يلتقي وزراء الخارجية والري ورؤساء أجهزة المخابرات بكل من مصر والسودان وإثيوبيا اليوم (الثلاثاء) في الاجتماع «التساعي» الثاني حول سد «النهضة» في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وسط أجواء من التوتر والاتهامات المتبادلة، لا تنبئ عن توافق قريب، بحسب مصدر مصري تحدث لـ«الشرق الأوسط»، مشيرا إلى أن «مصر لديها أوراق أخرى ومسارات بديلة لحل الأزمة في جميع الأحوال».ويتمحور الخلاف الحالي بين مصر من جهة، وإثيوبيا والسودان من جهة أخرى، حول التقرير الاستهلالي، الذي أعده مكتب استشاري فرنسي، لدراسة مزمع تنفيذها عن طريقه، تحدد الآثار السلبية المحتملة للسد الإثيوبي من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.وعبر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، عن قلقل بلاده من التعثر المستمر للمفوضات، قائلا أمس: «هناك حالة ترقب واسعة حول مدى قدرته (الاجتماع) على تجاوز التعثر القائم في المسار الفني الثلاثي». وأوضح المتحدث، في بيان له، أن الاجتماع يأتي في إطار متابعة نتائج الاجتماع التساعي الأول الذي عقد في الخرطوم يوم الرابع من أبريل (نيسان) الماضي، بناء على توجيهات قادة الدول الثلاث خلال اجتماعهم على هامش القمة الأفريقية في أديس أبابا في يناير (كانون الثاني) الماضي.وبحسب المتحدث، يأتي الاجتماع على خلفية عدم تمكن الاجتماع الأخير للجنة الفنية الثلاثية الذي عقد في أديس أبابا في الخامس من مايو (أيار) الحالي، من تحقيق تقدم على مسار اعتماد التقرير الاستهلالي للمكتب الاستشاري، والذي وافقت عليه مصر، ومن ثم استمرار تعثر مسار استكمال الدراسات الخاصة بتحديد الآثار السلبية المحتملة للسد على دولتي العبور والمصب وكيفية تجنبها.وأعرب المتحدث عن تطلع مصر لتمكن الاجتماع التساعي رفيع المستوى من تنفيذ توجيهات القادة بإيجاد حلول للعقبات القائمة في أعمال اللجنة الفنية الثلاثية، واستكمال مسار الدراسات التي أكد عليها اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 لتحقيق المنفعة المشتركة لجميع الأطراف، وتجنب الإضرار بأي طرف، والبناء على الإمكانيات والفرص الكبيرة المتاحة للتعاون الثلاثي في مختلف المجالات مثل التجارة والاستثمار والتعاون الفني وغيرها.وكان السودان قد ألغى اجتماعا، كان قد دعا لانعقاده أول من أمس، بحضور وزراء المياه في الدول الثلاث، بعد اعتذار الجانب المصري عن المشاركة. وقال مصدر مصري، رافضا ذكر اسمه: «الحوار وفق مستوى سياسي سيكون أفضل، بعد أن فشلت الاجتماعات الفنية في التوافق».وعلى مدار الأيام الماضية، سادت أجواء من التوتر واتهامات متبادلة حول أسباب عدم التوافق. وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري، الأسبوع الماضي: «لم يتم تجاوز التعثر الذي دام لأكثر من سنة، نظرا لاستمرار إثيوبيا والسودان في التحفظ على التقرير المبدئي للشركة المستقلة الدولية، حتى يتم إطلاق عملها لتنفيذ العقد المبرم لوضع الدراسات التي تشير إلى الآثار المترتبة على بناء سد النهضة».في المقابل، أعربت إثيوبيا عن «عدم رضاها» عن تصريحات شكري. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، ملس ألم، أول من أمس، إن بلاده تأسف من تصريحات الوزير باتهام إثيوبيا بالتسبب في تعثر المفاوضات.ووصف المسؤول الإثيوبي تصريحات شكري بأنها «تتناقض مع مبادئ ما وضعه رؤساء الدول الثلاث، لافتا إلى أن الاجتماع الثلاثي حول السد كان «بناءً على روح التعاون بين البلدان الثلاثة». وأضاف أن «مثل هذه التصريحات نخاف أن يكون لها تأثير لاجتماع وزراء الخارجية والموارد المائية والمخابرات للدول الثلاث الذي سينعقد في 15 من شهر مايو». وأشار إلى أن «السودان وإثيوبيا قدمتا تقريرا حول المشروع الاستهلالي للشركة الاستشارية الفرنسية لتصحيح بعض القضايا، ولكن مصر عاقت هذه القضية».وتخشى القاهرة من احتمال أن يؤثر السد سلبا على تدفق حصتها السنوية من نهر النيل، والتي تقدر ب 55.5 مليار متر مكعب سنويا. بينما تقول إثيوبيا إن السد سيحقق لها فوائد كثيرة، لا سيما في إنتاج الطاقة الكهربائية، ولن يُضر بدولتي المصب، السودان ومصر.وسبق أن اتفق قادة الدول الثلاث في يناير الماضي، على تشكيل لجنة «تساعية» لإيجاد مخرج للأزمة الفنية في مهلة شهر، ومن ثم تحديد آلية التخزين وقواعد التشغيل للسد بشكل لا يتسبب في ضرر لدول المصب، إلا أنه لم يتم التوصل لحل حتى الآن.الدكتور محمد نصر الدين علام، وزير الري الأسبق، تحدث لـ«الشرق الأوسط»: مؤكدا أنه «رغم إدراك مصر أن إثيوبيا تعمل على إهدار الوقت وإطالة أمد المفاوضات لحين الانتهاء من بناء السد تماماً، وفرضه كأمر واقع، لكن على مصر الاستمرار في المفاوضات، أولا على أمل الوصول لحلول توافقية حتى وإن كانت بعيدة، ثانيا لإثبات للعالم أجمع حسن النية في مقابل التعنت الإثيوبي، وأن يتم تسجيل ذلك في محاضر رسمية، يتم استخدامها لاحقا».وأضاف علام: «استمرار المفاوضات غير المجدية حتى الآن لا يعني عدم اتباع مسارات جديدة موازية، لكن لا يجب الانسحاب حاليا، فالدبلوماسية المصرية تدرك المراوغات المتبعة ولديها باع طويل في ذلك». ودعا المسؤولين في مصر إلى «استدعاء الأصدقاء في المحيط الإقليمي والدولي للضغط على إثيوبيا ومحاصرتها بهدف حماية أمنها المائي وعدم الإضرار بها».
مشاركة :