... في توقيتٍ يتّسم بـ «فائضٍ من الحساسية»، أي بعد الانتخابات التي لم يجفّ ضجيج نتائجها وقبل الشروع في المشوار الصعب لتشكيل حكومةٍ جديدة، دَهَم بيروت القرار الأميركي - الخليجي الذي يشبه عملية هبوط بالمظلات الديبلوماسية خلف خطوط الاستحقاق الأهمّ في لبنان (hي تشكيل الحكومة) والذي تجلّى بفرض عقوبات على قيادة «حزب الله» وإدراجها على قوائم الارهاب.وضاعَفَ توقيتُ القرار الأميركي - الخليجي، الذي يشمل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله ونائبه الشيخ نعيم قاسم على رأس قائمة تضمّ عشرة أسماء لمسؤولين وكيانات، من وقْعِه الدراماتيكي. فرغم أنه لا يُعوَّل على ان ترجمةً «عملانية» له ستحصل من باب ضبْط أرصدة أو ما شابه لكبار المشمولين به ومصادرتها، فإنه جاء في اللحظة التي يستعدّ «حزب الله» لترجمة ما اعتبرَه انتصاراً في الانتخابات النيابية عبر فرض قواعد جديدة في اللعبة السياسية الداخلية بـ «مفعول» إقليمي.وسريعاً ارتسمتْ في بيروت، التي بدتْ في الطريق إلى لمْلمة «شظايا» المعارك الانتخابية واستعجال تشكيل حكومةٍ بـ «التوازنات» الجديدة، أسئلةٌ محورية جعلت الصالونات السياسية بمثابة «خلايا أزمة» ترصد أصداء القرار الأميركي – الخليجي، وفي مقدمها: في أي سياقٍ جاءتْ العقوبات على قيادة «حزب الله»؟ ما الردّ المحتمل للحزب؟ وأي ارتداداتٍ لهذا التطور على المرحلة الجديدة في لبنان، كالحكومة العتيدة والتفاهمات بـ «الأحرف الاولى» حوْلها؟كان من الواضح أن «حزب الله»، الذي حقّق ما أراده من الانتخابات النيابية عبر فوزه بكتلة وازنةٍ ممْسِكة بـ«مفتاح» البرلمان عبر تَحكُّمه بـ «الثلث المعطل»، أجرى نقاشاً كتوماً حول خياراته حيال الواقع الجديد وتوازُناته ودَرَسَ ملياً المفاضلة بين إمكان بقاء زعيم «تيار المستقبل» رئيس الحكومة سعد الحريري على رأس السلطة التنفيذية رغم كونه حليفاً للسعودية، وبين إمكان تصعيب المهمة أمام الحريري بغية احراجه لإخراجه في اطار توجيه رسالة قاسية للرياض، أي إقصائه من السلطة.وفي الخلاصة التي انتهى إليها «حزب الله»، في ضوء مجمل المشهد الإقليمي، تَقرّر استعجال تشكيل الحكومة برئاسة الحريري، الذي أثبت في نظر الحزب، أنه لم يعمل وفق أجندة سعودية، والأهم كان ما لمح إليه نصرالله في آخر إطلالاته، من ان الحاجة الى استعجال تشكيل الحكومة يُمْليها منْع أي تدخلات من الخارج، وسط انطباعٍ بأن «حزب الله» يتجه إلى «ضرْب الحديد وهو حام»، أي أنه يريد ترجمة انتصاره على طاولة الحكومة العتيدة.من هنا، تعتقد دوائر مراقبة في بيروت ان ارتدادات القرار الأميركي - الخليجي، الذي برز فيه الالتقاء على إنهاء التمييز بين جناح عسكري وآخر سياسي في «حزب الله» والذي تَرافق مع تذكير واشنطن الحكومة اللبنانية الجديدة بوجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس، لن تعيد خلط الأوراق او تؤدي الى تطورات من النوع الدراماتيكي، لكنها ستُفضي إلى ما يشبه العودة الى «التوازن السلبي» الذي كان قائماً قبل الانتخابات واختلّ لمصلحة «حزب الله». ولعلّ ترجمات تلك المفاعيل يمكن أن تظهر عبر مزيد من الواقعية وعلى المستويات الآتية:• كبْح جماح ما يعتبره «حزب الله» انتصاراً من شأنه تعديل التوازنات القائمة، أي أن مفاعيل القرار الاميركي - الخليجي ستحرم «حزب الله» من المغالاة في فرض شروطه حيال الحكومة الجديدة، كالأحجام والبيان الوزاري.