د.جي.ال. دبليو ميتشل فان دير زاهن*توفير بيئة عمل ملائمة للعملة الرقمية المشفرة يتطلب خلق قوانين تنظيمية ورقابية. زيادة استثمارات القطاع العام لتهيئة وتعزيز تطوير العملة تستند إلى الخصائص الأساسية لـ«العملة» ما قد يخلق آلية صرف مستقرة.برز في الآونة الأخيرة اهتمام كبير على نطاق واسع عالمياً بالعملات الرقمية المشفرة ولا استثناء في ذلك للإمارات ومنطقة الخليج. وقد أشاد البعض بالعملات الرقمية المشفرة بينما انتقدها آخرون ووصفوها بأنها أحدث فقاعة في السوق على أهبة الاستعداد لاستنزاف الأصول. وعلى سبيل المثال، أعربت هيئة الأوراق المالية والسلع في الإمارات عن قلقها بشأن التداول في العملات المشفرة، وأصدرت بياناً تحذيرياً عاماً بشأن العروض النقدية الأولية.¹ وبينما تسعى حكومات الشرق الأوسط إلى تنويع اقتصاداتها الوطنية، وتشجيع المزيد من تجارب القطاعين العام والخاص في تكنولوجيا «بلوك تشين»، وتشجيع تعزيز استخدام نظام دفع المعاملات الإلكترونية المؤتمتة، فمن غير المرجح أن يتراجع الاهتمام المتزايد بالعملات الرقمية المشفرة. حيث يصب اهتمام المستثمرين في الإمارات والمنطقة بشكل محوري حول أفضل استراتيجية استثمارية يمكن أن يتبنوها للاستفادة من مزايا العملات الرقمية المشفرة، والتطورات المستقبلية.وتركز إحدى المقاربات على الاحتفاظ بالعملات الرقمية المشفرة باعتبارها «عملة» لتسوية المعاملات المستقبلية. وتشكل العملة المشفرة أفضل صورة لها بكونها عالمية ولا حدود لها وغير منظمة من أي كيان معين، ويمكن قبولها نظرياً في أي مكان. وتجعل هذه المزايا من العملات الرقمية المشفرة وسيلة جذابة لاستكمال مجموعة أوسع من المعاملات الاقتصادية مع جهات أكثر تنوعاً مما يخلق زيادة في الكفاءة وتقليص التكاليف.ومع ذلك، فإن تطوير العملة الرقمية المشفرة كنوع من «العملة» يعتبر في الوقت الحاضر إشكالية (وربما طويلة الأجل). وتاريخياً، تم تعريف العملة من خلال ثلاث ركائز رئيسية: (أ) الاحتفاظ بالقيمة، (ب) ووحدة قياس تمثل قيمتها الحقيقية، و(ج) وسيلة الصرف. ويسلط تطبيق هذه الركائز على العملات الرقمية المشفرة الضوء على أوجه القصور الرئيسية، بما في ذلك التقلبات الكبيرة في القيمة، والافتقار للشفافية والوضوح القانوني، والشكوك بشأن استمرار العملات الرقمية المشفرة الفردية على المدى الطويل. فهذه التناقضات الواضحة تقلل من نموها كقيمة حقيقية.ومن أجل توفير بيئة عمل ملائمة للعملة الرقمية المشفرة يجب خلق قوانين تنظيمية ورقابية. حيث أعربت سلطة تنظيم الخدمات المالية التابعة لسوق أبوظبي العالمي عن اهتمامها بقيمة العملة الرقمية المشفرة بصفتها «عملة»، لكنها نصت على أن ذلك سيتطلب على الأرجح تطوير إطار تنظيمي وقانوني ملائم للمخاطر. ومن شأن زيادة استثمارات القطاع العام تهيئة وتعزيز تطوير العملة الرقمية المشفرة التي تستند إلى الخصائص الأساسية ل «العملة» ما قد يخلق آلية صرف مستقرة، ولكن في نهاية المطاف ستخفض عائدات الفائدة وعوائد الاستثمار.