الشعر دائما في المنطقة الرمادية وقراؤه أقلية نادرة

  • 5/14/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

يبحث الشعراء الشباب عن المناطق التي تشكّل لهم تحديا في الحفر على اشتغالاتهم الإبداعية، فلم تعد المناطق المسالمة أرضا للتنقيب عن ضالاتهم، ولا المساحات الجاهزة موئلا يركنون إليه ساعة الكتابة، بل تجدهم يجتهدون في البحث عن مناطقهم الخاصة والجديدة. في هذا الصدد توقفت “العرب” مع الشاعرة الكويتية الشابة مريم العبدلي للحديث معها عن تجربتها الشعرية الأولى وعن قضايا ثقافية أخرى. صدرت مؤخرا عن دار الفراشة الكويتية المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة الكويتية مريم العبدلي، حاملة عنوان “رواه عقل”، مقسمة إلى ثلاثة أقسام حملت عناوين مرتبطة بالموت والخوف والنهايات الوحشية لكائن غريب ومسالم، فقد حمل القسم الأول عنوان “فزع”، والثاني “صعق” بينما حمل الثالث عنوان “نشور”، ويجمع الأقسام الثلاثة بنص أخير يحيل القارئ لنصها الافتتاحي. عقل شعري وظّفت العبدلي في بعض النصوص أبطالا أسطوريين مثل هيرا، أوديب، سربيوس وإيزيس، في سياق مشاغبة شعرية لا تخلو من الهروب من الرقيب بمعناه الشمولي، وذلك ربما رغبة من الشاعرة في تمرير ما ترغب في قوله شعرا متكئا على المجاز والإحالة الأسطورية. وعن ذلك تقول مريم العبدلي “أعتقد بأن إحدى مهمات الشعر الحقيقية هي مواجهة الرقيب مواجهة صادمة، والهروب منه من خلال توظيف الفكر الأسطوري في النصوص. وهذه هي إحدى أهم مهمات الشعر التي أعتبرها شخصيا ضرورة ملحة كي يتحقق الهدف الأسمى أو الكلي للشعر بصورة ربما يعتبرها البعض مثالية نوعا ما. بالنسبة إلى توظيف الأبطال الأسطوريين فما هي إلا محاولة لخلق حالة جمالية في النص، وإضفاء نوع من القداسة والروحانية، وإيجاد قاعدة مشتركة تصل للجميع تتخطى حتى حدود القارئ العربي، وتضفي ديمومة إلى النص، فالفكر الأسطوري بمكانته فكرا وفنا وتاريخا بشكل عام -إضافة إلى القداسة التي يحملها- يزخر بالقيم الإنسانية بشكل لا يخفى على أحد”. وتتابع ضيفتنا “التحدي الحقيقي للشاعر يكمن في كيفية تشكيل هذه الأسطورة أو إعادة توظيفها من خلال الشعر بصورة أشبه ما تكون إلى خلق أسطورته الخاصة أو إعطاء بعد آخر وجديد لهذا التوظيف لم يسبقه له شاعر غيره تجنبا للرتابه والتكرار، فالأسطورة في الشعر الحداثي كما أراها محرض لا يستهان به للعقل، ولعملية التفكير على وجه التحديد، وأي نص لا يدفع بالمتلقي للتفكير والبحث هو نص فاقد لهويته”. أحد أدوار الشعر المهمة هو إعادة صياغة المفاهيم بشكل عام، فهو في عمقه فن التجاوز، التجاوز للغة والمعنى والسائد قادنا عنوان المجموعة للحديث عن الرأي التأسيسي الذي يقول إن الشعر لا عقل له، وأنه منبت الصلة بالوقائع ذات العلائق المنطقية، فهو مخيال مجازي تقوده الإشارة اللغوية إلى دلالة المعنى المتوالد من مفردة واحدة أو اثنتين أو ثلاث متجاورات. لنسأل الشاعرة كيف ينسجم ذلك مع عنوان المجموعة “رواه عقل؟”. وتجيب العبدلي “علينا أولا التفريق بين مفهوم العقل ومفهوم الفلسفة العقلية، فالعقل كما نعرفه هو قدرة الفرد على الإدراك، والتذكّر، واتخاذ القرارات، والتمييز والتحليل، ويرتبط كذلك بالذاكرة، والتفكير، والرغبات، والدوافع، الوعي واللاوعي. أما الفلسفة العقلية فهي تفسير طبيعة الظواهر العقلية كتفسير الحس والوعي والشعور والإداراك، إلى آخره. ‘رواه عقل‘ كعنوان يخضع للعقل بمفهومه الفلسفي، ولا يمكن تجريده من مفهوم العقل كقدرة إدراكية لأنه لولا العقل لما وجدت الفلسفة العقلية، من هنا جاءت