الأفلام القصيرة تهيمن على مهرجان السينما الفلسطينية بلندن

  • 11/30/2014
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

في أعقاب الهجمات الإسرائيلية على غزة عام 2008-2009 قدم المخرج التونسي وليد مطر فيلما قصيرا بعنوان «تنديد» يدور حول مقهى يمر بظروف صعبة كي يتمكن من البقاء ويتدفق عليه الزبائن خلال الليل لمتابعة البرامج التلفزيونية التي تتناول أخبار المذابح. ويمثل الفيلم الذي لا تتجاوز مدة عرضه 15 دقيقة من الكوميديا السوداء صفعة حادة على وجه التنديدات التي أطلقها الناس من بعد ضد الهجمات التي تعرض لها الفلسطينيون آنذاك. ويعد «تنديد» واحدا من كثير من الأفلام القصيرة الذكية المقرر عرضها خلال مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن الذي تبدأ فعالياته هذا الأسبوع. وتوزع الأفلام المشاركة على امتداد برنامج من الأفلام الوثائقية التاريخية والمعاصرة، بجانب مجموعة فريدة ومتنوعة من الأفلام الطويلة المنتمية للكوميديا والمغامرات والسريالية. الملاحظ أنه بوجه عام ورغم تميزها بسرد قوي وتأثيرات إبداعية، عادة ما تجتذب الأفلام القصيرة اهتماما نقديا أقل. واللافت أن الشرق الأوسط تحول لمركز خصب لإنتاج الأفلام القصيرة بأعداد تفوق بكثير الأفلام الطويلة، ما يثير التساؤلات حول الأسباب وراء هذه الزيادة المستمرة في إنتاج الأفلام القصيرة، وما يحمله هذا من دلالات لمستقبل صناعة الأفلام. من جهتهما، أكد مهند يعقوبي وسامي سعيد، وهما منتجان بشركة «إيديم فيلمز» في رام الله، أنه «لا نعلم في الواقع السبب وراء هذا الانتشار الكبير للأفلام القصيرة بالشرق الأوسط، لكن نعتقد أن الأمر ربما يتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي والعادات التي أفرزتها هذه الشبكات». جدير بالذكر أنه خلال العقد الماضي، أنتجت «إيديم فيلمز» 3 أفلام طويلة وأكثر من 30 فيلما قصيرا. ومن المقرر أن يشهد مهرجان الفيلم الفلسطيني هذا العام تنظيم عرض خاص لفيلمين قصيرين من إنتاج «إيديم فيلمز»، قبل إطلاقهما رسميا للعرض الأول في دبي، إضافة إلى مزيج من 9 أفلام قصيرة بعنوان «وقت معلق» يعرض لقطات سريعة على امتداد 10 سنوات منذ اتفاق أوسلو. يحوي برنامج المهرجان أفلاما تتناول موضوعات سياسية واجتماعية وإنسانية وتستخدم مجموعة متنوعة من التكنيكات. ومن بين التكنيكات التجريبية الجديدة استخدام نصوص شعرية أو سريالية وتصوير فترات زمنية متنافرة وصورة تنم عن حالة هيستيرية. من الأفلام التي أنتجتها «إيديم فيلمز»: «لا خروج» ومن إخراج يعقوبي وتأليف الكاتب عمر الخيري المقيم بلندن. ويعتمد نص الفيلم على سياسات الانتظار فيما يتعلق بالعودة لغزة والفكرة التي أبدعها المؤلف المسرحي صامويل بيكيت في رائعته «في انتظار غودو» كنقطة بداية له، ويحمل المشاهدين إلى داخل وخارج أماكن ذهنيا، بينما يظلون بصريا داخل المكان بعينه - حافلة نقل ركاب في لندن. خلال الفيلم، مزج المخرج والمؤلف بين تكنيكات السينما والمسرح واهتماماتهما السياسية المشتركة، ليثمر في النهاية فيلما يروي قصة قديمة من خلال أسلوب سرد رائد. وعن الفيلم، أوضح الخيري أنه: «بالنسبة لي، عادة ما تكون القصة التي ترغب في سردها هي العامل المحدد لشكل الفيلم. وكان لدينا إصرار على عدم تقديم فيلم يسير في صورة خطية». أما فيلم «لعبة ترانزيت» لأنا فهر فمختلف تماما، ذلك أنه نظرا لكونها مخرجة أفلام وثائقية، دمجت فهر في فيلمها قد أكبر كثير من العناصر الواقعية رغم كون هذا الفيلم أول أفلامها الروائية. تركز فهر على فكرة المنفى المتنامية داخل الشرق الأوسط من خلال جيلين من اللاجئين من سوريا وفلسطين يلتقيان على