مكاسب الدولار تربك الاقتصاد العالمي

  • 5/17/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان* تقدم الاحتياطي الفدرالي على غيره من البنوك المركزية الرئيسية على مسار تشديد سياسته النقدية، الأمر الذي زاد حدة هذا العام بسبب مكاسب الدولار والتباين غير المرغوب فيه في قوة البيانات الاقتصادية وتوقعات النموتعكس الحالة الأرجنتينية أحدث كوارث ارتفاع قيمة الدولار المرشحة للانتشار لتشمل معظم الاقتصادات الناشئة والصاعدة في ظل تباين السياسات النقدية بين الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة وفوارق معدلات النمو التي تميل لصالح الاقتصاد الأمريكي.ويلاحظ أن الاحتياطي الفدرالي الأمريكي تقدم على غيره من البنوك المركزية الرئيسية في العالم على مسار تشديد سياسته النقدية، الأمر الذي زاد حدة هذا العام بسبب مكاسب الدولار والتباين غير المرغوب به في قوة البيانات الاقتصادية وتوقعات النمو بينها وبين دول العالم المتقدم.وخلال عام 2017 راهنت الأسواق على مؤشرات نمو مشجعة خارج الولايات المتحدة خاصة في منطقة اليورو، نتج عنها تراجع في مقياس وزن الدولار التجاري بنسبة 10%. وتبع ذلك تحسن في تدفق الاستثمارات على أوروبا والأسواق الناشئة، حيث سعى المستثمرون للاستفادة من الانتعاش والتوسع والرهان على ارتفاع معدلات العائد في حال تحسنت قيم العملات.إلا أن الأشهر الأخيرة شهدت مفاجآت في مؤشرات قياس الأداء الاقتصادي حيث تراجع زخم النمو في أوروبا وخارجها.ولعل أبرز المؤشرات على تغير رهانات الأسواق هبوط مؤشر توقعات رفع الفائدة في بريطانيا من 90% إلى 20% بداية شهر مايو/أيار وذلك في غضون أسابيع قليلة. واليوم لم يعد المستثمرون يبحثون عن العائد الأعلى في أوروبا والاقتصادات الناشئة وقد نزفت بعض الاستثمارات خارج منطقة اليورو. وهذا يعني أن العوامل الاقتصادية والمالية سوف تغذي مكاسب الدولار.والحل الوحيد لوقف ذلك الارتفاع وتهدئة نزوح الأموال هو في اتخاذ قرارات سياسية فاعلة.ومما يبعث على التفاؤل وجود العديد من الأدوات التي يمكن توظيفها لضبط مخاطر سوء توزع الاستثمارات.لكن من الضروري أن يتم استخدامها على نطاق أوسع ضمن كل بلد وبالتنسيق مع الدول الأخرى.وقد يرى البعض أن مسار الدولار الصعودي مستمر حتى يستعيد الاقتصاد العالمي توازنه على المدى البعيد.إلا أن تجربة الأرجنتين أكدت أن الارتفاع غير المنضبط لعملة عالمية مهمة كالدولار لابد أن يترك آثاره السيئة في مناطق أخرى من العالم.ومعلوم أن الاقتصادات الناشئة تتأثر دوماً بهذه الظاهرة. فقد حافظت الكثير من الدول على ربط عملاتها بالدولار إبان الأزمة الآسيوية في التسعينات وعمدت الحكومات إلى الاستدانة بقوة بالدولار رغم أن معظم عائداتها تتم بالعملة المحلية وهو ما يعتبره خبراء الاقتصاد «خطيئة جوهرية».وتعتمد العديد من الدول الناشئة اليوم معدلات أسعار فائدة مرنة وقد نجحت في تقليص أعباء الدين من خلال الاقتراض من بنوك محلية بالعملة الوطنية لكن ذلك لن يحميها من هشاشة التعرض لمشاكل الديون.ويرجع ذلك إلى سببين أولهما أن عوامل مثل غياب التذبذب في أسواق المال لفترة طويلة مؤخراً وفوائد قروض الدولار المنخفضة جداً وضعفه، حفزت موجة جديدة من تدفق الأموال على الأسواق الناشئة بما فيها «الدولارات السائحة» التي تهرب لمجرد ظهور أدنى مؤشر على أزمة محتملة. والثاني أن عدداً متزايداً من شركات الاقتصادات الناشئة لجأت للاقتراض بالدولار مستغلة سخاء أسواق المال الاستثنائي، ما يعني رفع احتمال تعرضها لأسعار فائدة أعلى وتقلبات أسعار العملات.وهكذا تحولت عوامل التغيير الخارجية إلى مصدر خطر جدي خاصة على دول مثل الأرجنتين، تعاني أصلاً سوء الإدارة وعجزاً ضخماً في حساباتها الجارية وغيرها من المشاكل المالية متزامناً مع حرصها على متابعة عدد من البرامج في غياب الأدوات المالية المناسبة.وما هي إلا مسألة وقت حتى تنتشر الأزمة في الأسواق الناشئة وتنتشر معها قوانين تشديد السياسات المالية والنقدية.ووسط هذا المشهد المضطرب ينبغي على صناع القرار تطبيق معايير تضمن تخفيف الضغوط عن أسواق العملات. أولاً وقبل كل شيء اتباع استراتيجية دعم النمو خاصة في منطقة اليورو التي تواجه عقبات كأداء رغم المكاسب التي حققتها. أما الأسواق الناشئة فمطالبة بالحفاظ على قوة موازينها الختامية وفهم ديناميات أسواق المال بشكل أعمق.ولا بد من تعزيز الخطوات المحلية في كل بلد بالتنسيق عبر الحدود خاصة من أجل تجنب الدوران في حلقة مفرغة. ولا شك في أن دور صندوق النقد الدولي الذي قد يتلقى المزيد من طلبات القروض والدعم، مهم جداً في هذه المرحلة. ولذا فإن رفع جرعة الحذر حالياً أفضل من انتظار الطوفان الذي لا يبقي ولا يذر. *كبير الاستشاريين في شركة أليانز

مشاركة :