من هنا، قد يكون استعمال مصطلح الأصول الرقمية المشفرة ملائماً أكثر، فيمكن من خلاله تعريف العملات الرقمية المشفرة على أنها أداة استثمارية. إن الميزة الأساسية في تصنيف العملات الرقمية المشفرة على أنها فئة من الأصول كونها غير مرتبطة أساساً بالسوق التقليدي، وبالتالي تقدم فوائد متنوعة. ومقارنة مع فئات الأصول الأخرى، فإن العملات الرقمية المشفرة لديها حواجز أقل من نظرائها الأكثر تطوراً ونضجاً فيما يتعلق بالتكاليف والتنظيم وغيرها من العوائق.ومع ذلك، فإن التقلب الشديد في القيمة يؤكد الصعوبات في تقييم القيمة الجوهرية للعملات الرقمية المشفرة والتي قد تسفر عن تعرض المستثمرين لخسارة كبيرة ودائمة في رأس المال. كذلك، فإن الضبابية بشأن الوضع القانوني والضريبي للعملات الرقمية المشفرة إلى خلق قدر كبير من الشكوك والمخاطر، في حين أن الاحتمالات الكبيرة في تدفق عملات رقمية مشفرة جديدة يزيد التهديد في إضعاف قيمة الاستثمار بشكل كبير. وأخيراً، فإن عدم وجود تنوع بين العملات الرقمية المشفرة يؤدي إلى زيادة مخاطر المستثمرين.وبالنسبة للمستثمرين الإماراتيين ذوي الملاءة المالية العالية، لا سيما أولئك الذين باستطاعتهم تحمل قدر كبير من المخاطرة، فإن العملات الرقمية المشفرة باعتبارها فئة أصول جديدة توفر فرصاً إضافية لتنويع المحافظ الاستثمارية مع إمكانات محسنة لعوائد المحفظة الاستثمارية. ومن المرجح أن يكون لدى هؤلاء المستثمرين أيضاً الموارد اللازمة لاستيعاب أي خسائر ناتجة عن الاستثمار في العملات الرقمية المشفرة.أما المستثمرين الذين لديهم موارد استثمارية أقل في الإمارات، و/أو شهية أقل للمخاطرة، فإن طبيعة الاستثمار المتسم بطابع افتراضي، والشكوك المتعددة والمخاطر المتزايدة المرتبطة بالعملات الرقمية المشفرة، ربما قد تجعل منها أقل جاذبية كفئة أصول منفصلة ومميزة للاستثمار وتنويع المحفظة الاستثمارية. ومع ذلك، فإن مرحلة التطوير للعملات المشفرة تقدم جانباً واعداً ومضيئاً للمستثمر الإماراتي بشكل عام.سيكون التطور المستقبلي للعملات الرقمية المشفرة بطبيعته ووظائفه مدفوعاً بالتقدم التكنولوجي. لذلك، من المرجح أن يسفر الاستثمار في النظام البيئي لتكنولوجيا المعلومات الرقمية المحيط بالعملات الرقمية المشفرة إلى تعريض المستثمر الإماراتي عموماً إلى تقلبات ومخاطر أقل وربما يدر فوائد أكبر من مصادر تدفقات نقدية ملموسة أكثر استقراراً من الاستثمار المباشر في العملات الرقمية المشفرة.وعلى الرغم من عدم احتمال إيقاف تطوير العملة الرقمية المشفرة، وإمكانية أن توفر فرصاً استثمارية. إلا أن كيفية استغلال هذه الفرص لا تزال غير واضحة. ويبدو الاستثمار بالعملات الرقمية المشفرة «كعملة» سابقاً لأوانه على المديين القصير والمتوسط، في حين أن استخدامها كإحدى فئات الأصول لتنويع المحافظ الاستثمارية وزيادة العائدات يعتبر أكثر ملاءمة للمستثمرين ذوي الملاءة المالية العالية. وبالنسبة للمستثمر العام، قد يؤدي التركيز على الاستثمار في محيط النظام البيئي المحيط بالعملات الرقمية المشفرة إلى فوائد أكبر بأقل قدر من الخسائر. ومع تطور التكنولوجيا الأساسية وتحول استراتيجية الاستثمار الدقيقة فقد يمكن التكيف والتغيير. لذا فإن الوقت وحده كفيل بمعرفة ذلك.*محلل مالي معتمد في الإمارات
مشاركة :