العبيدلي في كتابه: «العثور على ناقة النبي صالح»

  • 5/13/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

قبائل من ظفار بنَتَ البتراء والحجر، ووقائع قصة النبي صالح جرت بالمهرة الكبرى أخفى الأنباط أصولهم الثمودية بين العرب، لكنهم استخدموها مع الأجانب اكتشف الباحث البحريني الدكتور أحمد العبيدلي أثناء إقامته بين قبائل المهرة وظفار في سبعينيات القرن الماضي وجود إبل مقدسة تجوب الصحاري موفرة الحليب للضال والمنقطع في تلك الصحاري الواسعة والقاسية الطقس. وكان ذلك مدعاة للبحث عن تفاصيل جديدة في قصة النبي صالح والناقة التي أراد لها النبي التقديس للبقاء والدوام واختارت لها ثمود المواجهة والقتل. وتنتشر في تلك المنطقة أقوال بأن سكان المهرة الكبرى الممتدة بين حضرموت وعمان هم من تبقى من عاد الثانية وبين أوساطهم جرت قصة النبي صالح. وحينها بدت للباحث مجموعة مسائل تتعلق بطبيعة الحياة والبقاء في تلك المناطق في وسط ظروف مناخية صارمة: المسألة الأولى: الحاجة الشديدة لوجود مصدر للحياة لسد حاجة العابر لتلك الفيافي والقفار حيث لا ماء ولا نبات لمسافات مديدة. الثاني: أن خير وسيلة لإيجاد ما يبقي على الحياة هو في إيجاد إبل سيارة توفر الحليب، وهو عنصر غذائي يسد العطش والجوع. الثالث: أنه لا بد لكي تستمر هذه الإبل في العيش من أن تُحمى دينيا، وكانت هذه الإبل محرمة: يحق للمحتاج لها الانتفاع بلبنها، دون لحمها. ومن لم يخف من العقوبة خاف من الفضيحة، إذا أنك معرض لاعتقاد أن أي إبل مسروقة ومذبوحة، لا بد لها من أن تكشف سارقها ومرتكب جريمة سفح دمها وأكل لحمها حيث أنها ستصيح في بطن الجاني وستفضحه. العقوبة بالصيحة والرجفة وترد الصيحة كلفظة بالقرآن أيضًا، وبمعنى مختلف، كعقوبة لثمود: إذ ورد في التنزيل «وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (هود، 67:11). وجمع الكاتب إلى القول بالصيحة، الرجفة. إذ يورد القرآن الكريم «فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ. فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ» (الأعراف، 7: 77-78). وأهل ظفار يسمون الملاريا بالرجفة. وترد الرجفة عقوبة لقوم صالح في القرآن. والغالب على تفسيرها أنها عقوبة حدثت بأمر إلهي وتمثلت في حادث طبيعي مدمر كالزلزلة الشديدة. ويقارب المفسر إطفيش شيئا من هذا حين يقول عن الصيحة بأنها «صيحة جبريل... من السماء، وصيحة كل حيوان في الأرض أو صوت من السماء فيه شبه أصوات حيوان الأرض كله، أو صيحة من السماء فيه شبه أصوات حيوان الأرض كله، أو... صوت مفزع» (إطفيش، 459:5:1986). وتشكل المعرفة بالإبل المحرم ذبحها بمثابة العثور على أصل مستمر إلى يومنا هذا لناقة صالح المقدسة، والتي أدى قتلها لمعاقبة ثمود. لقد شح اطلاع الكتاب العرب والمسلمين على المهرة وظفار، وقلت معرفتهم بها. وهي بلاد بعدت عن مراكز الحضارة الإسلامية جغرافيا، وصعب الاقتراب منها ثقافيا بسبب تحدث القاطنين بلهجات عربية قديمة إلى يومنا هذا. وهي بقاع ثرية بالتاريخ والآثار وربما عثر