التسمية، وذلك لأن طبيعة النصوص في الديوان نصوص فلسفية تحمل تساؤلات عن الوجود وطبيعة الكون. والشعر يقع دائما في المنطقة الرمادية بين الواقع والخيال إذ لا يمكن فصله عن هذه الثنائية”. مجموعة “رواه عقل” مسكونة بالمناجات الكونية، وكأنها تتوسم إعادة تشكيل العالم وفق مزاج الشاعرة الخاص، الأمر الذي يجعلنا أمام سؤال الشعر ودوره ووظيفته حيال العالم. وفي هذا السياق ترى شاعرتنا أنه ربما أحد أدوار الشعر هو إعادة صياغة المفاهيم بشكل عام، فالشعر في نهاية الأمر -حسب تعبيرها- هو “فن التجاوز”؛ التجاوز على اللغة، على المعنى وعلى السائد. تقول العبدلي “لا فائدة من نص لا يخلق نوعا من الدهشة أو الصدمة في نفس القارئ، فالشاعر في النهاية فرد من هذا العالم، له تجاربه الخاصة، ولا يمكن فصل الشاعر عن شعره، لذا فالمناجاة الكونية في النصوص هي ربما تخضع لرؤية خاصة بي كقارئة وكشاعرة”. هناك شعر كويتي في معرض حديثنا عن التجربة الشعرية الشبابية في الكويت ترى العبدلي أن هناك تجارب لافتة على الرغم من أن معظم الأقلام الشبابية الكويتية في الآونة الأخيرة تتجه بشكل مكثف وملفت إلى السرد والقصص القصيرة والرواية، ولا يمكن لأحد تجاهل نضج تجاربهم واقتناصهم لجوائز عديدة كبيرة ومهمة، ولهم دور لا يستهان به في نقل الرواية الخليجية للوطن العربي. نصوص فلسفية تحمل تساؤلات عن الوجود وطبيعة الكون نصوص فلسفية تحمل تساؤلات عن الوجود وطبيعة الكون تستأنف ضيفتنا رأيها قائلة “تبقى للشعر مكانته ولقراء الشعر تميزهم فهم من وصفهم الشاعر رامون خيمينيز ‘بالأقلية الهائلة‘. الأقلام الشبابية الكويتية التي تكتب الشعر سواء كان قصيدة التفعيلة أو القصيدة العمودية تتميز أقلامهم بجرأة الطرح، وخاصة على مستوى قصيدة النثر كوني الأكثر اطلاعا على هذا النوع من الشعر. هناك أسماء شبابية واعدة يندهش القارئ للتقنية المستخدمة في كتاباتهم وجرأة المواضيع المطروحة في نصوصهم ومدى عمق ونضج تجاربهم”. وترى العبدلي أن المشهد الشعري الشبابي في الكويت مبشر بشعراء رغم حداثة تجاربهم وقلة خبرتهم، إلا أنهم استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم على الساحة الشعرية ومجاراة إن لم تكن منافسة الجيل الذي يسبقهم منافسة جميلة ترقى للنهوض بمكانة الشعر من جديد. وقادنا الحديث إلى ملف الكويتيين البدون، وعن مدى جدية موقف المثقفين والمبدعين في الكويت في إيجاد حلول لقضيتهم، وكيف يقف جيل الشباب من المبدعين حيال هذا الملف الإنساني. وتقول مريم العبدلي مختتمة الحوار “قضية البدون بلا شك قضية معقدة جدا لأسباب سياسية كبيرة لا تخفى على أحد، وقد استغلها العديد من الساسة والمثقفين بطريقة أساءت لهذه القضية الإنسانية للأسف، اليأس يعني موت القضية وكل مثقف لا يحمل في قلبه وضميره قضية هو مثقف زائف. لا أحد ينكر دور المبدعين البدون في المشهد الثقافي الكويتي مع تحفظي على استخدام مفردة ‘بدون‘ فالأدب والفن والجمال والإبداع بمفهومه العام والشمولي من المعيب جداً ربطه واحتكاره بجنسية. الإبداع أكبر من هذا كله، ومن ينكر هذا الدور هو جاحد بلا شك”. وتضيف “الكويتيون البدون كما لا أحب تسميتهم هم جزء لا يتجزأ من التركيبة السكانية الكويتية، والمبدعون المثقفون منهم هم أيضا جزء كبير ومهم من المشهد الثقافي الكويتي، فالعديد من الكتاب الكويتيين والروائيين على وجه التحديد سلطوا الضوء على قضية البدون في رواياتهم، وهذا إن دلّ على شيء فلا يدل إلا على وحدة الهوية الانسانية، وأهمية هذه القضية في قلب كل الكويتيين. أتمنى أن يطوي هذا الملف للأبد،”.

مشاركة :