الهجرة إلى إسرائيل - مفهوم يتغير عبر الزمن

  • 5/14/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

إسرائيل تأسست كأرض لليهود، هذا ما أظهرته الهجرة منذ تأسيس الدولة. غير أن باب الهجرة إلى هذا البلد بقي مغلقاً في وجه بعض المهاجرين، خاصة الفلسطينيين والأفارقة منهم. قبل سبعين عاماً من اليوم، وبالتحديد في الـ 14 من أيار/ مايو، عندما انسحبت القوات البريطانية من فلسطين، وقرأ دافيد بن غوريون إعلان استقلال إسرائيل، وقف موشيه تسيمرمان على الشرفة، وبين يديه علم الدولة الجديدة. اليوم و بعد مرور سبعة عقود على هذا الحدث، تسيمرمان غير متأكد مما إذا كان بإمكانه فعلاً تذكر ذلك اليوم. ربما تجمعت حكايات عائلته وصورة قديمة له تظهره كصبي صغير مع الصورة التي تدور في ذهنه. تسيمرمان مؤرخ، ويعرف أنّ الذكريات يمكن أن تكون خادعة في بعض الأحيان. ولكن من الواضح أن اليهود في الماضي قد احتفلوا بتأسيس دولتهم، والتي كانوا بانتظارها لفترة طويلة. اليوم، وبعد 70 عاماً شهدت العديد من الحروب، هل يجب الاحتفال إلى هذا الحد بذكرى تأسيس الدولة؟ يتوقف موشيه تسيمرمان للحظة ثم يقول: "فرحة شخص هي ألم لشخص آخر". بالنسبة للشعب اليهودي، كان ذلك اليوم "بالتأكيد سبباً للاحتفال"، وفق ما قاله المؤرخ الفخري للجامعة العبرية في القدس، والذي درس في ألمانيا لفترة طويلة. لأنه آنذاك و بعد فظائع الهولوكوست التي لا يمكن تصورها والحرب العالمية الثانية، كانت إسرائيل الملاذ لأولئك الذين نجوا بطريقة ما في السنوات السابقة وفقدوا ثقتهم في وطنهم القديم جراء الحرب. في السنوات الأولى من تأسيس الدولة أتى العديد من اللاجئين من أوروبا إلى إسرائيل، الكثير منهم قضي أشهر عدة في معسكرات انتقالية. هيمنة يهود أوروبا الشرقية لم يكن لدى الجميع سبب للاحتفال في ذلك الوقت، كما يؤكد تسيمرمان: "لقد عانى سكان فلسطين من جراء ذلك". بالنسبة لهم كان ذلك اليوم هو بداية لجوئهم و نزوحهم. مباشرة بعد التأسيس أعلنت البلدان العربية المجاورة الحرب على البلاد حديثة العهد إسرائيل، والتي انتهت لصلحها في عام 1949. النصر جاء مع عملية "إخلاء واسع النطاق" للبلاد، كما تقول المؤرخة الألمانية-الإسرائيلية تامار عمار داهل. والنتيجة كانت 750 ألف فلسطيني تم تهجيرهم أو هربوا من فلسطين حتى نهاية الحرب. وبالنسبة لعمار داهل، والتي تدرس في جامعة برلين الحرة، فإنهم "الضحايا الأوائل" للتاريخ. ما بقي هو دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش زهاء نصف مليون يهودي و 100 ألف عربي بحسب تسيمرمان. 90 في المائة من اليهود كانوا يهودًا أوروبيين، معظمهم من أوروبا الشرقية. ووفقاً للمؤرخ فقد عانى هؤلاء في بلادهم كثيراً من قومية عدوانية معادية للسامية في أوائل القرن العشرين ويقول تسيمرمان: "من هنا نشأت ردة الفعل الوطنية لليهود في الرغبة في الدفاع، و حتى في استخدام العنف". ويتحدث المؤرخ اليهودي عن القومية اليهودية "العدوانية"، والتي جلبها المهاجرون معهم إلى إسرائيل والتي هيمنت على البلاد منذ ذلك الحين. المؤرخ اليهودي موشيه تسمرمان "نفور" من اللاجئين غير اليهود؟ موشيه تسيمرمان وكذلك عمار داهل يتحدثان عن دولة ترحب بالمهاجرين اليهود الذين ضمتهم إليها بشكل مكثف ولا تزال تضمهم حتى يومنا هذا، لكنها تنفر من اللاجئين والمهاجرين الآخرين. وقال تسيمامان "لقد وُضع شرط محدد وهو قبول اليهود فقط". ويمس هذا بشكل خاص الفلسطينيين الذين يأملون في العودة إلى وطنهم منذ أجيال، كما يتأثر من هذا أيضاً اللاجئون من إفريقيا، الذين يريدون اللجوء إلى إسرائيل، ويأتي العديد منهم على وجه الخصوص من إريتريا المنعزلة في شرق أفريقيا. وكما يقول تسيمرمان، تقابلهم الدولة اليهودية بـ "النفور". يعيش ما بين 40 ألف و 60 ألف من "اللاجئين غير الشرعيين من إفريقيا"، في إسرائيل، غالباً داخل معسكرات العمل القسري. هؤلاء هم الأشخاص الذين يُطلق عليهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اسم "الغزاة". إسرائيل، تحاول إخراجهم من البلاد، كما يحب نتنياهو التأكيد دائماً. وذلك على الرغم من أن إسرائيل ليست دولة دينية، فهي ترى نفسها دولة يهودية، خاصة بالنسبة لليهود فإنها "مصلحة وطنية"، كما تقول المؤرخة عمار داهل. لقد تم الترحيب باليهود منذ تأسيس الدولة. ويتم تعريف هذا في إطار ما يسمى بقانون العودة، والذي يسمح للأشخاص من أصل يهودي بالهجرة إلى إسرائيل. سفينة نازحين يهود في ميناء حيفا في خمسينيات و ستينيات القرن الماضي، انتقل العديد من اليهود من شمال أفريقيا والعراق ومصر وإيران إلى إسرائيل. أسباب هجرتهم، كما تشرح عمار داهل، متعددة. إذ أن السبب لدى البعض كان هو الرغبة الدينية في الانتقال إلى أرض اليهود، في حين دفع الخوف البعض الآخر إلى الهجرة، وهو خوف على حياتهم ومكانتهم من تهديد الصراعات بين إسرائيل والدول العربية المجاورة. وتضيف عمار داهل: "من المؤكد أن القومية العربية في خمسينات وستينات القرن الماضي أعطت زخماً كبيراً لهجرة العديد من اليهود العرب إلى إسرائيل" .أما تسيمرمان فيعتقد أن الهجرة غيرت البلاد". المجتمع، الذي يهيمن عليه المهاجرون واللاجئون القادمون من أوروبا، أصبح متعدد الألوان والأجناس. فمنذ منتصف الستينيات من القرن الماضي، كان نصف السكان الإسرائيليين هم من أصول أفريقية وآسيوية. موجات هجرة عديدة  في عام 1990، ظهرت "ثورة في ديموغرافيا" الدولة الإسرائيلية، فقد كان الاتحاد السوفييتي يمنع اليهود من الهجرة. ومع انهياره، انتقل نحو مليون يهودي من المنطقة إلى إسرائيل وقاموا بتغيير البلاد مرة أخرى. إذ أنه من بين ثمانية ملايين إسرائيلي اليوم، هناك واحد من كل ثمانية جاء من الاتحاد السوفييتي السابق، حسب تقديرات المؤرخ تسيمرمان. هؤلاء المهاجرون أحضروا ثقافتهم ولغتهم أيضاً معهم واستمروا في التواصل معها، لهذا كثيراً ما يسمع المرء اللغة الروسية في الشارع، حسب تسيممان، وذلك لأن العديد من المهاجرين الجدد هم أقل رغبة في تعلم اللغة العبرية مقارنة بالمهاجرين الأقدم في البلاد. مظاهرات للاجئين أفارقة ضد الحكومة الإسرائيلية في تل أبيب. هل تشهد إسرائيل حالياً موجة جديدة من الهجرة، وهذه المرة من يهود أوروبا الذين فروا من معاداة السامية في أوروبا؟ يرى تسيمرمان أنّ هناك معاداة للسامية في أوروبا بلا شك، لكن الهجرة إلى إسرائيل لا تزال بذاك الحجم، الذي تحب الحكومة الإسرائيلية تصويره. وكل شيء آخر هو دعاية إسرائيلية. ويعتقد المؤرخ اليهودي أن اليهود الذين فقدوا الإحساس بالأمان في أوروبا، هاجروا بالأحرى إلى كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية. ويعود السبب إلى أن "جاذبية أرض إسرائيل قد تلاشت" حسب وصفه. إسرائيل باتت في نزاع دائم مع الدول المجاورة، كما لم تعد أوروبا تقارن مع وضع أوروبا ما بعد الحرب، حيث كان لابد من إعادة بناء جزء كبير من الاقتصاد والمجتمع. وتشير المؤرخة عمار داهل إلى أسباب أخرى منها تطور الصراع في الشرق الأوسط منذ مطلع الألفية وكذلك الانتفاضة الثانية وحروب غزة والحرب مع لبنان. كما يمكن أيضاً إضافة الصراع السوري والصراع مع إيران إلى ذلك. وتقول المؤرخة أنها ليست متأكدة من أن إسرائيل هي في الواقع الملاذ الآمن الذي كان عليه في سنوات تأسيسها. نعومي كونراد / إ. م

مشاركة :