قضت محكمة جنايات القاهرة، المنعقدة الأحد بأكاديمية الشرطة، ببراءة ضابطي الأمن الوطني في القضية المعروفة إعلاميًا بـ"مقتل محامي المطرية"، وذلك في إعادة مُحاكمتهما بالقضية.وذكرت حيثيات الحُكم أنه لما كان الجزاء الجنائى هو أخطر الجزاءات جميعها، تُصيب الناس في أرواحهم وأشخاصهم وأموالهم وكيانهم، فقد وجب الحرص الشديد والتحقق الكامل والوصول إلى اليقين القضائى الأكيد قبل إصدار الحكم بإدانة الإنسان.وأضافت الحيثيات أنه يترتب على هذا الأصل أنه يضع عبء الإثبات الاتهام الجنائى على عاتق سلطة الاتهام، فإذا لم يقم الدليل على ارتكاب المتهم الوقائع المادية الإجرامية، وكان ما قدمت سلطة الاتهام غير كافل، فإن المتهم لا يكفل تقديم دليل براءته كما انه من أصول المحاكمات الجنائية أيضًا أن الأحكام الجنائية تُبنى على الجزم واليقين من الواقع الذى يثبته الدليل المُعتبر، ولا تؤسس على الظن والاحتمال والفروض أو الاعتبارات المُجردة.وكانت المحكمة لما لها من دور إيجابى من تحقيق الدليل في الدعوى الجنائية، واتخاذ الإجراءات التي توصلها للحقيقة وصولا للاقتناع الذاتي في اطار من الشرعية القانونية، قد تداولت الدعوى الماثلة بجلسات عدة استدعت فيها شهود الاثبات الرئيسين وناقشتهم في مضمون شهادتهم واتاحت ذلك للخصوم في الدعوى وصولا لليقين القضائى فانها بعد أن محصت الدعوى واحاطت بظروفها وأدلة الاثبات التي قام عليها الاتهام عن بصر وبصيرة ووازن بينها وبين ادلة النفى قد داخلها الشك والريبة في عناصر الاثبات وترجح عندها دفاع المتهمين.وترى أن الواقعة صورة أخرى غير تلك التي حملتها عناصر الاتهام والتي كان عمادها دلائل وقرائن مستمدة من اقوال شهود الاثبات والتقارير الطبية وتقرير الصفة التشريحية وايه ذلك أولا ان شهادة شاهد الإثبات الرئيسى في الدعوى عبد الغنى إبراهيم شعبان قد أصابها التناقض والتعارض وران عليها الوهن والتهافت.وأشارت الى أنه خلت شهادته عند سؤاله لأول مرة بتحقيقات النيابة العامة مساء يوم الواقعة 24 فبراير 2015 من اتهام لأى من المتهمين الماثلين أو غيرهما بتعذيب المجنى عليه أو التعدى عليه وأنه فقط لاحظ عليه علامات الإعياء الشديد عقب عودتهما من سراى نيابة المطرية بعد التحقيق معهما في الجناية رقم 3763 لسنه 2015 المطرية، وكذلك فجر اليوم التالى حال احتجازهما بوحدة مباحث قسم شرطة المطرية،إلا أنه حال إعادة سؤاله يوم 26 فيراير من ذات العام قال فور عودته هو والمجنى عليه في الثامنة ونصف مساء يوم 24 فبراير:"قام ضباط وحدة مباحث القسم بعصب اعينهم وتكبيل ايديهم بالأصفاد الحديدية وأخبرهما بأن ضباط الأمن الوطنى سوف يحضرون لاستجوابهما وبعدها كان يساق على تلك الحالة هو والمجنى عليه كلا على انفراد داخل إحدى الحجرات لاستجوابهما وأثناء ذلك سمع أصوات كثيرة من أشخاص داخل تلك الحجرة لم يستطع ان يميزهم وأنه كان يتم التعدى عليهم بالضرب بالايدى وحال وجوده خارج غرفة التحقيق سمع صوت المجنى عليهم بداخلها يتأوه ويقول "اه اه خلاص هعترف ياباشا " إلا انه لم يشاهد به ثمة إصابات عقب ذلك وان كان في حالة اعياء شديد واحساس بالبرودة.وتابعت الحيثيات أن هذه الشهادة التي أدلى بها الشاهد على تلك الصورة واتخذت منها النيابة العامة القرينة الرئيسية على نسبة الاتهام للمتهمين الماثلين فضلا عن انها لا تكفى بذاتها لحمل الاتهام فقد ران عليها التناقض والتهافت حيث نفى الشاهد لدى سؤاله بجلسات المحاكمة عن اى من المتهمين قيامه بتعذيب المجنى عليه أو التعدى عليه بالضرب وقال ان من قام بذلك هم ضباط مباحث قسم شرطة عين شمس والمطرية لحملهما على الاعتراف والإرشاد عن متهمين آخرين وذلك منذ لحظة القبض عليهما وحتى صباح يوم وفاه المجنى عليه وأنه كان مدفوعًا بشهادته في تحقيقات النيابة العامة بالخوف من التهديد والوعيد ضباط مباحث القسم فإن في ذلك كله ما يلقى بظلال كثيفة من الشك والريبة على تلك الشهادة لتناقضها على نحو يستعصى على الملاءمة والتوفير بين صورها المتناقضة ومن ثمة تستبعدها المحكمة ولا تعول عليها كدليل إثبات مُعتبر.وقالت الحيثيات إن باقى شهود الإثبات الذين ورد ذكرهم بقائمة أدلة الثبوت لم يشهد أي منهم سواء بطريقة مباشرة او بطريق الاستدلال بقيام المتهمين بالتعدى عليه وتعذيبه حال مناقشته فقد كان البعض منهم غير موجود على مسرح الحادث بينما شهد البعض الآخر أنه لم يشاهد ثمة إصابات ظاهرة بالمجنى عليه سواء قبل حضور المتهمين بديوان القسم أو بعد انصرافهما منه عقب الانتهاء من مناقشة المجنى عليه كما لم يتناهي الى سمعهم أو بصرهم قيام المتهمين بتعذيب المجنى عليه او التعدى عليه بالضرب.وذكرت المحكمة أنه لا يفوتها أن تنوه إلى أنه وإن كان من الأصول المقررة أن الاحكام هي عنوان الحقيقة فإن جوهر الحقيقة لايعلمه الا الله وحدة الذى يعلم خائنة الاعين وما تخفى الصدور وان كلمة القضاه وحقيقة الأمر ليست تعبيرا عن كلمة الله وهم مطالبون عن تطبيق القوانين وكشف الحقيقة لا عن طريق وحى إلهى وإنما عن طريق العقل والمنطق الذى يتخذ من أوراق القضية المعروض عليهم.صدر الحُكم برئاسة المستشار سيد التونى وعضوية المستشارين على احمد صقر وأيمن عبد الرازق وأمانه سر ممدوح غريب.وكانت محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار أسامة شاهين، كانت قد قضت في الثاني عشر من ديسمبر لعام 2015،بسجن الضابطين لمدة خمسة أعوام، مع إلزامهما بالمصروفات الجنائية، قبل أن تلغي محكمة النقض الحُكم مقررة إعادة المحاكمة.كان النائب العام الراحل المستشار هشام بركات، أمر بإحالة الضابطين المتهمين إلى محكمة الجنايات، بتهمة تعذيب المحامي كريم حمدي المجني عليه، أثناء احتجازه داخل قسم شرطة المطرية، فأحدثا به إصابات جسيمة متعددة أودت بحياته.
مشاركة :