• سيؤدي الحرص على عدم استفزاز المجتمعيْن العربي والدولي إلى اعتماد الوضوح في تبني «النأي بالنفس» في البيان الوزاري واللجوء إلى الغموض المعتاد في المرور على ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة.• يرجح بقاء «حزب الله» في المقاعد الخلفية في الحكومة بعدما لوّح بإصرار بالرغبة في الإمساك بوزارات دسمة وحساسة تحت شعار الانتقال الى الشراكة في القرار السياسي - المالي.وفي تقدير دوائر مراقبة، فإن أركان الحكم في لبنان يدركون أن تَجاهُل التحولات الجارية والتي عبّر عنها القرار الأميركي - الخليجي بعد تطورات الملف النووي، سيكون أقرب الى المجازفة مع الخاصرة الرخوة التي يشكّلها الهاجس من الانيهار المالي في البلاد وإمكان احتجاز الأوكسجين المتمثّل بالمساعدات الموعودة من مؤتمرات روما -2 وسيدر-1 وبروكسيل.وعلى وهْج العودة المدوّية للمعطى الاقليمي - الدولي الى المَشهد اللبناني، تشي الأيام المقبلة الفاصلة عن مرحلة «التسليم والتسلّم» بين البرلمان الحالي وبرلمان 2018 إيذاناً بانطلاق قطار تشكيل الحكومة الجديدة بأنها ستكون محكومة بتجاذباتٍ شتى وإن تحت سقف «الاطمئنان» الى أن رئاسة مجلس النواب محسومة للرئيس نبيه بري وأن رئاسة الوزراء محسومة للحريري.وقبل 5 أيام من موعد جلسة انتخاب رئيس البرلمان الجديد ونائبه وهيئة مكتب مجلس النواب، وبعدما ساد انطباع بأن لعبة «تقاسُم الحصص» حيّدت موقع نائب الرئيس عن خط «المعارك» إذ أبلغ بري الى الرئيس ميشال عون أحقية تكتل «لبنان القوي» باختيار أحد أعضائه «وسأصوّت له» وإشاعة ان عضو التكتل النائب ايلي الفرزلي بات قاب قوسين من استرجاع منصبه الذي شغله بين 1992 و 2005 وان اسمه يشكّل نقطة تقاطُع بين رئيسيْ الجمهورية والبرلمان، باغت حزب «القوات اللبنانية» الجميع بطرْح النائب في تكتله أنيس نصار نفسه مرشحاً لهذا المقعد (يعود عرفاً للروم الأرثوذكس) في خطوة اعتُبرت في سياق مزدوج: الأوّل رسْم «سقف مفاوضة» عالٍ في ما خص ملف تشكيل الحكومة وموقع نيابة رئاسة مجلس الوزراء (تتولاه حالياً «القوات») وحجم تمثيل «القوات» فيها، ولا سيما أن ثمة أجواء تشير الى ان نصار، الذي أعلن أمس ترشحه لهذا المنصب، يحظى مبدئياً بدعْم من «تيار المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي وقد ينجح باستقطاب مستقلين. والثاني الرغبة في قطْع الطريق على وصول الفرزلي، الذي تعتبر القوى التي كانت منضوية سابقاً في تحالف «14 آذار» أنه كان من رموز «الحقبة السورية» في لبنان، الى هذا الموقع الذي طُرِح لتولّيه أيضاً من «تكتل لبنان القوي» النائب الياس بو صعب.
مشاركة :