طريق جبلي منعزل في لبنان. وعن فيلمها، قالت فهر: «توجهي إزاء صنع الأفلام الوثائقية غالبا ما يضم تكنيكات السرد القصصي. لذا أرى أن التوجهين مرتبطان ببعضهما البعض على نحو معقد». من بين الأفلام الدرامية القصيرة الأخرى التي تتناول وقائع سياسية واجتماعية راهنة «المنسي» لإيهاب طرابية، والذي يدور حول رجل متقدم في السن يتولى مهرب معاونته على عبور الحدود السورية. ومع تطلعه نحو العثور على منزله القديم على مرتفعات الجولان، تسيطر على ذهن الرجل أفكار تتعلق بموته وما الذي سيتبقى من ذكراه ومنزله القديم. أما فيلم «ازرقاق» لراما ماري فيصور ذروة موقف غامض من العنف الأسري، ويسلط الفيلم الضوء على الأضرار التي لحقت بمجتمع بعد عقود من أعمال القتل. ومع تناوله قضايا واقعية في إطار قصير، يعتمد الفيلم بدرجة بالغة على اللمسات الجمالية مع هيمنة اللون الأزرق عليه في ظل جو عام من الانعزال والسرية. إلا أن أساليب العرض المبتكرة تبلغ ذروتها مع فيلم «الشجيعية: أرض الشجعان» لهديل أصالي والذي لا تتجاوز مدة عرضه 6 دقائق. وتدور أحداث الفيلم خلال ذروة الهجمات التي عانتها غزة الصيف الماضي. ويعتمد الفيلم على صوت رجل من غزة يصرخ مستنجدا بأفراد «الصليب الأحمر»، بينما تتوالى صور من صيف سابق شهد أياما أجمل. من جهتها، قالت أصالي: «عملت على الأفلام القصيرة منذ فترة، وخضت تجارب حول كيفية توصيل المحتوى المكثف للقصص القادمة من غزة، مع تخفيف حدة الصفعة عبر عرض صور أكثر جذبا للعين». ويحمل هذا الفيلم صوتا يعبر عن الإلحاحية، في الوقت الذي تبقى فيه صورة غزة تدور حول حياة طبيعية ووجوده أطفال يمارسون حياتهم اليومية ولحظات أسرية دافئة، مما يعمق التأثير الإنساني للفيلم. من ناحية أخرى وفيما يتعلق بغزارة إنتاج الأفلام القصيرة في الشرق الأوسط، يرى يعقوبي وسعيد أن هذا ربما يشكل أساليب جديدة لكيفية رؤية المشاهدين للأفلام، منوهين بأن تنامي إنتاج الأفلام القصيرة يشي بزيادة مستويات المشاهدة عبر الإنترنت والهواتف الجوالة. إلا أنه على الجانب الآخر فإن المنطقة ربما تشهد قريبا ازدهارا في إنتاج الأفلام الروائية الطويلة. وعليه فإن ما نعاينه الآن من تنامي في إنتاج الأفلام القصيرة قد يكون مرجعه لحرص المخرجين الناشئين على التدريب وشحذ قواهم قبل المغامرة بإخراج أفلام أطول. في هذا الصدد، اعترفت فهر بأنه: «لدي بالفعل فكرة لفيلم روائي طويل مستوحاة في الجزء الأكبر منها من فيلمي القصير». ويحمل الخيري بداخله طموحات مماثلة، حيث قال: «أعمل حاليا في فيلم قصير جديد، يحمل طابعا تلفزيونيا تقليديا أكبر من (لا خروج) - مع مداعبة فكرة صناعة فيلم روائي طويل لمخيلتي بالفعل». ومع ذلك، يحمل هذا الأمر دلالات مختلفة تماما من منظور صناعة الأفلام بالنسبة ليعقوبي وسعيد باعتبارهما منتجين، حيث أعربا عن عدم اتفاقهما مع الرأي القائل بأن موجة الازدهار الراهنة في إنتاج الأفلام القصيرة في العالم العربي تمثل مؤشرا على ازدهار وشيك في صناعة الأفلام الطويلة. وأشارا للحاجة إلى مشاركة موزعين أوروبيين كي تتمكن الأفلام من جني أموال. إلا أنهما استطردا مؤكدين أن الصورة ليست «مظلمة تماما»، حيث يحاول الكثير من المنتجين والمخرجين تجريب أشكال جديدة واستغلال فرص التوزيع الرقمي، بجانب توافر مزيد من التمويل من قبل موارد ومؤسسات محلية خلال الأعوام الـ5 الماضية وإبداء شركات خاصة ومؤسسات أكاديمية اهتمامها بالمشاركة في إنتاج الأفلام. انطلقت فعاليات مهرجان الأفلام الفلسطينية بلندن في 28 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 11 ديسمبر (كانون الأول) داخل مركز باربيكان وجامعة لندن.

مشاركة :