القوة الشعبية تغطي مؤقتا على الفشل السياسي الفلسطيني

  • 5/16/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

رغم اللطمة التاريخية المتمثلة في نقل السفارة الأميركية للقدس تصدرت القضية الفلسطينية مجددا اهتمامات دوائر إقليمية ودولية كثيرة، على خلفية التطورات الأخيرة، في ذكرى النكبة. والتي تأتي حاملة معها أسئلة كثيرة: إلى أين تسير الأمور في هذا المنعطف التاريخي الحاد؟ وهل ما نرصده ونراقبه مجرد هبة ستتوارى بعدها القضية الفلسطينية في غياهب النسيان وتضيع القدس نهائيا؟ هل تستمر المتابعة والاهتمام والقلق على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية والعربية بنفس الزخم أم تتراجع على سلم الأولويات؟ يمكن أن نجيب من خلال تقييم عوامل النجاح والفشل في يد الطرف الفلسطيني في مواجهة إسرائيل، وإذا بدأنا بالأسوأ والأخطر نجد على رأسها الطموح المتدني للإدارة الفلسطينية، في رام الله أو غزة. الهدف من المواقف والمساعي يقتصر على “التحريك” والبقاء على مسرح الأحداث، وتحسين شروط الاعتقال وليس السعي لحل حاسم. صراع ديني تجري الآن سياسة التحريك التي تبنتها مصر لفترة وطبقها الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ببراعة على مدار حياته النضالية، لكن بسقف مطالب وأهداف منخفض للغاية الآن، مقابل محاولة أكثر جدية من قبل إسرائيل لانتزاع حقوق الفلسطينيين وابتلاعها تماما. كان من المفترض أن يصب تحويل الصراع من إسرائيلي- فلسطيني إلى صراع عربي- إسرائيلي، ثم صراع ديني، في مصلحة الفلسطينيين، لكن من الواضح أن ذلك سيكون من عوامل إنهاك القضية الفلسطينية. وأقر محمود الهباش، مستشار الرئيس الفلسطيني، في تصريحات لـ”العرب”، بتفعيل إسرائيل المتعمد والمخطط للعامل الديني في الصراع، “كل السياسات الأميركية والإسرائيلية الآن في موضوع القدس تأخذ الصراع إلى المربع الديني”. استنكار دولي وسط تطلعات أن يتحول إلى فعل استنكار دولي وسط تطلعات أن يتحول إلى فعل وأكد أن خطورة التحول التام إلى صراع ديني، تكمن في أنه يتيح التخلص بكل عنصرية من فلسطينيي الداخل سعيا لدولة يهودية خالصة، كان بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أشار إليها مجددا في خطابه عند افتتاح السفارة الأميركية في القدس، الاثنين. وإذا كانت المشاعر المسيحية قد تمت دغدغتها بجلب قس غريب ومتقلب المواقف لحضور الافتتاح وإلقاء كلمة، فإن العالم الإسلامي منشغل ومنقسم في تلك المرحلة أكثر من أي فترة أخرى. النعرة الطائفية غالبة وخطر المد الشيعي وتمكنه خلال شهور قليلة من امتلاك سلاح نووي يجعل دعم الطرف الفلسطيني في مواجهة الصهيونية المتاجرة بالدين خجولا. على رأس عوامل الفشل في إدارة المواجهة غياب العمل الجماعي عن الهبات الفلسطينية الغاضبة. ففي ظل غياب الإرادة الحقيقية للمصالحة لم نجد أن أهل الضفة ينتفضون بشكل قوي لنصرة القدس ووقف المجزرة ضد سكان غزة، ولم نجد ضغطا سياسيا مؤثرا على الحكومة الإسرائيلية. لم نر عملا منسقا مع فلسطينيي الـ48 بسبب مخاوف متبادلة وعدم القدرة على تجاوز عوائق وحسابات معقدة. فقد انطلقت مظاهرات شارك فيها أيمن عودة، رأس القائمة العربية للكنيست ويوسف جبارين، وأعضاء في لجنة المتابعة على رأسهم محمد بركة، بينما توارى باقي أعضاء الكنيست العرب، مع أنه سبق أن حشدوا الرأي العام في قضايا أقل أهمية، بل وساند أحدهم إسرائيل ونتنياهو في الضغط على بولندا بشأن قانون أصدرته يمنع إسرائيل من الاستمرار في ابتزاز البولنديين بحجة المشاركة في “جرائم نازية”. هناك من يتعامل مع هذا العامل كعنصر داعم بدأ استغلاله