صنعاء - تبدو صفاء فقيه وهي تعمل على صناعة العقيق اليمني وأحجار كريمة أخرى، منعزلة عن محيطها وغارقة في جو من الهدوء والتركيز بعيدا عن الحرب التي تمزق بلدها الفقير منذ سنوات. ورغم الدم الظاهر تحت أظافرها، تدخل الشابة اليمنية الجريئة بيديها العاريتين، حجر عقيق أزرق في النار المتوهّجة، ثم تديره برفق وهي تضعه في القالب المخصص له. وتنتقل صفاء بينما لا تزال حرارة الحجر مرتفعة، للجلوس خلف عجلة متحركة، في يديها حجر العقيق، تمرره فوق العجلة وهي تحاول أن تضفي أكبر قدر من النعومة على أطرافه. وتمر دقائق يتحوّل معها الحجر من جسم غير متواز، إلى حجر مقطّع بتناسق تام، يلمع في الضوء بشكل مبهر. وتروي صفاء صاحبة العينين البنيتين أنها تحب هذه الصناعة "رغم أنها تسبب لي الأمراض أحيانا"، مضيفة "أحب أن أكون بين الأحجار الكريمة وأحب الأحجار نفسها. هذا شغف حقيقي بالنسبة لي". ويزخر اليمن بكميات كبيرة من العقيق، وكان هذا البلد الواقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية موطن ملكة سبأ التي قدمت للملك سليمان الذهب والمجوهرات والأحجار الكريمة التي أتت بها من هذه المنطقة. لكن بعد مرور الآلاف من السنين، تهدد الحرب بمحو هذا التاريخ. ويشكّل النزاع المسلح بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين المتواصل منذ سنوات، مصدر التهديد الأكبر للثروة التراثية التي تمتلكها أفقر دول شبه الجزيرة العربية، وبينها مدينة زبيد التاريخية وصنعاء القديمة ومدينة شبام التي تعرف باسم “مانهاتن الصحراء". اليمن يشتهر بصناعة الأحجار الكريمة من بينها “العقيق اليماني” الذي يستخدم في السلاسل والخواتم والأحزمة، وكذلك في الخناجر العربية التقليدية المعروفة باسم “الجنبية” وجميع هذه المدن أدرجت على قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر التي تعدّها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو). ويشتهر اليمن بصناعة الأحجار الكريمة وبينها “العقيق اليماني” الذي يستخدم في السلاسل والخواتم والأحزمة، وكذلك في الخناجر العربية التقليدية المعروفة باسم "الجنبية". وتعود هذه الحرفة إلى المئات من السنين، وكان يمتهنها المسلمون واليهود على حد سواء. وقبل اندلاع الحرب الأخيرة، كانت العاصمة صنعاء معروفة بأنها موطن صناعة الفضة والأوشحة الملونة. وقد تراجعت هذه الحرفة بعدما سيطر المتمردون على المدينة التاريخية في سبتمبر 2014 وطردوا منها الحكومة المعترف بها دوليا. لكن رغم الظروف الصعبة التي تمر بها صنعاء خصوصا، واليمن عموما، استمرت صفاء في مزاولة الحرفة التي تحب، لتصنع على مدى سنوات المئات من الأحجار الكريمة عند طلب الزبائن. وتعود رغبة الشابة في إتقان هذه الحرفة إلى والدها الذي شجعها على ذلك، في مواجهة العادات والتقاليد التي تفرض على المرأة في هذا المجتمع المحافظ الابتعاد عن مهن مماثلة. وأظهرت آخر الإحصاءات الرسمية في العام 2013 عدم مساواة بين الجنسين في عدة مجالات بينها التعليم العالي، إذ أن 185 رجلا يتلقون تعليمهم هذا في مقابل كل 100 امرأة. واستطاعت صفاء مع زميلات أخريات أن يدرسن المهنة في مؤسسة حكومية رغم معارضة البعض، وتخرجن منها في العام 2011. وتوضح “كانت هناك معارضة، من الرجال خصوصا.. لكن عائلتي دعمتني". وفي حرب اليمن المتواصلة منذ سنوات بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين، قتل نحو عشرة آلاف شخص ودخلت البلاد في أزمة غذائية وصحية هي من بين الأخطر في العالم. إلا أن أكثر ما تخشاه صفاء هو أن تمنعها الحرب من مزاولة حرفتها. وتوضح "لقد مضيت في إتقان هذه المهنة لأنني أحبها. إنها الحقيقة". وتابعت "تروي لي هذه الأحجار قصصا مختلفة.. أتعلم أمرا جديدا كل يوم".
مشاركة :