ارتياح في تايبيه.. وغضب في بكين

  • 5/14/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

كان الملف الكوري الشمالي أحد الملفات العديدة ذات التأثير السلبي على استقرار وتعزيز العلاقات الثنائية بين واشنطن وبكين، ولاسيما في عهد الرئيس دونالد ترامب المتميز بوقوفه ضد الطموحات السياسية والاقتصادية والعسكرية للصين. إذ لطالما اتهمت واشنطن بكين بدعم نظام «آل كيم» الستاليني في كوريا الشمالية، وتوفير طوق النجاة له من عزلته الدولية والعقوبات الأممية المفروضة عليه. لكن بعد الانفراجات التي حدثت مؤخراً في هذا الملف، وما قد يليها من انفراج أوسع بعد القمة المرتقبة بين الرئيس ترامب ونظيره الكوري الشمالي «كيم جونج أون» فإن الأنظار باتت مصوبة على تايوان التي قد تحل مكان كوريا الشمالية كبؤرة توتر جديدة في العلاقات الأميركية الصينية. يعرف الجميع أن علاقات تحالف استراتيجية قوية كانت قائمة بين واشنطن وتايبيه قبل اعتراف واشنطن بجمهورية الصين الشعبية الشيوعية في عام 1979 كممثل للشعب الصيني، وسحب اعترافها بجمهورية الصين الوطنية، وذلك على أثر اللقاء التاريخي بين الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون والزعيم الصيني ماو تسي تونج سنة 1972. غير أنه رغم هذا التطور، ظلت تايوان هي الأقرب إلى قلوب الأميركيين بسبب سياستها الاقتصادية الرأسمالية، ونظامها الديمقراطي اليميني، ووجود استثمارات معتبرة لهم فيها منذ مطلع خمسينات القرن الماضي. وربما خير دليل على صحة هذا القول هو أن العلاقات التجارية بين واشنطن وتايبيه ظلت قائمة ومتنامية، كما أن الولايات المتحدة ظلت مورداً رئيسياً للسلاح والتكنولوجيا لتايوان. وإن شئت دليلا حديثا فهو أن الرئيس ترامب لم يبال بأي اعتراضات محتملة من قبل قادة بكين حينما قبل الرد على مكالمة التهنئة التي جاءته من الرئيسة التايوانية «تساي إينج وين»، على إثر فوزه برئاسة الولايات المتحدة في نوفمبر 2016، بل وتبادل معها حديثا سياسيا أخرج قادة بكين من صوابهم. وبينما حدث هذا في بكين كان زعماء وساسة تايبيه يرقصون فرحاً مؤملين النفس بعودة صورة من صور التعاون القديم بين بلدهم الجميل الناهض (لكن المعزول دوليا) والقوة العالمية الكبرى ممثلة في الولايات المتحدة، حتى وإنْ كان الثمن استخدام تايوان كمخلب قط في التنافس الأميركي والصيني. ويبدو اليوم أن بعض توقعات تايبيه في طريقها للتحقق. فالرئيس ترامب وقع مؤخراً «قانون السفر إلى تايوان» الذي يشجع المسؤولين الأميركيين من مختلف المستويات على زيارة تايوان للالتقاء بنظرائهم التايوانيين. غير أن الأهم من هذا هو موافقته على السماح لمتعاقدين أميركيين بمساعدة تايوان على بناء غواصات قادرة على حماية هذا البلد من أي قرار لاخضاعه بالقوة وإلحاقه بالبر الصيني مثلما هددت بكين مراراً وتكراراً من منطلق أن تايوان «إقليم صيني متمرد». وبالنسبة للسلطات التايوانية،عــُدّ القرار الأميركي بمثابة إختراق كبير لجهة طموحاتها في امتلاك أسطول بحري قوي تواجه به مخاوفها من التهديد الصيني المتزايد في مضيق تايوان، خصوصاً أن المضيق شهد في أواخر أبريل المنصرم مناورات عسكرية صينية ضخمة قادتها «ليواننج»، وهي حاملة الطائرات الصينية الوحيدة بمشاركة المدمرتين «جينان» و«تشانج تشون»، إضافة إلى أكثر من 10 آلاف عنصر من البحرية الصينية. والمعروف أن تايوان لديها عدد من الغواصات القديمة التي لا تصلح للاستخدام وقت الحرب. ولهذا قررت الرئيسة «تساي إينج» منذ وصولها إلى السلطة عام 2016 أن تبني تايوان أسلحتها بنفسها بما فيها الغواصات، خصوصا مع تذمرها من مماطلة الرئيس جورج دبليو بوش وخلفه باراك أوباما لجهة بيع تايوان عشر غواصات كانت قد طلبتها، ناهيك عن رفض ألمانيا وإسبانيا تزويد تايوان بتصاميم لبناء الغواصات خشية إثارة غضب بكين. وعلى حين كان المسؤولون التايوانيون يشكرون واشنطن على قرارها «الشجاع» ويؤكدون أنه سيعزز القدرات الدفاعية لبلدهم بالشكل الذي سينعكس إيجاباً على ملف الأمن والاستقرار في المنطقة، كان المسؤولون في بكين يحتجون على القرار الأميركي ويحذرون من انعكاساته «الخطيرة» على العلاقات الأميركية -الصينية. لقد قدر لكاتب هذه السطور زيارة تايوان أكثر من ست مرات في تواقيت مختلفة. خلال هذه الزيارات أتيحت لي فرصة التحدث إلى مختلف أطياف المجتمع التايواني باللغة الإنجليزية التي يجيدونها بطلاقة، وهذه، بطبيعة الحال، أحد المآثر التعليمية والتربوية لزعيمهم المؤسس الماريشال شيانج كاي شيك، فاكتشفتُ مدى الإيمان العميق بهويتهم الوطنية وخصوصيتهم واستعدادهم لبذل الغالي والنفيس دفاعاً عن الكيان الفريد الذي أسسه آباؤهم وأجدادهم من الصفر إلى أن بزغ وسط الأمم الصناعية ضمن نمور آسيا.

مشاركة :