يتحسن وهذا ما عبر عنه المفكر الفلسطيني إلياس نصرالله، قائلا لـ”العرب” “بالنسبة لفلسطينيي الـ48، أنا سعيد بأن العرب بدأوا ينتبهون لوجودهم ودورهم العظيم داخل إسرائيل، وبرز دورهم يوم نقل السفارة بشكل خاص”. وأضاف أن “هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها دور فلسطينيي الـ48 الذين جرت مقاطعتهم في الماضي وعدم نقل أخبارهم”. وأوضح أن “لديهم أنشطة متنوعة لإحياء ذكرى النكبة ويوم الأرض، وضد هدم المنازل في القرى العربية وضد تهجير ما يسمى بدو النقب، الذين لم يعودوا بدواً منذ زمن طويل وتسعى إسرائيل إلى تهجيرهم من قراهم وأراضيهم”. قضية متسمرة انتزاع أبسط الحقوق وأقلها، في مقدمتها الحق في الحياة انتزاع أبسط الحقوق وأقلها، في مقدمتها الحق في الحياة من عوامل القوة والنجاح عدم انكسار الإرادة الفلسطينية، ففي ظل ضغوط وحشية وأدوات محدودة تستمر المقاومة بأشكال متعددة. في هذا السياق قال محمود الهباش لـ”العرب” “استطعنا أن نحشر أميركا وإسرائيل في الزاوية، وستتحسن الأوضاع لصالحنا، إذا تلقينا دعما ومساندة أكبر”. ويمكن ملاحظة الابتكار في المقاومة الفلسطينية، من خلال فتح ستار حرق الإطارات وتحريك خيام الاعتصام في مسيرة العودة، وإطلاق طائرات ورقية بألوان علم فلسطين، وبالونات مملوءة بغاز الهيليوم وتحمل شعلة تسقط في الجانب الإسرائيلي، مسببة أضرارا ومخاوف. من عوامل القوة التي لم يتم استثمارها بشكل فعال حتى الآن التعاون البناء أمام أنظار العالم مع يهود فلسطين أي الجماعات الرافضة والمعادية للصهيونية من بين اليهود مثل ناطوري كارتا، ويرون أن حائط المبكى (حائط البراق) محتل من قبل الصهاينة ولا تجب زيارته. وتأتي مواقف أكثر من 100 حاخام حرموا زيارة “جبل الهيكل” -وهو المصطلح الديني الذي يشيرون به إلى الحرم القدسي- وإبراز مواقف أصوات إسرائيلية معتدلة رفضت المشاركة في الاحتفالات بالسفارة الأميركية، في إطار “مواقف أحادية الجانب”، حسب ما صرحت به تمار زندبرج رئيسة حزب ميرتس اليساري. ويعتقد المفكر الفلسطيني إلياس نصرالله، في تصريحات لـ”العرب” “أن الهبات الفلسطينية ضد الاحتلال ستتكرر وتتصاعد، لأن الفلسطينيين يواجهون استفزازات إسرائيلية يومية، علاوة على أن استفزاز المشاعر فاق المدى، فقتل الأبرياء وجرح وتشويه المئات، يجريان والعالم صامت، ما جعل إسرائيل تشعر بقوة أكثر من أي وقت مضى وأنها قادرة على تصفية الوجود الفلسطيني، ما جعل المقاومة مستمرة، رغم وقوع ضحايا بشكل غير مسبوق، سوى في الحروب والاجتياحات الإسرائيلية الشاملة”. تشي المعطيات الراهنة بأن هناك ضغطا على إسرائيل، لفت أنظار العالم حتى عن حفل افتتاح السفارة. وأدت التضحيات إلى قيام أطراف دولية بتقديم دعم معنوي للفلسطينيين، تُرجم في فتح إسرائيل الفوري لمعبر كرم أبوسالم مع غزة، رغم إحراقه ثلاث مرات خلال اشتباكات قوات الاحتلال مع المتظاهرين. يمكن القول إن كل السيناريوهات مفتوحة والمواجهة الشاملة غير مستبعدة، والأمر يحتاج إلى رأب سريع للصدع الفلسطيني- الفلسطيني، وتضافر لجهود كل الأطراف بإيقاع سريع، للحفاظ على ما تبقى من حقوق، وانتزاع أبسط الحقوق وأقلها، في مقدمتها الحق في الحياة. ومن المهم استغلال هذه اللحظة لكشف عورات إسرائيل أمام العالم، والتفاهم بين القوى المختلفة، ونبذ الصراع الداخلي، وتغليب المصالح الوطنية على المصالح الحركية، لأن إسرائيل ستعيد ترتيب أوراقها وتستغل هذا الجانب، لتفرغ الغضب الفلسطيني من مضامينه السياسية، فقد أصبحت تواجه مأزقا خطيرا لن تجعله يمر بسلام، من دون محاولة تكبيد الطرف الفلسطيني خسائر فادحة.

مشاركة :