المياه المعدنية التي تشملها المقاطعة، فهي مرتبطة إلى حد كبير باسم الشركة المنتجة وصاحبتها، التي ترأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، المُقبلة على تجديد الرئاسة قريباً. ويترشح لها وزير الخارجية الأسبق صلاح الدين مزوار الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار، وأحد دعاة الليبيرالية الاقتصادية. وتُعتبر المياه المعدنية سلعة غير أساسية بالنسبة إلى الجمهور الأوسع من الشعب، الذي يستهلك مياه الشفة، وهي ليست من الأولويات الاقتصادية بالنسبة إلى الفقراء الذين تدعي الحملة الدفاع عنهم، وحماية قدرتهم الشرائية. وهناك تشكيك حول من يحرك المواقع الاجتماعية الداعية إلى المقاطعة، والتي تبدو منظمة ومنسقة ومهنية عالية، ما يطرح أسئلة حول أهدافها السياسية والاقتصادية. ويُساهم صمت الحكومة ووسائل الإعلام الرسمية في ضبابية الموقف، الذي تسطير عليه مواقع التواصل بالكامل. وقد يزداد الجدل الإعلامي - الاجتماعي زخماً مع اقتراب شهر رمضان المبارك، الذي يكثر فيه الإقبال على شراء السلع والمواد الاستهلاكية الواسعة الانتشار.
مشاركة :