الباحثون بها على لُقي احتفظت بها ثنايا تلك الأرض. الكتاب يعنى كتاب «العثور على ناقة النبي صالح» للعبيدلي أساسا بمسألتين: الأولى: ترجيح القول بتحديد موقع لأحداث نبوة صالح وقومه ثمود، والثانية، وهو يرتبط بالأول حول تحديد أصل الأنباط، وهم عرب تعاصرت دولتهم مع الحضارة الهلينيستية (حضارة الفترة التي تلت وفاة الإسكندر الأكبر عام 323 ق م وحتى عقود من القرن الأول الميلادي) واستمرت قائمة لما يقرب من خمسة قرون انتهت بضمها للدولة الرومانية عام 106 ب م. وهناك تصور شائع عن مكان تلك الأحداث، على أنه مدائن صالح، ولكنه تصور خاطئ. وجرت محاولات قديما استمرت لعصرنا الراهن لإعادة سرد الرواية، على أن الكثير من تلك الجهود جانبها الصواب إذ اقتصر اعتمادها على أدلة تقليدية، على أهميتها، وما استفادت من طرائق بحث جديدة أو استعانت بنتائج الكشوف الآثارية، والدراسات المعاصرة. وهناك ثلاثة أطراف تعايشت نتائج الأبحاث عنها دون تحقيق ربط بينها على وجه التدقيق: ثمود، والأنباط، وموقعا البتراء في الأردن والحجر في السعودية. وقد قاد البحث الكاتب لاكتشافات متعددة ربما كانت مهمة حول تحديد الموقع الأصلي لقصة النبي صالح. ويقع ذلك على الأرجح في ظفار أو المهرة الكبرى. وبين اكتشافات أخرى توصل إليها الباحث في كتابه، خلوصه لتحديد أدق لبناة مدينتي البتراء والحجر. ويقع الأخير شمالي غرب السعودية ويسمى عادة وخطأ بمدائن صالح. فمنذ اكتشف الباحث السويسري جون لويس بيركهارت البتراء عام 1812, تقاطر عليها ما يزيد على المائتي باحث أوروبي جاهدين اكتشاف أمور شتى عن أسرار هذا الإعجاز البشري، وفي مقدمتها معرفة من الذين نحتوا تلك الصخور ومن أين قدموا. وكذا فعل عشرات من الباحثين العرب وخاصة من بلاد الشام. ولا يكاد أن يتفق غالبية الدارسين على أن البناة الأصليين قدموا من الجزيرة العربية حتى يبدأ الاختلاف بعدها: من أي العرب هم؟ وهل لديهم سابقة في بناء مثل تلك الأوابد، وما هي طبيعة هذه البقعة وظروف اختيارهم لها؟ ويعرض هذا الكتاب لأن يكون البناة هم من ظفار أو المهرة، ويمتلك الظفاريون أساسا والمهرة بنحو أقل سابقة العيش المتصل في كهوف أوجدتها الطبيعة، وأضاف إليها الإنسان منذ بدء الاستقرار البشري وحتى وقتنا هذا. ويرتبط عيشهم إليها بما حدث لثمود وبقصة النبي صالح. ويحيط غموض مشابه بالأنباط ودولتهم وملوكهم ومن أي المناطق العربية قدموا. ويعرض الكتاب لاحتمال أن تكون ثمود هي أصل دولة الأنباط، وقائدة تحالفاتها. وأنها استوطنت المنطقة بعد أحداث قصة صالح. استنتاجات ويدعو الكاتب القراء لتقويم مادة هذا الكتاب من الناحية العلمية وتذوقها من الناحية الإبداعية يجب التخلي عن أمور والانفتاح على أمور، أو الاستعداد الفكري لدرء بعض تصورات، ربما أصبحت مسلمات بحكم التقادم والتكرار، وقبول أخرى جديدة ومبتكرة بدلا عنها، ومنها: 1- يجب تغيير صورة مرتسمة لنا للجمل في جاهلية العرب وكما وردت إلينا في الموروث المنقول من تلك الفترة، سواء في السرد التاريخي أو الوصف الاجتماعي، أو وبشكل خاص، من الشعر الجاهلي. فالإبل في الجاهلية هي أداة حمل ونقل وقتال. 2- الناقة في قصة صالح هي ليست في شيء من ذلك. إنها بالأساس منتجة للغذاء من حليب ولحم، وللأدم: لا تثقل الأحمال ظهرها في غالب الأحيان، ولا تجدّ السير في رمال الصحاري ولا تناجز الأعداء. إنها أحد أفراد قطيع ينتج بالأساس الغذاء والجلود. وليست هناك من علاقات خاصة بين شخص المربي ودابة بعينها. وهي تعيش على أقرب ما تكون من واقع بواكير تدجينها: في الأحراش وتلتهم طعامها من الأشجار وليس من حشائش الأرض. 3- إن مدائن صالح الحالية ليست بمدائن صالح النبي. فهي ليست بمستقر لأحداث القصة، ولم تكن مسرحا لسرد محطات الدراما النبوية أبدا، وليس هذا باسمها الأَصل، وليس صالح المنسوبة إليه بصالح النبي، فاسمها كان ولا يزال الحِجْر. ما حدث بها هو أمران: بعد الأحداث التي زلزلت ثمود انتقل لتلك البقاع، بعض من نجا من الدمار الإلهي الذي حاق بقوم ثمود. وبالمدائن، وعلى الأرجح إلى الشمال أيضا بالبتراء، نحت الناجون منشئات، أو ساعدوا في تجويفها داخل جبال، فاستقامت معمارا خالدا واستمرت تبهر اللب وتستثير الأسئلة عبر القرون وإلى يومنا هذا. ثم صدف أن أحد العباسيين قد حكم مدينة إسلامية تقع إلى الجنوب من مدائن صالح، فجرى الاسم بمجرى القرون على تلك العاديات. 4- يقسم العرب تقليديا إلى قسمين، بحسب السكن والتشكيلة الاجتماعية: أهل الشعر وأصحاب المدر. ويختصر الانقسام حسب المسكن تمايزا اجتماعيا وثقافيا بين البدو والحضر. والأصح أن العرب ينقسمون لثلاث فئات لا فئتين فقط، بينهم قبائل سكنت الكهوف واستمرت فيها إلى يومنا هذا. ولأجل أن تحصل على مآويها تلك حازت لها كهوفا إما حفرتها الطبيعة، وإما نحتها البشر. والفعل الأخير هو الأصل للنطق القرآني «وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ» (الفجر 9:89). وشكلت ظفار مركز استخدام الكهوف للسكن. 5- وهذه العرب ليست بعرب طارئة، وإنما ربما كانوا بعض من شكل أصل العرب وساهموا وقبائل أخرى في الجوار في تشكيل الجماعة البشرية الأولى التي انبثق منها العرب. 6- تعاون المناخ والطوبوغرافيا والأمطار الموسمية، قبل الإنسان, في إيجاد كهوف جاذبة للرعاة وقطعانهم وبأفضل مما تستجيب بيوت الشعر. 7- وأوجدت الطبيعة خزانات للمياه بداخل بعض تلك الكهوف. وانطبعت الفكرتان في عقل البشر القاطنة هناك وأوحت إليهم بإمكانية الإنسان في تحويل منتجات الطبيعة لتستجيب لاحتياجاتهم. وتوافرت عوامل لتجعل من الحِجر والبتراء مناطق جديدة لممارسة مختلفة ترتكز على ما رآه البشر في ظفار والمهرة الكبرى. وهكذا أوجدت الجبال الرملية الموجودة في تلك البقعتين خامة مطواعة والتي عرضت نفسها أمام بشر، وثمود في المقدمة، يعرفون خصائصها. فباشروا في اغتنام الفرصة، واستعادة ما امتلكوه من رؤىً سابقة وخبرة مبكرة في التعامل مع الحجر. وأضافوا إلى ذلك ما حذقوا به من طرائق لجمع الماء وتخزينه. وقاموا بتشكيل الجبال لتضم رفاتهم بعد الممات. 8- على أن سمعة ثمود كانت قد تشوهت لدى العرب قاطبة، فعمل الأنباط على طمس صلاتهم وأصولهم. وهذا ما يبرر أنهم يسمون أنفسهم بالأنباط وسط العرب، ولكنهم يعرّفون باسم ثمود حين التحدث مع الرومان أو الحضارات العراقية. 9- إن العرب البائدة لم تبُد! كما إنهم، وحسبما يقول الأسلاف، اخترعوا العربية، وأشاعوا اللغة الجديدة في أوساط بني اسماعيل، والذين باتوا يعرفون بالعرب المستعربة أو المتعربة. وما يجب أن نعرفه أن العرب العرباء وهي أقدم العرب لا تزال أقسام منها حية لم تتلاش ولم تنقرض. ولا تزال تحتفظ بعربيتها الأصلية وواصلت العيش، وإلى عهد قريب، كما دأبت على ذلك على مر القرون. 10- لربما انفتح باب آخر الآن ليكشف أن بني إسرائيل قد اغترفوا من معين عربي أوسع هو المصدر الأصلي لتاريخ التوحيد السابق للإسلام، وهو متركز على ما حفظته الذاكرة الجمعية في مناطق الهضبة المطيرة في ظفار والمهرة الكبرى والجزر الواقعة إلى الجنوب من اليمن وعمان. وربما امتد قليلا لبعض مواقع في القرن الإفريقي والحبشة. 11- انتمى كل المفسرين الأقدمين أو جلّهم لعرب الشمال وحضارتهم وثروتهم اللغوية. وقلة منهم، إن وجدوا قد قدموا من اليمن. واحتفظت المهرة الكبرى ووسطها ظفار بالعربية المبكرة، وتاريخ العرب العرباء وثقافتهم. وعلى سبيل المثال فسكنى الكهوف لم يكن معروفا لمفسرين كثيرين، وكلمة قصور لم تكن تعني في الأصل المباني الفخمة المشيدة للأثرياء والملوك. فقد عنت مبكرا المباني التي تسمح بعزل حرم الرجل فيها. وحين أريد للغة أن تعبر عن المباني المهيبة الحجم الباذخة الإنشاء، استعيرت كلمة قصور، من بين الألفاظ المستخدمة للمباني والسكن لتصفها بدل سك كلمة جديدة. وهذا شائع في اللغة. 12- ولهذه الأمور وبسببها يدعوا الكاتب لإعلان منطقة المهرة منطقة كوارث آثارية كبرى. والمقصود بهذه المنطقة تلك الأرضين الممتدة من حضرموت إلى داخلية عمان وجزيرة سوقطرى إلى الجنوب منها ويضاف لذلك حضاريا وثقافيا بعض القرن الإفريقي. فكل ما هو مطلوب الحفاظ عليه ينتظم حاليا أساسا في الروايات الشفاهية، وعلى ألسن السكان الذين يضطرون تحت وطأة ضرورات حياتهم المعاصرة لاستبدال نمط حياتهم وتبني لغات أخرى ومواجهة صعوبات متعاظمة تثني عن تنشئة الجيل الجديد على تقاليد ولسان الأقدمين. ويشير إلى أن كل رجل يتوفى هناك، يأخذ معه إلى القبر قدرا هائلا من الممارسات والعادات والذكريات، والأهم، يغادر حاملا معه الكثير من اللغة والألفاظ. ويجب إعلان حالة طوارئ أكاديمية لرصد وتدوين وتسجيل ما يمكن القيام به لتسجيل التراث المتبقي بشكل يضمن له بقاءه وانتقاله سالما لأجيال قادمة. وكما حدث في صدر الإسلام حين انطلق نحاة ومؤرخون ومفسرون وأدباء لجمع لغة العرب من البدو والقبائل البعيدة عن المتغيرات يجب علينا أن نجمع من صدور الرجال المتناقصين عددا، ما يمكن قبل أن يصبح ذلك من الماضي، ويتلاشى بحكم تلاقي البشر وانمحاء الحدود واستجابة الأجيال الجديدة لمتطلبات عيش مختلفة. يذكر أن الكتاب من طبع وتوزيع آمزون بأمريكا ويباع على موقعها على الشبكة العالمية. وقد دشن في البحرين في مركز عيسى الثقافي.

مشاركة :